مدير عام أدوية سامراء: مُنتجنا يضاهي المناشئ العالمية

1٬138

عامر جليل ابراهيم  – تصوير حسين طالب  /

تعد شركة أدوية سامراء من أبرز الشركات الدوائية في منطقة الشرق الأوسط، لما لها من سمعة كبيرة في مجال صناعة الدواء بكفاءة عالية تضاهي المناشئ العالمية، معتمدة على مجموعة من الخبراء والمختصين بعلم الصيدلة والكيمياء والتصنيع الدوائي، ومستندة الى  جودة مستحضراتها التي تنتجها بعد استقراء حاجة السوق، فضلاً عن ثقة المواطن لخضوع منتوجها للسيطرة النوعية ورخص أسعاره إذا ما قورنت بغيرها من أسعار المنتج الدوائي الأجنبي.

ولكون موضوع الصناعة الدوائية في العراق يكتسب أهمية كبيرة في هذا الوقت، خاصة بعد أن أصبح العراق سوقاً مفتوحة للكثير من الأدوية والمستلزمات الطبية المستوردة، زارت مجلة “الشبكة العراقية” شركة ومعمل أدوية سامراء والتقت مديرها العام ورئيس مجلس إدارتها، الصيدلاني عبد الحميد عبد الرحمن محمود السالم، لتسليط الضوء على أهم منتجاتها الدوائية وخطة تسويقها فأثمر وجودنا عن هذا الموضوع:

صرحٌ دوائيٌّ عريق

يقول المدير العام عبد الحميد السالم : “إن الشركة تأسست في العام 1965، على أساس معاهدة التعاون الاقتصادي والفني بين العراق والاتحاد السوفيتي، وبدأ إنتاج الشركة في أوائل سبعينات القرن الماضي، واختيرت مدينة سامراء ليشيد عليها مبنى الشركة وعلى مساحة  تقدر بـ  200 دونم” ، موضحا “أن انطلاقة الشركة في بداياتها كانت قوية جداً، إذ  تعاونت مع شركات عملاقة لإنتاج أدوية رصينة, مثل شركة روش السويسرية وغيرها من الشركات العالمية، ومرت الشركة بمراحل عديدة تم من خلالها تطوير البيئة الإنتاجية وتطوير المستحضر الدوائي وجودته ونجاحه حسب شهادات الفحص التي تصدر من الرقابة الدوائية، وسارت الشركة بخطى ثابتة بعد أن تم استيراد مكائن وأجهزة مختبرية جديدة كان لها الفضل في زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته”.

أكد السالم “أنه في فترة التسعينات بعد فرض الحصار على العراق ساهمت شركتنا في سد الجزء الأكبر والمهم من حاجة البلد إلى الدواء، لكننا الآن نواجه مشكلة إغراق السوق بالأدوية المستوردة، وكثير من المواطنين يعتقدون أن الشركة الآن شبه متوقفة وهذا غير صحيح. الشركة التي تحمل الكثير من الشهادات العالمية من مؤسسات دوائية محترفة تحاول إعادة الثقة في عدة محاور، منها عن طريق وسائل الإعلام والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي وخطط  الإعلانات الممولة في موقع التواصل الاجتماعي، تسعى من خلالها إلى الترويج لمنتجاتها الدوائية وإشعار المواطن بعملها، كذلك التركيز على تحسين التعبئة والتغليف، لكون الشركة  في فترة الحصار  كانت تولي اهتماماً كبيراً للإنتاج على حساب التعبئة والتغليف وأعتقد أن هذا الأمر ظل ملازماً لأذهان الكثير من المسؤولين عن الشركة، إلا أن العمل اليوم يتركز على تغيير هذه الفكرة والاعتناء بعلب الأدوية عن طريق تصميمها وتغليفها بشكل لائق”.

الفاتورة الدوائية

رئيس مجلس إدارتها أوضح للمجلة :”في الفترة السابقة وصل إنتاجنا الى 400 مستحضر، لكن هناك أدوية أصبحت قديمة والطلب قلّ عليها بشكل كبير مثل دواء (البنسلين)، بالمقابل ظهرت أنواع جديدة من الأدوية مثل أدوية معالجة ارتفاع الضغط وأدوية السكر والقلب والدهون وغيرها، نواجه مشكلة فيما يخص الأدوية الجديدة في طريقة الترويج لها بسبب إغراق السوق بأدوية أجنبية مماثلة لها، لكننا لم نقف مكتوفي الأيدي ولدينا الآن مقاربة جديدة للأدوية الجديدة التي سوف ننتجها ونعطيها إلى وكيل يقوم بدوره بالترويج لها، فالدواء له خاصية في الترويج تختلف عن كل المنتجات السلعية الأخرى، فتعريف الناس بالدواء والترويج له يتم عن طريق الطبيب وليس الإعلام، لذلك نحاول الآن طرح منتوجنا من الأدوية الطبية الجديدة  بشكل كبير، وبأسعار تنافسية لتقليل الفاتورة الدوائية للمريض سواء تلك التي نسلمها لوزارة الصحة أو القطاع الخاص، ونسعى بكل جهدنا إلى سد النقص في الخدمات الصحية المتعلقة بالجانب الدوائي”.

المستورد الأجنبي والمحلي

 بشأن ميزة المستورد عن المحلي، يبين السالم أن هذا الموضوع مرتبط بعقلية المواطن العراقي، الذي يعتقد ـ بمفهوم مسبق ـ أن الدواء الأجنبي هو الأفضل, وهذا انطباع خاطئ لأننا كشركة لدينا سمعة جيدة، كما أن لدينا مختبرات بمواصفات عالمية نقوم بإخضاع الدواء فيها للتحليل والتأكد من فعاليته، هناك دساتير عالمية للتحليل الدوائي، خاصة الدساتير الأمريكية والبريطانية ونحن نحلل أدويتنا استناداً إلى هذه الدساتير مستخدمين نفس الأساليب المتبعة فيها، أما ما يخص تعبئة وتغليف الأدوية فكما ذكرت بأننا نسعى إلى تحسين منتوجنا المحلي  في هذا الجانب، هذا فضلاً عن رخص منتوجنا المحلي الذي ينافس الكثير منه المنتوج الأجنبي في سعره وكفاءته.

 عن معدل أسعار الأدوية التي تنتجها الشركة، يقول المدير العام :”الأدوية  تتراوح أسعارها بين 100 دينار إلى 2000 دينار، كالبراسيتول والفلو آوت والأسبرين وغيرها من الأدوية التقليدية البسيطة. أما بعض الأدوية فتكون أسعارها غالية بعض الشيء مثل دواء (السوبر اكززين)، وهو الجيل الثالث من المضادات الحيوية ويصل سعره الى (2000) دينار وصولاً إلى علاجات الضغط والسكر التي قد تصل أسعارها إلى ما بين ثلاثة إلى أربعة آلاف دينار”.

حماية المنتج المحلي

سد السوق المحلية وكيفية وصول إنتاج الشركة إلى ذلك..  يجيب عن هذا السؤال الصيدلاني السالم من خلال محورين: الأول هو القيمة، أما المحور الثاني فهو الكمية، فيما يخص المحور الثاني تتنتج شركتنا 5% من حاجة السوق العراقية, أما بخصوص القيمة فننتج ما يوازي 1.5%، والسبب هو أننا ننتج أدوية رخيصة الثمن والآن نتوجه لإنتاج الأدوية مرتفعة الثمن عبر محورين: الاول ما ننتجه في شركتنا بسعر 100 دينار سوف ننتجه بسعر 1000 ألف دينار، وهذا ما يزيد حصتنا في البلد, أما المحور الثاني فهو جلب الاستثمار للمستحضرات الدوائية التي لا ننتجها مثل الأدوية الخاص بالسرطان والادوية البايولوجية والتخدير, نحاول زيادة الإنتاج كماً ونوعاً وقيمة, شركتنا الآن لاتغطي حاجة السوق العراقية فيوجد هناك نمو في القطاع الخاص المحلي, ومحاولات الدولة مازالت خجولة في تطوير الصناعة الدوائية، وتشجيع المنتج الوطني مهم جداً كما هو معلوم، والكثير من الدول تلجأ الى إغلاق أسواقها بوجه المستورد سعياً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، وعلى الدولة أن تهتم بالصناعة الدوائية المحلية, وهناك محاولات من مجلس الوزراء بخصوص ذلك، كما أننا نحاول تفعيل قانون حماية المنتج، لأننا نواجه عملية إغراق للسوق، ونقف بقوة بوجه ذلك وقطعنا أشواطاً مهمة، لكن الطريق طويل وعلينا النجاح وحماية المنتج بطريقة صحيحة تساهم في ازدهار صناعتنا الدوائية، وأتوقع في السنتين المقبلتين سنحقق إنجازات كبيرة في هذا المجال.

مراكز بحوث وأنظمة عالمية

لابد من الإشارة إلى أن إنتاج وتصنيع الدواء يختلف بشكل كلي عن إنتاج باقي السلع، فهناك  قواعد وأنظمة عالمية للصناعة الدوائية، منها أنك يجب أن تنتج في بيئة مناسبة للصناعة الدوائية, كما أن هناك دساتير عالمية تنظم عملية إنتاج الدواء إذ يلازم الصناعة الدوائية تحليل للأدوية مقابل لوائح ثابتة (استندر)، بعد الانتهاء من الدراسات البحثية على التركيبة الخاصة بالدواء نرسل الملف إلى وزارة الصحة التي تطلب بدورها نماذج للفحص وعندما ينجح الفحص يتم تسجيل الدواء، والتسجيل هو العملية الأولى في انتاج الدواء، تبدأ بعدها حملة للترويج للدواء الجديد عن طريق وكيل يقوم بالإعلان الدوائي والترويج له في جميع أنحاء العراق، والمنتج الدوائي المحلي برهن على نجاحة وقيمته من خلال تقارير الرقابة الصحية.  مصادر تمويل الشركة، كما يبين مديرها العام، “هي أن 50% من قيمتها من وزارة المالية والنصف الثاني يعتمد على التمويل الخاص من مبيعات شركتنا, نحاول في المستقبل القريب أن نتحول الى شركة رابحة، وهو ما يوفر لنا حرية أكبر في مجالات عديدة، من أهمها  استقطاب الكوادر العلمية والطبية التي تعزز إنتاجنا والتحرر في عمليات التعيين والصرف، فالتمويل الحكومي يفرض علينا بعض القيود والتعليمات التي يجب أن نلتزم بها”، بحسب قول السالم، مبيناً أن وزارة الصحة هي المشتري الرئيس لمنتجاتنا وتصل قيمتها الشرائية بحدود (12) مليار دينار عراقي وهذا المبلغ يشكل ربع مبيعاتنا, ولدينا الخطة الناجحة بزيادة الإنتاج الذي تحتاجه وزارة الصحة، وهذا مايزيد من أرباحنا  وبالتالي الحصول على المرتكزات الأساسية لدعم الصناعات الدوائية المحلية.

آفاق مستقبلية

الصناعة الدوائية في العراق صناعة مهمة تزدهر إذا ماوجدت الرعاية والاهتمام الحقيقيين,  وأهمية رعايتها تأتي من خلال حماية صناعتنا الوطنية عن طريق قيام الدولة بالتشديد على  استيراد الأدوية وفرض الضرائب عليها، ونحن نعلم أن الدولة تراعي الحالة المادية للمواطن من خلال تحديد حجم الضرائب، لكن السعر الذي يشتري به المواطن الدواء يبقى عالي التكلفة، لأن المستوردين يضيفون أسعاراً من خلال إغراء بعض الأطباء للترويج لأدويتهم المستوردة, وإذا ما سعت الدولة إلى النهوض بصناعة وطنية سننتهي تلك الحلقات الزائدة، وبالتالي وصول  الدواء إلى المواطن بسعر أقل, وعلى الدولة وتحديداً مجلس الوزراء ووزارة الصحة أن يضعا قوانين تشجيعية أكثر مما هو موجود، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لحماية الصناعة الوطنية وتحقيق ازدهارها، ولابد من  خطة لإنتاج أدوية جديدة لها جدوى اقتصادية ومفعول دوائي كبير.

معاناة وحلول

 يوضح المدير العام أن الأدوية السرطانية لها خصوصية وهي أدوية سامة تنتج بظروف خاصة وصناعتها تتطلب تكنولوجيا متقدمة، ووزارة الصحة متشددة في هذا المجال، فهي تطلب من الشركة المتعاونة معنا أن تكون حاصلة على الشهادة الأمريكية (fdh), الآن جاءتنا دراسات لإنشاء مصنع أدوية سرطانية ونحن متحمسون لهذا الموضوع،  ومن المؤكد إذا ما عرضت علينا شركة رصينة التعاون سوف نسهم في ذلك ومن أولوياتنا أن ننتج أدوية سرطانية, السوق العراقية تستهلك في السنة ما يقدر بـ 200,000000 مليون دولار أي نحو 250 مليار دينار عراقي، وإذا كانت لنا مساهمة في هذا السوق فسنقلل الكلف، المواطن العراقي يعاني من ارتفاع كلفة العلاج سواء في الأدوية السرطانية او غيرها، ومن يتحمل العبء الكبير لهذا الارتفاع في الأسعار هو المريض, لذلك  يحتاج هذا الموضوع إلى معالجة على أعلى المستويات, وهناك مسعى من الدولة للتأمين الصحي للمواطن، أي أن يكون للمواطن دفتر صحي يتعالج به عندما يمرض ولا يدفع أية مبالغ وهذا ما معمول به في أغلب دول العالم.

إنتاجنا والدواعش

أكد السالم أن  دخول داعش لم يؤثر على عمل الشركة واستمر انتاجنا ولم يتوقف منذ تأسيس الشركة, هناك  شركات توقفت عن العمل  لأسباب معينة لكننا لم نتوقف، فالقوات الأمنية والحشد الشعبي وفرا الحماية للمدينة وحافظا على الشركة.  يختم الصيدلي عبد الحميد عبد الرحمن محمود مدير عام شركة أدوية سامراء حديثه بالقول: نعد أنفسنا محظوظين لأن الشركة لم يصبها أي أذى كباقي المؤسسات الحكومية، فهذا التنظيم المجرم عمد إلى تخريب كل ما له صلة بالحياة.