هل حان قطاف ثمار خليجي 25 ؟

158

إياد عطية /

يتساءل كثيرون عن الجدوى الاقتصادية من تنظيم بطولة كأس الخليج العربي بكرة القدم في العراق، إذ تعمل الدول المنظمة للبطولات الإقليمية والدولية على جني الأرباح وتحريك عجلة الاقتصاد من خلالها، ولاسيما بعد أن فتح العراق منافذه لدخول مشجعي الدول المشاركة في البطولة من دون تأشيرة. وحتى عندما وصل جمهور ومشجعو هذه الدول إلى البصرة، وجدوا أن العائلات البصرية كانت تحتضنهم وتحيطهم بكرم لا يوصف، حسب تعبير المئات منهم.
فقد تحدث إعلاميو وجمهور تلك الدول في مواقع التواصل بأنهم لم ينفقوا إلا القليل من الأموال التي كانوا قد خصصوها لإنفاقها في العراق، حيث حصلوا على كل الخدمات مجاناً، ابتداء من شرب الشاي، مروراً بالإقامة في الفنادق أو بيوت العائلات التي استضافتهم، وليس انتهاء بخدمات الإنترنت والتنقل مجاناً، بينما كلفت البطولة العراق مبالغ طائلة! فهل حقاً خسر العراق في استضافة بطولة كأس الخليج، من دون تحقيق عوائد تفيد البلاد؟
تحطيم الآلة الإعلامية المعادية
لم يخف المشجعون الخليجيون صدمتهم بين ما سمعوه عن العراق، والواقع الذي يشاهدونه ويعيشون تفاصيله، فهذا مشجع عماني وذاك إماراتي يتحدثان عبر صفحتيهما على مواقع التواصل الاجتماعي عن هاجس الخوف الذي كان يلازمهما قبل القدوم إلى البصرة، فجولة في وسائل الإعلام تكفي المرء في وضع ألف حساب وحساب قبل الخوض في ما يصفانه بمغامرة زيارة العراق، لكنهما وجدا الفارق الكبير بين صورة العراق في الإعلام وصورته في الواقع، حيث تنعم مدن البلاد بالأمن والاستقرار. لقد أكدت الجماهير الخليجية، ولاسيما التي زارت العراق، على أن العراقيين كانوا حقاً ضحية لماكنة إعلامية معادية صورت لهم هذه البلاد كمكان مرعب لا يصلح للحياة، وأن شعبها مشبع بالكره والحقد ضد الآخرين، ولاسيما الدول العربية، حتى أن عدداً من مشجعي كأس الخليج كانوا يخشون أن يسيروا بمفردهم في البصرة، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن شعب الحضارات لا يمكن إلا أن يكون شعبا متحضراً ، يعامل ويتعامل مع الأجانب والأشقاء بمحبة وكرم عراقيين، فبدأ المشجعون يرسلون مئات الفيديوهات والصور والقصص التي تتحدث عن المحبة والكرم العراقيين، وعن الأماكن الجميلة والتراثية في البصرة.
يمكن القول إن بطولة كأس الخليج حطمت، في غضون بضعة أيام، جهود سنين من عمل الإعلام المعادي الذي أنفق مليارات الدولارت لتشويه صورة العراق، لتعلن نصراً إعلامياً عجزت عن تحقيقيه عشرات الفضائيات ووسائل الإعلام المحلية، وإن البطولة نجحت في نقل صورة رائعة وحقيقية عن العراق وشعبه، تلك الصورة التي ظل الإعلام يعتّم عليها طويلاً لتضليل الناس عن رؤية العراق والعراقيين كما هم في الواقع، وليس كما يريدهم أعداؤهم، وهذا لوحده إنجاز عظيم لا يمكن أن يتحقق بأية كلفة مادية يمكن تقديرها، ولو بذل العراقيون ملايين الدولارات، فإنهم لن ينجحوا بإيصال هذه الصورة الناصعة عن البلاد، كما نقلت بأصوات الناس الذين عاشوا تجربة رائعة في هذه البطولة.
الثقة بالنفس
أعاد التنظيم الرائع للبطولة ثقة العراقيين بأنفسهم، فقد ظل العراق لعقود طوال بعيداً عن تنظيم الفعاليات الكبيرة، ويمكن القول إن الخبرات انقطعت ما بين تلك الأجيال التي اكتسبت مهارة تنظيم الفعاليات الكبرى على مختلف الصعد، وبين الجيل الذي نظم هذه البطولة. وعلى الرغم من كل الملاحظات والمؤشرات، فقد كانت البطولة ناجحة، ومنحت المنظمين على كل المستويات خبرة جديدة تسعفهم في تنظيم أكبر البطولات والفعاليات الرياضية وغير الرياضية. وفي هذا الإطار تبدو الثقة في أنصع صورها، حينما أعلن محافظ البصرة أن بإمكان محافظته أن تتقدم بملف مشترك مع المملكة العربية السعودية لتنظيم كأس آسيا 2027، هذا الاستعداد العراقي والرغبة الجامحة لتنظيم أحداث رياضية كبيرة إنما يعكسان حجم الثقة بالنفس التي استعادها العراق، ولاسيما أن البلاد عرفت بأنها منجم الكفاءات العلمية والإدارية والفنية، ولا تحتاج سوى إلى الفرصة لاختبار طاقاتها.
الاهتمام بالبنية التحتية
ربما لن يقطف العراق سريعاً كل ثمار بطولة الخليج العربي، لكن البطولة لفتت انتباه العراقيين إلى أهمية الاعتناء بالبنية التحتية، التي تتمثل بمداخل المدن ووجود ساحات للتجمعات والاحتفالات، وأهمية إنشاء المسارح والقاعات التي تحتضن الأنشطة والفعاليات المصاحبة للبطولات الكبرى، بالتوازي مع الاهتمام بالمطارات وطرق النقل والاهتمام بنظافة المدن، وأن الملاعب التي شيدت خلال السنوات الأخيرة، وبينها ملعبا جذع النخلة والميناء الأولمبي مهمة، لكن الملاعب لا تكفي لوحدها من دون إنشاء بنى تحتية وفنادق حديثة. ومع هذا فإن انشاء ملعبين كبيرين في البصرة هو واحد من ثمار إناطة هذه البطولة إلى العراق، وتحديداً في البصرة، فقد دفع إنشاء ملعب جذع النخلة إلى حملة كبيرة في تشييد الملاعب في مختلف المدن العراقية، حيث جرى تشييد ملاعب كبيرة في كربلاء والنجف وميسان وواسط وبغداد، ويتواصل العمل لإنشاء ملاعب كبرى في ذي قار والأنبار وبغداد، ليكون العراق جاهزاً لاستقبال جميع البطولات الرياضية.
كسر الحظر عن ملاعب العراق
الأشقاء الخليجيون، وتحديداً رئيس اتحاد الخليج بكرة القدم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني قال بصوت واضح إن “العراقيين أعادوا الحياة إلى بطولة كأس الخليج العربي، والنجاح كله يعود إلى هذا الجمهور الذي يتنفس كرة القدم. لقد بات واضحاً أن الاتحادات الكروية العربية والقارية والعالمية مقتنعة تماماً بالنجاح الجماهيري لأية بطولة كروية ينظمها العراق.”
كما أعرب العديد من المسؤولين السياسيين والرياضيين عن ثقتهم المطلقة بأن نجاح العراق في تنظيم هذه البطولة سيدفع الاتحاد الدولي لرفع الحظر المفروض على إقامة المباريات الرياضية، وأن حضور رئيس الاتحاد الدولي جياني انفانتينو البطولة، ومشاركته في حفل افتتاحها المبهر، ورؤيته لحماس الجمهور العراقي المتعطش واشادته به لن يبقي للاتحاد حجة لتبرير فرض أي نوع من الحظر على إقامة المباريات الدولية في العراق.
جذب السيّاح من دول الخليج
شعور المشجعين العرب القادمين من مختلف دول الخليج بالأمن في العراق كان حافزاً لهم للتوجه إلى مناطق عراقية أخرى لمشاهدة المعالم الأثرية والطبيعية في العراق، حيث يعد العراق واحداً من أهم الوجهات السياحية للباحثين عن الآثار والتراث، وهذا سيكون دافعاً حقيقياً للاهتمام بالسياحة. إذ لم تمض سوى بضعة أيام حتى اندفع الجمهور، المتحفظ والمتوجس من الوضع العراقي، إلى البحث عن الأماكن التراثية والسياحية، وانتقلت الجماهير الخليجية، يدفعها شغف كبيرة لاكتشاف العراق، والاطلاع على مدنه وحضارته التي عرفوها من خلال الكتب، إلى رؤيتها في الواقع، وبعد أن كسروا حاجز الخوف انتقلوا إلى العديد من المدن ولاسيما بغداد، معربين عن رغبتهم بتجديد الزيارة إلى العراق بهدف التعرف عليه وعلى صروحه الآثارية والحضارية والسياحية، وهو أمر يفتح الآفاق لحركة سياحية واعدة هي إحدى قطاف هذه البطولة.
جذب رؤوس الأموال
لطالما عمل المسؤولون العراقيين على إقناع أصحاب رؤوس الأموال بالقدوم إلى العراق والاستثمار فيه، ولطالما تعهدوا لهم بضمان أمنهم، غير أن البطولة والحضور الجماهيري لدول الخليج، وشعور هذا الجمهور بأنهم مرحب بهم في العراق حيث يحظون بالتقدير والمحبة، ستكون ضمن الدوافع المهمة لتحريك عجلة الاستثمار في البلاد، وإزاحة المخاوف التي ظلت تشكل هاجساً لدى أصحاب رؤوس الأموال، والشركات الخليجية خصوصاً.
البطولة فرصة لتطوير المدن
وذكر محافط مدينة البصرة أسعد العيداني أن “إناطة تنظيم البطولة بالبصرة كانت حافزاً كبيراً للعمل والبناء، لتكون المدينة مستعدة لهذا الحدث الرياضي الكبير.” وأشار إلى أن “التحضيرات وتهيئة متطلبات البطولة اتُخذت تدابيرها مبكراً، وبشكل يؤدي إلى انجاحها.” مؤكداً أن البطولة ستكون دافعاً لاستكمال منشآت وبنى تحتية أخرى في وقت لاحق، فضلاً عن ما تم تأمينه من فنادق وأماكن ترفيه ومراكز ومناطق عامة.
التفاعل الاجتماعي
كذلك فإن التواصل الاجتماعي بين العراق ومحيطه الخليجي مثّل العنوان الأبرز في بطولة كأس الخليج، والركيزة الأساسية التي تستند إليها كل نجاحات البطولة. فقد عبّر أهالي البصرة، من خلال طيبتهم وكرمهم، خير تعبير عن صورة العراق المحب لأشقائه وضيوفه، وقد انعكست صورة الحفاوة والاستقبال لدى مواطني جميع الدول العربية من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب العربي. فقد عبر مواطنون عرب من المغرب وفلسطين والجزائر وتونس عن إعجابهم بالشعب العراقي وتحويله هذا الحدث الرياضي إلى فرصة للمّ الشمل العربي، والسمو على أية خلافات تنغص التلاقي العربي. مقارنين بين فعاليات رياضية تسببت بأزمات سياسية واجتماعية بين الدول العربية، وبين خليجي البصرة الذي عبر عن طيبة العراقيين ومحبتهم لأشقائهم، فقد اكتشف الأشقاء الخليجيون والعرب أن العراق مكان رحب للمحبة والتعاون العربيين وليس مكاناً للكراهية والحروب والفرقة.