من التذمر إلى التطور الآباء يدعمون مشار يع الأولاد الإنتاجية

165

فكرة الطائي /

أراد السيد محمد سلمان الربيعي – أعمال حرة – أن يمتص ويذيب تذمر ولده (سلمان) الذي بقي جالساً في البيت لسنوات بعد أن أنهى دراسته الإعدادية ولم يؤهله معدله النهائي لنيل الكلية التي يرغب الدراسة فيها. لم يعترض الأب على ذلك، فقد كان يفكر أن أيام البطالة سوف تقود ابنه الى العمل معه في ورشة الحدادة.
استرسل في الحديث عن ولده أحمد، الذي كان يتمنى أن يقوم بالعمل بدلاً عنه، ليأخذ بيد إخوته معه في تطوير ورشة الحدادة وجعلها معملاً صغيراً ، وبذلك يحققون حلمه الذي كان ومازال يحلم بتحقيقه.
حكايات وأمنيات
لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، إذ أحسست أنه أراد أن يقول ذلك، لكنه حكى لولده حكايته مع والده، التي يرى فيها تكراراً للصورة، كأن الزمن يعيد نفسه، أخبرني “كنت صبياً في سن أصغر من سن ولدي حاليا، وكان والدي –جد سلمان – يملك محلاً بسيطاً لبيع أدوات احتياطية للسيارات، تلك التي يحتاجها أصحاب الورش في الحي الصناعي، كنت في ذلك الوقت طالباً في الصف الثاني المتوسط، يستعين بي الوالد في التعرف على الأدوات الاحتياطية الجديدة للسيارات المستوردة وفرزها وتحديد أماكن خاصة لها، بعيدة عن المواد الشائعة الاستعمال، التي يحفظها عن ظهر قلب، منذ تلك الخطوات الأولى أحببت العمل الحر وسعيت الى فهم تفاصيل هذا العمل من أهل الاختصاص في الحي الصناعي، فأنا في العمل مسؤول نفسي، وأرباحي على قدر مجهودي، ولم أفكر في العمل في مؤسسات الدولة على الرغم من أني كنت قادراً على أن أكون موظفاً آنذاك. طلبت من ولدي أن يحرك نفسه قليلاً ويبتعد عن التذمر ويأتي للعمل معي، طلبت منه أن يساعدني، فقد أخذت أشعر بثقل السنوات علي، ولابد من وجود مساعد يأخذ دوري في العمل ويقود إخوته معه في هذا العمل. بعد أيام وجدته واقفاً أمام الورشة، دخل وأخذ يشتغل بيده، ومنذ ذلك اليوم لم يغادر الورشة وإنما أحب العمل والآن يفكر بتطويره مع إخوته.”
ساعدوني لكي أعمل
قالت لي السيدة إخلاص علي – أرملة وأم لولد واحد –: “توفى زوجي الذي كان عاملاً بسيطاً في إحدى الدوائر الحكومية، وترك لي ولداً صغيراً أرعاه، كان راتب زوجي هو راتب الحد الأدنى، لذلك أصبحت أنا الأم والأب لولدي الذي أردت أن يكون رجلاً يعتمد عليه، وكانت سنوات دراسته الأولى صعبة بالنسبة لي على الرغم من توفير أهلي غرفة خاصة لي ولولدي، وبذلك تخلصت من عبء الإيجار. أدرك ولدي (حسان) صعوبة وضعي، لكن ليس في اليد حيله فهو طفل، كان يراقب والده في أثناء عمله الحر خارج أوقات الدوام الرسمي، حين كان يقوم بتصليح ولف (الماطورات) الكهربائية العاطلة، لم أكن أعرف أن هذا الطفل الذي صار صبياً قد أتقن المهنة عن أبيه الذي، لذا أخذ يتوسل بي لمساعدته في فتح ورشة لتصليح (الماطورات)، عرضت الموضوع على خاله، الذي رحب بالفكرة لكنه اشترط أن يكون العمل بعد انتهاء الدوام المدرسي وإنهاء واجباته في البيت، وافق حسان على ذلك وخصص الخال نصف محله ليكون ورشة للصبي.”
أحب العمل
دخلت الى سوبر ماركت لتسوق بعض الحاجيات المنزلية، استوقفني صبي يحمل بيده نوعاً جديداً من (الجبس) معبأ بأكياس ملونة، طلب مني أن أشتري واحداً تشجيعاً له ، كان سعر الكيس 250 ديناراً وهو لا يختلف عن باقي الأسعار المعروضة في السوبر ماركت، بل إن هناك أنواعاً ثمنها عشرات أضعاف هذا الثمن، قلت له: لماذا تريدني أن أشتري منك؟ قال “أنا مندوب مبيعات تحت التجربة، وطلب مني صاحب العمل أن أصل في مبيعاتي الى رقم محدد لكي أثبت جدارتي واستحق التثبيت كمندوب مبيعات، فأنا أحب العمل، ولا أريد أن أكون خاملاً.. كذلك أحب دراستي.” وبدلاً من أن أشتري كيساً واحداً، اشتريت المتبقي لديه تشجيعاً لهذا المندوب الصغير الذي يحب عمله.”
الاقتصاد عصب الحياة
يقول السيد علاء الوردي – باحث أكاديمي –: ” الاقتصاد عصب الحياة، إذ تقاس الأمم المتطورة بمدى تطور مستوى دخل أفرادها، وجعله فوق مستوى خط الفقر. ويشكل الاقتصاد حلقة مهمة من حلقات الحياة، لذلك نجد أن غالبية علماء الاقتصاد أكثر قرباً الى علماء الاجتماع، فعند التخطيط لإنجاز مشروع استثماري، سواء أكان فردياً أم جماعياً، لابد من أن يكون معداً بصورة دقيقة جداً، فمن المهم أن تكون هذه المشاريع ذات مورد نفعي لأصحابها والعاملين فيها، كما يجب على الدولة أن تساند أصحاب تلك المشاريع للقضاء على البطالة أولاً وتحريك الاقتصاد ثانياً، وكلما كان الشباب مشغولين بتلك المشاريع وعملية الربح، استطعنا بذلك أن ننتشلهم من مخاطر كبيرة قد تؤدي بهم الى الهاوية، فالشباب طاقة كبرى تجب مراعاتها واحتواؤها عن طريق العمل، أنا أعتقد أن هذه المشاريع وإن كانت صغيرة فإنها تغني الواقع ، إذ أن بناء المجتمع يبدأ من بناء نفوس جيدة من مواطني البلد مع إقامة حلقات تثقيفية كبرى لمواكبة التطور والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة التي تعمل المستحيل في عملية ارتقاء شبابها العاطل عن العمل وزجهم في تلك المشاريع الصغيرة أو الكبيرة، وهنا لابد من أن تكون الأسرة داعمة لمشاريع الأولاد التي تؤدي الى انتعاش الحياة الاقتصادية.”