نساءٌ.. مصابات بالايدز بحاجة الى انصاف
بشير الاعرجي /
بصعوبة بالغة، أقنع مدير المركز الوطني للآيدز إحدى المصابات بفايروس العوز المناعي البشري (الايدز) بالعدول عن الانتحار، فقد أصيبت بالعدوى من زوجها، ما جعل إخوانها وأخواتها ينفرون منها ويهجرونها لذنب لم ترتكبه، فما كان منها إلا التفكير بمغادرة الحياة، حاملة معها فايروساً لا شفاء منه.
رفض المجتمع
تحدث الدكتور (بهجت عبد الرضا السعيدي) لـ”الشبكة العراقية”: ان “تلك المصابة أم لعدة اطفال، وهي الآن في عزلة من أغلب أفراد عائلتها، وحتى المجتمع، لأنها تفكر أن مآل حياتها سيكون الموت العاجل، ويستوطنها فايروس خطير.” وأضاف: “فكرت المصابة، وهي في نهاية العقد الرابع، بالانتحار، وتحدثت معي خلال مراجعتها المركز وكذلك عبر الهاتف النقال عن صعوبة التعايش مع الفيروس ومع المجتمع، لكنني قمت بإقناعها أن لا ذنب لها في الإصابة بالآيدز، وأن الانتحار ليس حلاً إنما يفاقم صعوبة الحياة أمام أطفالها الذين هم بحاجة الى رعايتها مستقبلا”.
قصص مكررة
قصة هذه السيدة المصابة لها نسخ عديدة في العراق، لكن لا يتم الإعلان عنها لخصوصية المرض من جهة، ونظرة المجتمع الى المصابين بصورة غير مباشرة من جهة أخرى، اي الزوجات اللاتي ينتقل المرض اليهن من أزواجهن.
مدير المركز الوطني للايدز أضاف: “تم تسجيل 124 اصابة جديدة بين العراقيين خلال 2018، ليصبح مجموع المصابين الأحياء 377 مصاباً. والواقع يشير الى تزايد الإصابات، وهو أمر صرحنا به سابقاً ولم نتكتم عليه كما تزعم بعض الجهات الإعلامية، وتزايد الأعداد بسبب التحديات التي تواجه البلاد والمتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية، فالمرض انحسر في أغلب دول العالم، باستثناء الشرق الأوسط الذي ارتفعت فيه الإصابات للأسباب التي تم ذكرها”.
وتابع السعيدي بالقول: “أغلب الإصابات في العراق تأتي عن طريق الجنس غير الآمن، ومن ثم تتوزع الأسباب الأخرى لانتقال المرض بين استخدام الأدوات الجارحة الملوثة بالفايروس سواء بالوشم على الجسم أو الحجامة وباقي الأدوات الجراحية، وأخيراً تعاطي المخدرات بإبر الحقن، والسبب الأخير هو الأقل تسجيلاً، وبالتحديد هناك إصابتان فقط، إحداهما لمصاب تعاطى المخدرات خارج العراق وعاد حاملاً الفايروس”، مستدركاً: ” ان المشكلة في امتناع غالبية المصابين عن تزويدنا بمعلومات دقيقة عن سبب الإصابة، لكننا نفهم ما بين السطور أن الجنس غير الآمن هو السبب الرئيس سواء أكان (بين رجل وامرأة) أو (بين رجل ورجل) .”
العلاج..
وبحسب الدكتور بهجت عبد الرضا، فإن “فايروس الايدز يضعف المناعة ويجعل الجسم ضعيفاً أمام الامراض المختلفة، ولم يكتشف الى اليوم دواء شاف منه (رغم أن هناك تقارير حديثة أشارت إلى شفاء ثلاثة مصابين في العالم بعد خضوعهم لعملية زراعة نخاع العظم من متبرع توجد في جسمه ميزة فريدة تقاوم العدوى بهذا الفيروس)”، مضيفاً: ” الادوية الموجودة الآن تقلل من تكاثر الفيروس وتضعفه وبالتالي تحسّن مناعة المصاب، ولكنها لا تعتبر في كل الأحوال مبرراً للقيام بممارسات تنقل العدوى، لأن الفيروس قادر على مقاومة العلاج الذي له تأثيرات جانبية قد يجدها المصاب أسوأ من العدوى نفسها.”
الخجل!
من المسؤول عن ضعف التثقيف بمخاطر الايدز في العراق؟ يجيبنا الناشط المجتمعي (أحمد العنزي) : ان هناك 38 مليون إصابة مسجلة عالمياً، مبيناً أن ثقافة الوقاية من المرض لا تزال ضعيفة في دول العالم الثالث.
واضاف ان ” التثقيف بمخاطر الإصابة بالفيروس ضعيفة جداً في العراق، لأنها ترتبط بمسببه الرئيس وهو الجنس، إذ أن الحديث والنقاش في هذا الموضوع من المحرمات لطبيعة المجتمع العراقي المحافظ.”، مشيراً الى أن “تحذير الابوين من خطورة العلاقات غير الشرعية تسهم في إيجاد أساس متين للابناء والبنات على حد سواء للحذر من أسباب الاصابة بالفيروس، لكن الخجل من مناقشة موضوعة الجنس في الاسرة يجعل الجيل المقبل يواجه الأخطار بمفرده.”
جهد إعلامي
مدير المركز الوطني للايدز تحدث عن “جهود تثقيفية وإعلامية مستمرة ومكثفة لرفع الوعي الصحي”، وقائلاً: “نظمنا ورش وندوات ومحاضرات عديدة، وخاطبنا جميع المؤسسات الحكومية وعدداً من المؤسسات غير الحكومية لتدريب مثقفين صحيين مهمتهم تعريف المجتمع بالمرض وكيفية مواجهته والقيام بتنظيم فعاليات وبرامج لنقل المعلومات الأساسية عن المرض و تجنب الإصابة به”، محذرا ” اننا نواجه خطرا يتطلب مشاركتنا جميعا في التصدي له ” .
تاريخ الفيروس في العراق
دخل الايدز العراق عام 1986 عن طريق شحنات دم مستوردة من شركة ماريو الفرنسية لعلاج نزف الدم الوراثي والتي ثبت تلوث الشحنات بالايدز، لينتشر الفيروس لاحقاً.
و أشار الدكتور عبد الرضا الى أنه تم تسجيل العديد من الاصابات ولاسباب مختلفة، منها الحقن واستخدام الآلات الجارحة اثناء الوشم وخصوصاً بين الشباب، لكن ليس الخطر من الوشم فقط، انما من ممارسات بدأت بالانتشارومنها بعض مراكز المساج التي اصبحت بؤرة لانتشاره، فهي في الظاهر مراكز تدليك، غير أن أغلبها عبارة عن أماكن دعارة، وهي بيئة خصبة لانتشار الايدز وباقي الأمراض المنقولة جنسياً، والمفترض مراقبتها للحد من انتشار المرض.
من يدافع عن المصابات؟
الغريب أن منظمات المجتمع المدني، وعلى كثرتها في العراق، لم تقم بالدفاع عن النساء حاملات الفايروس من أزواجهن، وتركت الضحايا يواجهن مصيرهن بمفردهن. هذا ما أشار اليه الناشط المجتمعي أحمد العنزي، وقال: “استنادا الى بيانات المركز الوطني للايدز، فإن عدد المصابات هو 22 مصابة مقارنة بـ102 مصاب خلال 2018، بسبب أزواجهن الذين اقاموا علاقات جنسية ومغامرات غير شرعية أدت الى هذه الكارثة، وان كانت هذه المنظمات تدافع حقيقة عن المرأة لرفعت قضايا ضد الأزواج ناقلي المرض وضد بعض مراكز المساج التي تمثل بؤر الفساد والايدز.” مستدركا الى حقيقة باننا لم نصل الى مرحلة الوعي القانوني بحقوق المرأة في تفصيلات بسيطة لكنها تحميها من المخاطر وتمنع إنتشار فيروس ربما ينخر مجتمعنا بشكل صامت.”