وأصبحت الصحافة مادة في زمن كورونا

1٬127

#خليك_بالبيت

ريا عاصي /

خلال العقد الأخير قفزت صحافة المواطن قفزة نوعية سريعة لتطغى على الصحافة الورقية والمرئية والمسموعة بشكل عام، التي تعتمد اعتماداً كلياً على عنصرين، القرب من الحدث وهاتف محمول ذكي، وبدأت شبكات إعلامية كبيرة مجاراة الواقع والعمل على توفير منصات احترافية لصحافة المواطن وتدريب من يرغب بغض النظر عن أن يكون عاملاً في مجال الصحافة بل حسب نشاطه وتفاعله مع منصات التواصل الاجتماعي الخاصة به وعلى عدد متابعيه، كما عملت فضائيات كبرى على تدريب كوادر وإطلاق تلفزيونات الانترنت استباقاً منها لما يمكن أن يحدث مستقبلاً والاستعاضة عن الفضائيات بشبكات تلفزيونية تعتمد الانترنت في انتشارها لا على البث عبر الأقمار .

مخاطر الصحافة الالكترونية
رغم أن صحافة المواطن تعدّ الأقرب للواقع كونها من قلب الحدث الا أنّ عدم وجود معايير ولصعوبة السيطرة على ما ينشر فنحن بصدد حروب الكترونية عديدة يقودها الذباب الالكتروني التابع لمجاميع وسياسات مخالفة ومختلفة، لذا منذ انتشار الهواتف الذكية وهناك تصاعد في إيجاد برامج تكشف الحقائق وتفنّد الأكاذيب التي تبث بصورة أقرب للحقيقة لكن بأسلوب (دس السم بالعسل)، وبدأت الصحافة بشكل عام بمواجهة مشاكل عديدة بسبب قلة خبرة المواطنين في النشر وعدّهم كل فيديو على الفيسبوك، مثلا، هو حقيقة مسلم بها لا بدّ من الوثوق بها .

كورونا في الإعلام
اليوم والعالم يواجه خطر كورونا فإنّ للصحافة مواجهة مضاعفة مع هذا الفايروس الذي بات يشكل الخطر رقم واحد على العالم، إذ تجاوز عدد المصابين في العالم بهذا الوباء المليون وهو قابل ليتضاعف بسهولة، لا سيما لمن يشكل خط الصدّ الأول من أفراد المؤسّسات الطبية ويأتي الخط الثاني وهم أفراد الشرطة وعمّال الحفاظ على البيئة والصحفيون في الميدان.
كمحررة صحفية مكنّني الانترنت من التواصل اليومي مع باقي كادر المجلة من خلال مواقع التواصل الالكترونية .
ومن خلال الوسيلة نفسها تمكّنت من جمع المعلومات لتحقيقي هذا، الا أنّ هناك عملاً صحفياً يتطلب المواجهة والتواجد في الميدان مثل المصور والمراسل التلفزيوني .
مروان عاصي المصوّر في تلفزيون العراقية الذي سبق وأن عمل كمصور حربي في قسم الأخبار فيها وبعد أن سألته ما هي الخطورة التي يواجهها أثناء العمل أرسل لي الرد التالي: “الصعوبات التي تواجهني كمصور هي مواجهة عدو جديد غير مرئي، ربّما أخطر من داعش الإرهابي وكنت قد صوّرت عدداً من عناصرها. في مركزي اعتقال في كركوك والآخر في بغداد من ضمن كادر برنامج (ملفات معلنة)”، وأضاف “بالامس كنّا نقف أنا والمراسل مع الجندي في الصفوف المتقدمة ونحن نحاول الهرب من قذيفة أو سيارة مفخخة أثناء تقدّم القطعات لتطهير البلاد من داعش الإرهابية، لكنّنا اليوم نقف مع الطبيب والممرض ولا نعرف شكل الفايروس غير المرئي بالعين المجردة”، ثم قال: “فخور بأني وقفت مع كامرتي وزملائي من المراسلين لتغطية بطولات جنودنا الشجعان في جبهات القتال وفخور أيضاً بكوادرنا الصحية اليوم التي تبذل الغالي والنفيس من أجل البلاد.”

مراسل وطرفة
المراسل التلفزيوني أيضاً مطلوب منه أن يكون واقفاً أمام الكاميرا من جهة ومن جهة أخرى أمام الطبيب والمعالج وربما المريض نفسه، راسلت المراسل حيدر هادي من كربلاء وأرسل لي يقول: “بالرغم من الشدة التي نمر بها الا أنني حاولت أن أسهم كناشط وكإعلامي برصد حالات البطولة لممرضي وأطباء الصدّ الأول في كربلاء وجعلني ذلك أكثر شغفاً في تقديم الدعم لهم عن طريق إيصال باقات زهور ورسائل بعثها لهم أهالي كربلاء وللمصابين والمعالجين، وأشكر مصاباً بكورونا متمنيا له الشفاء لأنّه أضحكني في هذه الظروف وهو يقول لي: “خلصت من البيت وطلبات مرتي وراسي بارد هنا”.

المصور
بدأت الصحف والمجلات تصدر أونلاين في ظروف منع التجوال وممكن أن يحررها المحرر ومدير التحرير ورئيس التحرير وينفذها المصمم من المنزل، لكنّ مصور الفوتوغراف مطلوب منه أن يكون وجهاً لوجه مع الحدث وهذه إجابة الزميل صفاء علوان المصور في وكالة الأنباء العراقية إذ يقول: “أواجه ما يواجهه كلّ فرد يعمل في هذه الفترة، عدم توفر مستلزمات طبية للوقاية مثل الكفوف والكمامات والبدلات الخاصة وابتعاد الناس عن الكاميرا في لحظة سماع أن التصوير يخص الفايروس.”

أما الزميل مناف الجنابي الذي يعمل حاليا مراسلاً لـ “الجزيرة نت” كتب لي يقول: “يمثل العمل الإعلامي والصحفي في ظل انتشار فايروس كورونا تحدياً بحد ذاته وعلى مستويات عدة، من حيث الأهمية طغت أخبار انتشار الوباء على جميع الأحداث الأخرى وأصبح الشغل الشاغل للمتابعين في جميع أرجاء المعمورة، فمن الصعب تناول أخباراً أخرى تحقق انتشاراً أو تأثيراً في هذه المرحلة. ومن ناحية أخرى تعد مزاولة العمل الصحفي في ظل إجراءات حظر التجوال وحملات (خليك في البيت) تحدياً مختلفاً وفريداً من نوعه يطرأ لأول مرة في البلاد، فهذه الظروف مختلفة كليا عن سابقاتها وأصعب حتى من الصحافة الحربية، وليس من السهل الحصول على المعلومة بشكل مباشر لصعوبة العمل الميداني، لذا افتقدت الصورة المرئية في معظم المواد المنشورة. وأخيراً العامل الإنساني والمسؤولية المجتمعية يحتم علينا كإعلاميين وصحفيين التركيز على نشر المحتوى الإيجابي ونشر ثقافة التوعية الصحية والوقاية من العدوى، لذا كثيرا ما نمتنع عن نشر الأخبار التي تسبّب الهلع والرهبة لدى الجمهور”.

العمل عن بعد
في الجانب الآخر يوجد أناس يعملون عن بعد وعبر الانترنت وشبكات الاتصال ومنهم الصحفية أمل صقر، مراسلة راديو مونتي كارلو التي قالت في إجابتها المكتوبة: “وصلنا إشعاراً من التحرير حفاظاً على سلامتنا علينا أن نتجنب الخروج ونلتزم بالحظر وستكتفي الإذاعة بالاتصال بنا من أجل أخذ رسالة صوتية بشأن آخر المستجدات، وعملنا الآن من المنزل .. وكذلك الحال مع بقية المؤسّسات الإعلامية التي أعمل معها .”

الإعلامي صالح الحمداني يقول: “حظر التجوال وفّر لي عزلة إجبارية ممتازة لإكمال مشاريع تحتاج لوقت لم يكن متوفراً، ولقراءات مفيدة، لكنّه حرمني من فرص عمل جديدة كلها مؤجلة تحت يافطة: “خلي نخلص من كورونا ونشوف .”

الصحافة الورقية أولى الضحايا
كل مؤسّسة إعلامية حقيقية هي عائلة كبيرة من عدة أفراد وفي كل منها نجد العديد من الجند المجهولين، ففي المرئية دائما الذي أمام الكاميرا هو المعروف لكن من خلفها والكواليس والدوائر المرتبطة فهم عدة حلقات غير منتهية والصحافة الورقية هي إحدى هذه العوائل فهناك الطبّاعون والورّاقون والموزّعون والفاحصون والعديد من الأفراد الذين قد توقف عملهم إبان جائحة كورونا .
والصحافة الورقية أوّل المتأثرين، إذ إن تناقل الورق بين فرد وآخر يعدّ وسيلة أخرى لنقل الفايروس، إضافة إلى أن حظر التجوال أسهم مساهمة مباشرة في توقف وإيصال المطبوعات.
وللحديث عن ذلك تراسلت مع الدكتورة إرادة الجبوري معاون عميد كلية الاعلام في جامعة بغداد فأرسلت لي تقول: “جائحة كورونا أثرت ليس في الاعلام المحلي والاقليمي فقط بل في كل العالم لها تأثير مباشر، لا سيم أن الاعلام هو صناعة والصناعة تعتمد سوق العرض والطلب والاعلام جزء من شركات كبرى تأثرت بانهيار الأسواق العالمية مثل سوق الأسهم والنفط، كل هذه الأمور لم تعد تهتم بسوق الاعلان الذي يعدّ من أحد أهم مصادر الاعلام وبالأخص الصحافة الورقية.”

وأضافت” الصحافة المطبوعة كانت على شفا حفرة من الغلق كون الصحافة الالكترونية فاقت المطبوع بشكل كبير، والمطبوع كلفته نوعا ما أعلى من الالكتروني على المدى البعيد، كما أن التلامس في البيع والشراء يجعلها أكثر عرضة لنقل وعبور الفايروس، طبعاً الاعلام الممول من أحزاب وواجهات مالية عالية لن يتأثر كونها أساسا ليست إعلاما بل هي منصات ترويج.”
وأضافت “مضامين الاعلام الآن تغيّرت أيضاً، العالم الآن مشغول بجائحة كورونا وتحطيمها لصورة الدول العظمى والكبرى بسياساتها وتقدمها التكنولوجي والصحي، لذلك صار الشغل الشاغل للإعلام الآن صحة الإنسان من جهة ومن جهة أخرى الحرب الاعلامية بين الدول العظمى مثل الصين وأميركا، إذ تحاول كل دولة التقليل من شأن علوم الأخرى”.
وعالميا تراجعت العديد من القضايا؛ من حروب ونزاعات وغير ذلك، والعراق ليس بمنأى عن ذلك فنرى أن الاعلام اليوم لم يعد يركز او يناقش خطط الدولة للنهوض بواقع العراق بعد أزمة الاحتجاجات التي حدثت في بغداد وباقي محافظات العراق، وصارت قضية جائحة كورونا هي من تتقدّم كل خبر.”

وفي الصدد نفسه كتب الإعلامي صالح الحمداني يقول: “للصحيفة الورقية طقوسها الساحرة في القراءة، أظن أن الكورونا قضت على آخر أمل لنا بصمودها أمام سيل الشاشات الالكترونية الهادر!”

ووالدي
رغم القول إنّ الصحافة الورقية في الآونة الاخيرة بدأت تنحسر، لكنّها ليست كذلك، فقد استمرت رفيقة كبار السن وفي الطائرات وعيادات الاطباء وكنت أتابع أبي وهو بالرغم من اشتراكه في العديد من مواقع التواصل الاجتماعي الا أن رياضته الصباحية كانت في الذهاب مبكراً سيراً لكشك بيع الجرائد الوحيد في المنطقة، ليستمتع بالمشي ومن ثم يقرأ الجريدة عند أخذه لقيلولة الظهيرة وهو مستلقٍ على الاريكة، هذه المتعة التي أوقفها حظر التجوال والتزم به لمواجهة كورونا”.

النسخة الألكترونية من العدد 357

“أون لآين -2-”