موكب عزاء الأنباريين.. من الكاظمية إلى كربلاء (رايات منشورة غصباً على عيون العدا ابن الزجية نزوره)”
سجى رشيد/
تعد المواكب الحسينية من أبرز المظاهر الدينية والثقافية والتاريخية التي تمثل طقوس إحياء واقعة الطف واستشهاد الإمام الحسين بن علي (ع)، إذ تعكس هذه المواكب الرغبة الكبيرة في إحياء شعائر الطف.
تتحول المواكب إلى مراكز لاستذكار الثورة الحسينية من خلال العديد من الفعاليات المتنوعة، التي تتمثل بإقامة المجالس الحسينية وتلاوة القصائد والروايات،فضلاً عن تقديم الأطعمة المجانية، وكل ما يعبر عن الولاء للإمام الحسين (ع)، وتجديد العهد على مواصلة منهجه في مقاومة الظلم والفساد. ومن أبرز وأقدم المواكب الحسينية هو (موكب عزاء الأنباريين) في الكاظمية المقدسة، الذي دأب سنوياً على إحياء ثورة الإمام الحسين، الذي يعود تأسيسه إلى أكثر من قرنين.
يقول الحاج عباس، ابن الحاج جواد درويش الأسود، مسؤول الموكب، إن “موكب عزاء الأنباريين يعد من أقدم المواكب في العراق، إذ يعود تاريخ تأسيسه إلى أكثر من 200-250 سنة، فقد تأسس سنة 1818 من خلال ما عثر عليه من الوثائق التي تؤرخ تلك المرحلة.”
الأحداث التاريخية
يضيف الحاج عباس أن “موكب عزاء الأنباريين كان شاهداً على أحداث تاريخية مهمة، إذ إنه موكب متوارث من الأجداد إلى الإحفاد.” مستذكراً أن “الحكومة منعت الموكب عام 1974 ضمن إجراءات اتخذتها لمنع إقامة المجالس الحسينية في فترة النظام السابق، وكان التشديد على موكبنا كبيراً، لما له من تأثير وارتباط روحي في إحياء معاني ثورة الإمام الحسين لدى المسلمين، واستمر المنع الى تسعينيات القرن الفائت، حين ضعفت قوة النظام وجرت إعادة المجالس، على الرغم من المخاطر التي كانت تحيط بأصحاب المواكب خلال تلك الفترة. كما واجه الموكب تحديات في زمن ذلك النظام، إذ تعرض أصحاب الموكب والشعراء و(الرواديد) إلى الاعتقالات والتعذيب والترهيب والتهديد بهدف منع اقامة المجالس. أما بعد سنة 2003 فقد واجهنا مرحلة صعبة جداً بسبب الإرهاب والانفجارات التي كانت تستهدف المواكب والمجالس الحسينية.”
وأوضح الحاج عباس أن “الموكب كان يحيي الشعائر الحسينية لمدة ثلاثة أيام، هي العاشر والحادي عشر والثاني عشر من شهر محرم بما يعرف بـ (شامي غريبان) ليلة الغربة، في منزل بمنطقة المشاط في الكاظمية، حيث كنا نردد بأعلى أصواتنا من قلوب مفجوعة بهذه المصيبة هتاف (يازينب بهذي المسية غريبة محيرة بالغاضرية).
تقاليد ورموز
كما أكد الحاج عباس أن “الاستعدادات لبدء المراسيم الحسينية تبدأ بعد عيد الغدير بنشر السواد واللافتات، ثم يبدأ الموكب بإحياء الشعائر ابتداء من اليوم الثالث من شهر محرم الحرام لغاية اليوم العاشر، ولعل من أبرز مايميز الموكب هي (الردات) التي تمثل أهم مظاهر الموكب، كذلك إقامة مآدب العشاء وتوزيعه بين الحاضرين والعابرين يومياً، كما تستذكر العبر والدروس والمواقف الخالدة للإمام الحسين (عليه السلام وآله وأصحابه)، وأتولى بمساعدة أولادي إدارة الموكب وتنظيمه وتجهيزه بكل ما يحتاج إليه لإدامة تقديم الخدمات للحضور والمشاركين في العزاء.”
وأضاف أن “موكب عزاء الأنباريين اشتهر بـ (الردات)، وهي شعارات نرددها لتعزية الإمام الحسين وآله وأصحابه، شهداء معركة الطف (عليهم السلام)، وتمثل مظهراً سلمياً لشرح أبعاد الثورة وقيمها الخالدة، التي يكتبها شعراء الموكب.”
وبيّن الحاج عباس أن “موكب عزاء الأنباريين مازال محافظاً على التراث الثقافي والديني للشعائر الحسينية، ومحافظاً على الـ (ردات) التي عرف بها، الى جانب مواكب أخرى معروفة، مثل (الخالصية، والزراعة، وأنصار الرسول، والهنود)، أما بالنسبة لبقية المواكب فإنها -مع الأسف- تغيرت بتبنيها مظاهر دخيلة وبعيدة عن المنهاج الحسيني.”
واستذكر الحاج عباس إحدى الحوادث المرتبطة بتاريخ الموكب فقال: “في فترة التسعينيات تلقينا إخبارية بعدم إقامة المجلس في ذلك اليوم لأسباب أمنية، ويومها أخبرتني ابنتي (بشائر) بحلم راودها بأن شخصاً كان يتحدث معي ويخبرني بإقامة المجلس وعدم الخوف، وحين سألت الشخص من أنت؟ أخبرني بأنه الإمام (أبو الفضل العباس) (ع) وعندما أردت إحضار الماء له فوجئت بأنه بلا يدين، فأقمنا العزاء في ذلك اليوم وكانت سيارات الأمن تمر بجانب البيت لكنهم لم يستطيعوا معرفة مكان العزاء.”
أنشطة خيرية
مضيفاً أن “الموكب مرتبط بأنشطة خيرية لمساعدة المحتاجين والمرضى، ومنذ سنة 1952 كانت لدينا حسينية بمساحة (1000) م في شارع طويريج، جرت مصادرتها من قبل النظام المباد سنة 1995، لكننا اشترينا حسينية جديدة بمساحة (120) م، وبمرور الوقت قمنا بتعميرها إلى أن أصبحت متكاملة، وتقدم فيها جميع الخدمات للزوار قبل الأربعينية بأكثر من خمسة أيام، إذ نستعد وننطلق بسيارات محمله بكل الاحتياجات (من الكاظمية إلى كربلاء رايات منشوره، غصباً على عيون العدا ابن الزجيه نزوره).”