منارة سدة الهندية حجــــــر الأســــاس الـــــــذي تحـــــــوّل إلى فنار لإرشاد السفن

162

كربلاء – علي لفتة سعيد/
لكلّ بناءٍ حكاية، مثلما أن لكلّ أثرٍ أو تراثٍ أكثر من حكاية، وهو ما ينطبق على منارة سدّة الهندية التي لم تزل شاخصة ببنائها ويحتفظ طابوقها بالعديد من الحكايات والمراحل التي شهدت تشييد السد والمنارة معا، حتى ارتبط السد بها وارتبطت هي بالسد.
يقول الباحث في شأن مدينة المسيب (عباس محسن الجبوري) إن منارة سدّة الهندية هي الحجر الأساس لبناء سد على نهر الهندية جنوب مدينة المسيب ٨كم، الذي أعيد بناؤه بعد أن تهدّم السدّ سنة 1854م، الذي أمر به عبد الكريم نادر باشا. يضيف أن السلطة العثمانية كلّفت المهندس الفرنسي (شون ديرفر) ببنائه على نهر الهندية على مقربة من السدّ المنهدم، للحاجة الإروائية، وبعد الاطّلاع باشر المهندس العمل به وبأيدٍ عراقية. ويشير الى إن طابوق السدّ في بنائه الأول عام 1889م جري نقله على البغال من قصر نبوخذ نصر في بابل، ولهذا حكاية وأسباب ربما تدخل فيها الآراء السياسية والمواقف المرتبطة باليهود، وقد استمر العمل فيه ما يزيد على العام الواحد، إذ جرى افتتاحه في 25 تشرين الأوّل عام 1890م. وما زال حجره الأساس شاخصاً.
أقيم بمناسبة افتتاح السد احتفال حضره الوالي العثماني (سري باشا)، ونقيب بغداد عبد الرحمن الكيلاني ، ورفعت الجادرجي، وبعض الأعيان، وتخليدا لإنجاز هذا الصرح شيدت (المنارة) على الضفة اليسرى من النهر، بمقربة من السد، وكانت تمثل حجر الأساس بدلا من أن يكون كما هو متعارف عليه، لتكون منارة تحكي قصة السد وعمليات تشييده وتاريخه المهم.
المنارة والحجر الأساس
المنارة باقية بشكلها المخروطي أو القاعدي الذي يشبه الهرم. إذ إن بإمكان أي شخص أن يراها بحسب رؤيته في اللحظة، فهي بنيت (كما يقول الجبوري) على قاعدةٍ مربّعة الشكل، وبنيت فوق هذه القاعدة سبع طبقات، ويعلو هذه الطبقات عمودٌ مخروطيّ مربّع، تعتليه قبّة صغيرة، وعلى القبّة الصغيرة عمود نحاسي ثبت على نهايته مجسم (هلال) على الضلع الشمالي، وقد بنيت من الطابوق الذي جلب لبناء السد ليتحوّل المكان الذي كان قريةً صغيرةً وبسيطةً الى قصبة، ثم تتحوّل الى وحدةٍ إدارية (ناحية) عام 1921م. لكن السؤال الذي يتبادر الى الذهن: لماذا تحوّل حجر الأساس الى منارة عالية وهي خالية من الداخل من أيّ سلّم؟ يقول الجبوري إن السبب كان لجعل المنارة فناراً تستدل به السفن التي كانت تتحرّك، لأن مياه الأنهار كانت سريعة، ونهر الفرات كان هادرا وعريضا، فقد كان عرضه يبلغ أكثر من 200متر. وحتى لا تصطدم السفن الغادية والرائحة من والى بغداد والجنوب حتى الخليج العربي، فتكون المنارة دليل إرشاد وتوخّي الحذر، لوجود غابات نخيلٍ وانحناءة في نهر الفرات، تبدأ من مدينة المسيّب حتى شمال سدة الهندية.
يتابع الجبوري أن الأهم في المنارة ما هو مدوّن على المربع الأوّل منها، حيث وضعت رخامة نقشت عليها باللغة العربية وبالخطّ الفارسي كتابات توضّح الأسباب وتعطي الدلالة على أهمية السدّ من جهة وأهمية المدينة التي تأسّست أيضا، ليكون حجر الأساس للمنارة والمدينة معا. ويذكر الجبوري ان ما مكتوب على لوح المنارة (لما تحوّل نهر الفرات عن مجراه وعدل الى غير جهته كما تراه، أمرنا بإنشاء هذا السد السديد المحكم. وشق هذا الخليج على الوجه الأتم من كان أمره مطاعا جاريا على وجه الأرض جريان الماء في الفرات عميم الخيرات عظيم الميزات سيد سادات السلاطين مولانا أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين فخر سلاطين آل عثمان السلطان الغازي عبد الحميد ابن السلطان الغازي عبد المجيد كان الله تعالى متكفّلا بنصره وقرن التوفيق بمطاع أمره لإحياء الأرض بعد موتها وري أرض الحلة الفيحاء. وقد وافق الفراغ من ذلك في السنة الثامنة بعد الثلاثمئة وألف وصلوات الله وسلامه على محمد النبي وآله وصحبه الطيبين أولي الشرف 1308 ويوافق هذا التاريخ 1890 في التقويم الميلادي.
تحول سياحي
المكان سياحي وجميل وخلّاب ايضا لو امتدت له أيدي الإعمار جعله متنفّسا للعائلات، ومكانا ترفيهيا جاذبا للسياح. يقول الصحفي والرحّالة (حمدي العطار)، الذي زار المنطقة وكتب عنها، إن تاريخ المنارة واضحٌ من خلال ما كتب عليها، الذي يوضح زمن البناء والتشييد، ومن هو السلطان الذي أمر بإنشائها. ويضيف أنها واحدة من أهم المعالم التاريخية والأثرية في العراق عموما، والمسيب خاصة، وعمر هذه المنارة صار يزيد على ما يقرب من 140 سنة، وكان البناء في زمن الحكم العثماني للعراق. وكان السلطان العثماني سليمان القانوني قبلها قد زار كربلاء، وأمر بحفر نهر الحسينية في عام 1550.
ويدعو العطار وزارة الثقافة والسياحة والآثار الى الاهتمام بهذه المنارة والمكان بشكلٍ عام، وتحويله الى مرفقٍ سياحي مهم للحفاظ عليه من الاندثار، فضلا عن كونه موردا اقتصاديا وراحة للعائلات في أماكن طبيعية، وايضا جهة للسياح الأجانب ضمن أفواج السياحة.