مكاتب الاستنساخ.. تستنزف جيوب الطلبة

1٬428

ذو الفقار يوسف _ عدسة: حسين طالب/

عادت من جديدة ظاهرة اتفاق اساتذة الكليات مع مكاتب الاستنساخ لترويج ملازم دراسية يعدها عدد من الأساتذة كمناهج لطلابهم، مشاريع هدفها التكسب من طلبة أنهكت مصاريفهم ومتطلباتهم عوائلهم، لاسيما أولئك المنحدرين من عوائل محدودة الدخل. غياب المراجع والكتب المنهجية خلق المناخ لنمو هذه الظاهرة التي ليس لها أدنى مبرر خاصة أن أساتذة الجامعات يحظون برعاية جيدة وبمرتبات تفوق أقرانهم من موظفي الدولة.

يجلس أحمد قرب النافذة عند ركوبه إحدى “الكيات” متأملاً قاصداً جامعته، لم يفكر حينها إلا بما تحويه محفظته من نقود، وهل ستكفيه اليوم؟، فتكلفة النقل إلى الجامعة ومنها، وشراؤه ملابس تليق به كطالب جامعي، أو وجبة يسد بها جوعه أثناء وجوده في الجامعة هي شغله الشاغل، إلا أنه قد صُدم عندما تذكر حصة مكاتب الاستنساخ من مصروفه اليومي، وأن الأولوية لها لما يملكه من مال، لتأكل ماتبقى منه مقابل حفنة من الأوراق التي أضحت بديلة للكتب والمراجع في الجامعات.

من خلال مزايدات ومناقصات علنية بالملايين، أصبحت مكاتب الاستنساخ مصدراً مهماً لزيادة إيرادات الجامعات، حكومية كانت أم أهلية، حيث تطرح في كل عام إعلاناً تدعو فيه كل من يهمه الأمر بأن يكون صاحباً لمكتبة استنساخ داخل الجامعة لعام دراسي كامل، فيما يدفع من ترسو عليه المزايدة مبالغ ضخمة يستوفي ضعفها من الطلاب من خلال تسعيرات خاصة به، قد تصل أحياناً هذه المزايدات إلى (40) مليون دينار للسنة الدراسية الواحدة.

اختفاء المراجع

أصدق القول إن الإنسان حر في تصرفاته، إلا أن هناك أموراً ستجبرك بأن تتصرف على هواها ومبتغاها، ومن خلال الضغط المستمر من قبل الأساتذة لشراء الملازم التي يعتمدونها في مكاتب الاستنساخ الخاصة بالجامعة، وعدم وجود الكتب والمراجع في المكتبة العامة، ما يجعل الطالب يلجأ إلى الملازم ومكاتب الاستنساخ بالرغم من غلائها، واستفادة التدريسيين وأصحاب المكاتب من هذا الوضع، وعدم طرح احتياج الجامعة للكتب والمراجع غير الموجودة في المكتبة العامة، واقتراح حل لهذه المشكلة من قبل الجهات المعنية، كانت سبباً في قصم ظهر الطالب، وتحميله مالايحتمل وهو في وضع يجب أن توفر له جميع احتياجاته ومتطلباته لكي يكمل مستقبله بأكمل وجه، ولكونه يعتبر العمود الذي يتكئ عليه البلد عندما يتخرج.

يؤكد الطالب سلوان ناصر أهمية توافر المراجع والكتب عندما نحتاجها، لإكمال مسيرتنا الدراسية، ففي أحد الأيام اقتضت الحاجة بأن أراجع أحد الكتب لكونه مصدراً رئيساً لأطروحتي، وقد قمت بالبحث عنه في جميع الجامعات والمكاتب ولم أجده، ما اضطرني لأن أشتري هذا الكتاب من مكتبة خارج الجامعة ولكن بهيئة ملزمة ابتكرها الأساتذة، والغريب في الأمر أن هذا الكتاب هو من المناهج المستخدمة في الجامعات، خاتماً حديثه لنا بمزحة لاتخلو من الحسرة “بأن خير جليس في الزمان ملزَمة.”

عامل أم أستاذ!

لعل أبرز مايدعو للاستغراب هو وجود عامل في مكتبة استنساخ لم يكمل الابتدائية، وتراه أعلم بالمناهج الدراسية للجامعات أكثر من الطلاب أنفسهم، فما أن تطلب تطلب منه اسم المادة وتاريخ اعتماد مدرس المادة للملزمة في مكاتب الاستنساخ، حتى يخرجها لك في الحال، ولا يكتفي بذلك فقد يعطيك أيضاً بعض الاقتراحات للأسئلة التي قد تأتي في الامتحان، ومع شديد الأسف بأن يكون الأستاذ أقرب الى صاحب المكتبة من الطالب، ولكونهم يجمعهم مشروع مادي، ولترويج الملزمة التي اعتمدها الأستاذ لدى صاحب المكتبة، وذلك بإعطاء الأستاذ المختص الأسئلة المقترحة، وبهذا يضمن الأستاذ وصاحب المكتبة بيعها بالمبلغ المطلوب، والذي يستفيد منه الطرفان وكل هذا على حساب الطالب الذي اعتمد على الملازم بسبب شحّ المراجع والكتب وانعدامها في بعض الأحيان.

“براشيم”

هذا ما أخبرنا به الطالب أحمد عندما سألناه عن مستواه بعد خروجه من الامتحان، حيث أضاف بأنه لم يفتح كتاب مادة الامتحان مرة واحدة بسبب عمله لتوفير تكاليف الجامعة، وأن اتكاله كلياً على أصحاب المكاتب وما يوفرونه من ملازم مصغرة، تقضي الحاجة بدلاً عن القراءة قبل الامتحان، أو بعض الأسئلة والأجوبة المقترحة من قبل الأستاذ، وتباع هذه الملازم بنفس سعر الملزمة الاعتيادية، موضحاً بأن سهولة العملية ووجود بعض التعجيزات من قبل الأساتذة هي ما أجبرته بأن يخطو نحو الغش، وسلوك الطريق الأسهل للنجاح، وأن أغلب الطلاب في الجامعات تكون نصف علاماتهم في الاقل نتيجةً لشراء هذه الملازم المصغرة، وها نحن نرى بعض خريجي الجامعات الذين لم يعرفوا ماذا تعلموا من دراستهم أو تطبيق ماتعلموه في الجامعات، لأنهم بالأصل لم يقرأوا أو يتعلموا شيئاً إلا كيفية الغش وعدم كشفهم في الامتحان، وأن استخدام “البراشيم” حسب قولهم هو شر لابد منه.

سماسرة البحوث

لم يكتف أصحاب مكاتب الاستنساخ بعملية نسخ “الملازم والبراشيم” وبيع القرطاسية بمبالغ تعجيزية، بل أنهم تفننوا في مجال الاحتيال والنصب على الطلبة، حيث يلجأ إليهم كل عام أكثر من ثلثي الطلاب، لشراء بحوث تخرّج جاهزة، ومكررة أيضاً من السنوات الماضية، وذلك لقلة وانعدام المصادر، وعدم تعاون مشرفي البحث على كتابته مع الطلاب، واللجوء إلى مكاتب الاستنساخ لشراء البحوث بمبالغ كبيرة قد تصل إلى أكثر من “600” ألف دينار لكل بحث، وكلما زاد عدد الأوراق أو استخدام لغات غير عربية في البحوث زادت تكلفتها، وهنا نتساءل أين دور الجهات الرقابية التي يجب أن تحد من هذه الظاهرة؟ حيث يجب التقيد بالوضع المعيشي الراهن للطالب حتى لايتحمل ما لا طاقة له، وعدم تحطيم إدراكه بمراجعة الملازم فقط وإهمال المراجع والكتب، وإعطاء الفرصة للفساد بأن يكون إطاراً بشعاً يؤطر به مستقبل الطلاب ببشاعة الغش.

حصرية المراجع

ما كان من أساتذة الجامعات بتحويل المناهج الدراسية إلى ملازم تباع في المكاتب فقط، بل أنهم قاموا باستبدال المراجع والمصادر وجعلها حصراً بجعبتهم، حيث يقومون باحتكار المصادر التي تُخلق من قبل، ثم جعلهم المصدر الوحيد لإيجادها، من خلال مكاتب استنساخ معينة، واتفاقات فيما بينهم لتقاسم الأرباح.

الطالب مسلم الياسري أوضح لنا ماعاناه خلال دراسته في الجامعة حيث قال: شحّ المراجع وعدم توافرها في المكاتب العامة، جعل ضعاف النفوس من الأساتذة المختصين يستغلون هذه الظاهرة لمصالحهم المادية، فحديثهم بأن هذه الملازم التلخيصية هي مهمة لمسيرتنا الدراسية، وأن عدم شرائها يسبب لنا مشاكل معهم، لأنهم وحسب قولهم لاتوجد مراجع ولا كتب وذلك بسبب الأوضاع في البلد، والحرب والتقشف الذي يمر به البلد، وفي بعض الأحيان هناك كتب منهجية ذات طباعة رديئة. مضيفاً أن هذه الأمور تستغل من قبل الأساتذة ومكاتب الاستنساخ، بالرغم من معاناة الطالب المعيشية، ونسب البطالة والحروب وغيرها من المعوقات، وأن هناك أوجه تشابه بينهم وبين الأطباء في إعطاء الوصفة الطبية، وشرائها من صيدلية هم من يحددها، بعد اتفاقهم فيما بينهم على وضع نسبة للطبيب، أي أن أستاذ المادة يقوم بتحديد المكتبة التي يجب شراء الملزمة منها، حيث تكون غير متوفرة في باقي المكاتب.