مراجعو الدوائر الخدمية بين فكّي الروتين وانقطاع الكهرباء

594

بشير الأعرجي /

يحاول أغلب مراجعي مؤسسات الدولة تأجيل مراجعاتهم إلى ما بعد انقضاء أشهر الصيف الحارة، لسبب أصبح حالة عامة، وهو انقطاع التيار الكهربائي عن أغلب الدوائر الخدمية في العراق، فحالها (لا يطاق)، بحسب المواطنين وحتى الموظفين.. أجهزة التبريد لا تعمل وظلام دامس في غرف تلك الدوائر وممراتها.
قرار القطع
جزء كبير من هذه المشكلة جاء بسبب قرار وزارة الكهرباء قطع خطوط الطوارئ عن مؤسسات الدولة، أما الجزء الآخر فإن كثيراً من هذه المؤسسات لا تمتلك مولدات خاصة بها أو أن مولداتها معطوبة، فضلاً عن أخطاء إدارية وفنية جعلت دوائر الدولة أشبه ما تكون بـ (الأفران المظلمة) بسبب استمرار ارتفاع درجات الحرارة وانطفاء الإنارة داخلها، ويكفي لأي قارئ أن يجرب يوماً ساخناً عند زيارته دائرة خدمية، ليكتشف حجم معاناة طرفي المعادلة: المراجع والموظف.
مولدات ديزل
وزارة الكهرباء رمت الكرة في ملعب مؤسسات الدولة بمطالبتها بالاستعداد لموسم الحر وإيجاد بدائل تسهم في تعويض نقص تجهيز الكهرباء الوطنية وقطع خطوط الطوارئ عنها.
المتحدث باسم الوزارة (أحمد العبادي) تحدث لـ”الشبكة العراقية” قائلاً: “بعد قرار قطع خطوط الطوارئ عن مؤسسات الدولة، فإن من واجب تلك المؤسسات توفير مولدات كهربائية تعمل بالديزل لدوائرها.. ليس هناك قطع تام للكهرباء، بل برمجة تجهيز.”
وأضاف: “انعكس قرار قطع خطوط الطوارئ عن جميع مؤسسات الدولة إيجاباً في زيادة ساعات التجهيز، إذ وفرنا 850 ميغاواط من جراء القطع الذي استثنى الدوائر ذات الحاجة الضرورية القصوى للكهرباء، مثل المستشفيات والمراكز الصحية وتصفية المياه ومحطات تصريف المياه إضافة إلى المركز الامتحانية.”
رحمة المولد
من وجهة نظر المواطنين والموظفين، فإن الدوائر ذات (الحاجة الضرورية القصوى للكهرباء)، التي تحدث عنها الناطق باسم وزارة الكهرباء، تشمل قائمة طويلة جداً، فمثلاً وضع المراجع والموظف سيكون صعباً للغاية في فصل الصيف في دوائر التسجيل العقاري والضرائب والتنفيذ والجنسية والكاتب العدل والجوازات والبلديات وغيرها، ومراجعوها وموظفوها من المواطنين أيضاً، ولا حلول آنية إلا ما ندر.
(رنا احمد) -موظفة في إحدى الدوائر الخدمية- أرسلت رسالة إلى “الشبكة العراقية” تحدثت فيها عن جزء من معاناة الموظف في الدوائر الخدمية، قالت: “بعد قطع خط الطوارئ عن دائرتي، أصبحنا تحت رحمة المولد، وهو غالباً ما يتوقف بسبب الأعطال أو نقص مياه التبريد.. دائرتنا بلا ماء منذ مدة طويلة.”
أضافت: “في أغلب الأوقات نستعين بإنارة الهاتف المحمول للكتابة في السجلات أو إخراج الكتب الرسمية من الخزانات، فضلاً عن عدم انتظام العمل الناجم عن قطع الكهرباء الذي يؤدي إلى توقف أجهزة الطباعة والحاسبات وإرسال وتسلم البريد الإلكتروني، ومع هذه الظروف يضيق المراجع ذرعاً ويطالبنا بسرعة تمشية معاملته.”
بين نارين
المواطن هو سيد الدائرة.. هكذا من المفترض أن يكون الحال عليه، لكن مع غياب الكهرباء فإن الصورة تختلف. على مشارف إحدى الدوائر الخدمية، حدثنا المواطن (وليد ناصر) -وهو يبحث عن مكتب استنساخ- بأنه لا يطيق البقاء في هذه الدائرة فترة أطول، وأضاف: “نضع الكمامة فينقطع الهواء عنا، ننزعها فتكون احتمالية إصابتنا بفيروس كورونا شبه مؤكدة مع هذا الزحام، لو كانت أجهزة التبريد تعمل والكهرباء مستمرة، لما كنا بهذا الحال الصعب أو نخرج من الدائرة لاستنساخ الكتب أو استنشاق هواء نقي.”
وتابع بالقول: “لو لم تكن مراجعتي ضرورية، لما دخلت أية دائرة في فصل الصيف.. أنصح بتأجيل المراجعات لحين انجلاء حر الصيف واستقرار الكهرباء الوطنية، وربما الحل الأصعب بتكليف معقب ينهي تلك المراجعة بأي شكل من الأشكال، فالوضع الآن لا يطاق.”
فوضى..
كثرة المراجعين تضيف ضغطاً على المواطن والدائرة، إذ أن أغلب مؤسسات الدولة الخدمية مؤجرة وتفتقد إلى أنظمة التهوية والإنارة الصحيحة حال انقطاع الكهرباء عنها، ناهيك عن قلة وجود موظفين يتولون مهمة تشغيل المولدات التابعة للدوائر وصيانتها.
مدير إحدى الدوائر الخدمية -طلب عدم ذكر اسمه أو دائرته- قال: “تحقق دوائرنا إيرادات كبيرة شأنها شأن بقية الدوائر التي تقوم بعمليات جباية من المراجعين، ولو خصص جزء من هذه الايرادات لبناء بنايات خاصة بها وتزويدها بمولد ضخم يكفي لتشغيل أجهزة التبريد، لما كنا في هذا الوضع الصعب.” وأضاف: “بنايتنا مؤجرة، وقُطع خط طوارئ الكهرباء عنها، فضلاً عن أن ساعات تشغيل خط المولد التجاري تتعارض مع دوام دائرتنا، التي غالباً ما يكون التشغيل فيها بعد الساعة العاشرة صباحاً، فهل يجوز أن تكون مؤسساتنا في حال كهذا؟ ويصل بنا إلى الأمر الاستعانة بضوء الهاتف لتبديد الظلام في غرف الدائرة وممراتها؟”
عبء
توجهنا إلى مدير عام دائرة التنفيذ (القاضي بشار أحمد محمد) للحديث عن مشاكل الكهرباء في دوائر الدولة، فتحدث لـ”الشبكة العراقية” قائلاً: “لدينا 135 مديرية موزعة على المحافظات كافة، ويراجعها آلاف المراجعين يومياً، وأثناء زياراتنا الميدانية إليها، رصدنا نقصاً كبيراً في تجهيز الطاقة الكهربائية الوطنية.”
وأضاف: “هذا الغياب يشكل عبئاً على المراجعين والموظفين على السواء.. الموظف يحتاج إلى أجهزة تبريد تعمل بشكل مستمر لمواجهة درجات الحرارة المرتفعة، المراجعون أيضاً، كما أن إجراءات إنجاز معاملات المواطنين في دوائرنا تحتاج إلى وقت، حالها حال بقية الدوائر الخدمية، ومع غياب الكهرباء الوطنية يبدو الوضع صعباً للغاية.”
إجراءات..
وعن الحلول لمواجهة هذه الحالة قال المدير العام: باشرنا بإجراءين: آني ومستقبلي، جهزنا أولاً أغلب دوائر التنفيذ بمولدات كهربائية بالمتوفر من تخصيصات مالية لسد فترة انقطاع الكهرباء الوطنية، أما الإجراء المستقبلي فقد نفذنا مشروعاً يهدف إلى عدم حضور المواطنين إلى مديريات التنفيذ التي يراجعها في الأغلب مواطنون دائنون يتسلمون مستحقاتهم المالية من المدينين، وذلك بمنحهم بطاقات الدفع الإلكتروني، فيتسلمون مبالغهم من أي منفذ للدفع دون الحاجة إلى مراجعة دوائرنا، فيتخلصون من مشاق المراجعات والحر وربما الابتزاز، ويخففون العبء عن موظفينا.”
عدالة التوزيع
هل هناك حل آخر ينقذ دوائر الدولة الخدمية من واقعها في ظل استمرار قطع خط الطوارئ؟.. سؤال مطروح على طاولة وزارة الكهرباء التي تقع تحت ضغوط كبيرة في موسم الصيف. المتحدث باسمها أكد لـ”الشبكة العراقية” أنه “سبق أن أشعرت وزارة الكهرباء مؤسسات الدولة كافة وحثتها على نصب الألواح الشمسية على أسطح بناياتها أو المرائب والأماكن الفارغة التابعة لها من أجل الحصول على التيار الكهربائي واستثمار الشمس في توليد الطاقة، ولكن…”
واستدرك بالقول: “قطع خطوط الطوارئ ليس بناء على الديون المتراكمة التي بذمة مؤسسات الدولة والبالغة 2.5 تريليون دينار، بل لتحقيق العدالة في تجهيز الطاقة لجميع المواطنين، نحن لم نقطع الكهرباء نهائياً عن مؤسسات الدولة.”