هل يتحول العراق إلى غابات؟ (مياواكي) يناشد رئيس الوزراء

672

علي غني – تصوير: يوسف مهدي /

عندما كنا صغاراً، كنا نرمي بذور الثمار التي نأكلها من الأشجار الموجودة في حديقة البيت، وسعيد من يملك في بيته أشجاراً مثمرة، وقتها كنت أرى أن البذور التي أرميها عشوائياً في الحديقة، تنمو سريعاً، وتتحول إلى أشجار.
مَن مياواكي؟
حزمت حقائبي، واحضرت جواز السفر، وقطعت تذكرة السفر في رحلة خيالية إلى اليابان، لكني فوجئت أن الدكتور (أكيرا مياواكي) العالم الياباني قد توفي، فقررت أن اسافر في عقله، هذا (العالم) الذي تتجه انظار العالم نحو طريقته في زراعة الغابات، وهو الخبير في علم بيئة النبات، ومتخصص في البذور ودراسة الغابات البدائية، الذي نال اكبر جائزة بالعالم، وهي جائزة الكوكب الأزرق (٢٠٠٦)، وكان نشطاً في كل انحاء العالم بوصفه متخصصاً في استعادة الغطاء النباتي الطبيعي للأراضي المتدهورة.
هذه طريقته؟
بعد هذه المقدمة، السؤال هنا، ما المبدأ الاساس الذي تقوم عليه هذه الطريق؟ سؤال قصدنا به الاستاذ المتمرس الدكتور صالح مهدي علي، العميد الأسبق لكلية العلوم بجامعة بغداد فأجاب: المبدأ الاساس في طريقة مياواكي، هو استخدام أنواع الأشجار التي يمكن أن تنمو نمواً طبيعياً في تلك المنطقة، كان اختيار ال أنواع للزراعة في منطقة معينة مرتبطاً بنظرية الغطاء النباتي الطبيعي، وبعبارة أخرى الغطاء النباتي الذي ينمو في منطقة معينة من دون الحاجة للتدخل البشري، وقلت للدكتور (صالح)، وما خطوات تطبيق هذه الطريقة في الزراعة؟ فأجابني على الفور: يجب تحسين نسيج التربة، وتحديد أنواع الأشجار المناسبة للزراعة، ثم بعد ذلك تصميم الغابة وتجهيز المنطقة، وبعد ذلك زرع الأشجار، والاعتناء بالغابة مدة ثلاث سنوات.
وقد كشفت هذه الطريقة افضل الأشجار القابلة للنمو الجيد، منها، أشجار الكاربس، وأشجار الخيزران، وشجرة الحور الهجين، وأشجار القطن الشرقي، وأشجار السيمولينا العملاقة، وشجرة السنط، وغيرها من الأنواع الدائمة الخضرة.
واضاف: عليك الاختيار بعناية أنواع الأشجار دائمة الخضرة التي ستنمو بشكل افضل في الظروف المناخية السائدة في منطقتك، ويجب زرع هذه الأشجار حيث يوجد ما يكفي من أشعة الشمس والمياه.
العالم يتصحر؟
لماذا هذا الاهتمام بالغطاء الاخضر، ولماذا هذا الصدى الذي اخذته طريقة مياواكي، بالرغم من أنها طريقة قديمة، كما اخبرني كثير من الخبراء، فالأسباب، كما يراها الأستاذ الدكتور حسن علي عبد الرضا من كلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد، وهو المختص باحياء التربة المجهرية والمخصبات الإحيائية إذ قال: العالم آخذٌ في التصحر، فخمس مساحة الكرة الارضية صحراء، وسدس سكان العالم يعانون من مشكلة التصحر، ويفقد العالم سنوياً ستة ملايين هكتار(10000متر مربع) من الأراضي الزراعية، وبحسب احصائيات الأمم المتحدة، فإن (150) مليون شخص في العالم يعانون من أضرار التصحر، والخسارة تقدر بـ(400) مليار دولار سنوياً بسبب تقلص المساحات القابلة للزراعة، فهذا وطننا العراق وصلت فيه الأراضي المتصحرة إلى (70٪)، لذلك علينا، أن نذهب إلى المعالجات قبل أن يهلكنا الجوع والعطش؟!.
وصدمت، عندما سمعت كلامه، وسرعان ما فكرت في الاجيال المقبلة، كيف سيكون حالها، سألته: هل يمكن أن توضح الأسباب التي تؤدي للتصحر؟، فأجابني: التغيرات المناخية، واستهلاك الموارد الطبيعية بنحو غير عقلاني، وارتفاع درجات الحرارة، وظاهرة الجفاف، والقطع الجائر للغابات، وحرائق الغابات التي حدثت أخيراً، كلها من الأسباب المستجدة، كذلك القضاء على الغطاء النباتي، كل هذه الأسباب، أدت أيضاً إلى الطلب المتزايد للغذاء، اذن علينا أن نعالج هذه الامور بسرعة، قبل أن يحاصرنا (Co2)، ونموت اختناقاً.
ما الحل؟
قديما سارعت باريس لعقد مؤتمر (باريس للمناخ)، الذي اهتم بالغطاء النباتي وتقليل الاستخدام الجائر للأسمدة الكيمائية، وزيادة المساحات الخُضر، هذا ما صارحني به (البروفسور حسين علي رضا)، قائلاً: نحن في كلية علوم الهندسة الزراعية، نطمح إلى استبدال المخصبات الحيوية بالسماد الكيمياوي، فهذه المخصبات أسمدة تصنع من أحياء مجهرية مفيدة موجودة في التربة، وهنا مربط الفرس كما يقال، فهذه الأسمدة، اثبتت نجاحها في تعويض (لايقل عن 50٪) من الأسمدة الكيمائية، فضلاً عن كونها آمنة بيئياً، والمنتج منها نوعيته جيدة، إلى جانب كونها رخيصة الثمن، مقارنة بالأسعار العالية للأسمدة الكيميائية.
وحتى لا تصيبك الدهشة (والكلام للدكتور حسن)، اضطلعتُ شخصياً بتصنيع (سماد المايكورايزا) مختبريا في الكلية، هذا السماد يتعايش مع (80٪) من العائلات النباتية، فيُحسن نمو الأشجار ويوفر البيئة الملائمة لنجاحها، وبهذا، اذا كان العالم (مياواكي)، قد حصر تجربته بموضوع واحد، فإننا في العراق قد وسعناها.
عد إلى العراق؟
الدكتورة آفاق ابراهيم جمعة الأستاذ المساعد، الحاصلة على دكتوراه تنمية الغابات في كلية علوم الهندسة الزراعية بجامعة بغداد، التي تشغل منصب مدير مشروع زراعة مليون شجرة في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، قالت لي: اقطع زيارتك لعقل (مياواكي) الياباني، وادخل في عقلي، أنا بنت العراق، سأجيبك، أن طريقة الياباني (مياواكي) ليست جديدة، لكنها انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، فاذا كان يريد تطبيق تجربته في غابة، فنحن في العراق سنحول العراق إلى غابة كبيرة، فاستوقفتها، كيف يا دكتورة؟ ردت: لدينا مشروع أسميناه (مشروع المليون شجرة)، وبه نسابق الزمن، فمنذ عام (2016)، انتجنا بمعية (60) جهة مشاركة وساندة ما يقارب المليون ونصف المليون شتلة في مشاتل هذه الجهات (22 جامعة عراقية، 40 بلدية في بغداد والمحافظات، 9 إعداديات زراعة، وإسناد من وزارات عراقية عدة ومشاركة الأمانتين للعتبتين العلوية والحسينية، ونشر 60 نوعاً شجرياً وشجيرياً عبر تسليم بذور هذه الأنواع المختارة عالمياً، كل هذه البذور سلمتها مجاناً، وتضيف: أكثر من ذلك، لقد دربنا هذه الجهات على الإكثار والزراعة بالتعاون مع التدريسيين في كليتنا ومهندسي البلديات.
وختمت حديثها بدعوة رئاسة الوزراء، أن يأخذوا رأيها على محمل الجد، وأردفت: الأشجار تعد الحد الدفاعي لأجل مكافحة تصحر الأراضي، ومنع التلوث بامتصاص السموم وإمكانية خزن المياه الجوفية والمحافظة عليها، فضلاً عن إمكانية زراعة أنواع تسهم في الأمن الغذائي.
دور كبير
“يمكن أن نحول العراق كله إلى منطقة خضراء” كلمات قالها عميد كلية علوم الهندسة الزراعية في جامعة بغداد الاستاذ الدكتور كاظم ديلي حسن، وتباع حديثه: لدى الكلية باع طويل في تقديم الاستشارات بنحو طوعي في كل ما يتعلق باختصاص الزراعة.
ولا اخفيك سراً، أمام هذا التصحر الذي يزحف علينا، دفعنا لوضع خطط لزراعة الصحراء في بلادنا، ولكنها في طور الدراسة، تتضمن هذه الخطط زراعة الأشجار التي تتحمل ظروف الصحراء، كما نقود بفخر مشروع المليون شجرة، بل ندعو الجهات المتخصصة إلى إشراك الباحثين في كليات الزراعة في عموم العراق، وفي وزارة الزراعة للمساهمة بهكذا مشاريع، لنسهم جميعاً في وقف التصحر.
جولة حرة
ولكي تكتمل الصورة اصطحبني الدكتور محمد شاكر محمود الخشالي معاون العميد لكلية علوم الهندسة الزراعة، في جولة حرة داخل الكلية، ليبين لي على الطبيعية، البحوث العملية التي ينجزها طلبة الماجستير والدكتوراه داخل حدائق الكلية، وكيف تُختبر تلك البحوث وفق أسس علمية، لتنجح في الزراعة ومنها الأشجار دائمة الخضرة، والتجارب المختبرية لإعداد بيئة مناسبة لها وباستخدام أسمدة جديدة، تنتج في كليتنا، ولاساتذة الكلية كثير من البحوث التي تخص الغطاء النباتي.
وفي اثناء الجولة همس في اذني للتذكير في السبعينات كان هناك قرار في العراق يلزم صاحب كل دار سكن تتجاوز مساحته (١٠٠متر مربع) بغرس شجرة زيتون ونخلة في داره على أن يتكفل برعاياتها وديمومتها، وإذا كانت الدار مستأجرة فإن تكاليف شراء هذه الأشجار وزراعتها تستقطع من إيجار الدار، لو يُعاد العمل بهذا القانون ففي مدة قصيرة ستحدث طفرة نوعية في المناخ إذ كلما زادت نسبة الأشجار انخفضت حرارة الجو، وللحديث صلة؟.