يواجهون التحديات الجديدة بثبات.. والبطالة تسببت في هجرة شبابهم مسيحيو سهل نينوى يتطلعون إلى استعادة دورهم الريادي في بناء العراق

84

أربيل – خالد إبراهيم/
يكمن جزء مهم من جمال العراق في تنوع أطيافه، فقد صنع ذلك الموزائيك حضارة عظيمة امتدت إلى أعماق التاريخ. ويشكل المكون المسيحي ركناً أساسياً من أركان البيت العراقي على مختلف المراحل التاريخية، فقد أسهم أبناؤه في بناء العراق الحديث وتقدمه، كما دافعوا عنه وعن كيانه ووحدته، وقدموا مثل مكونات الطيف العراقي التضحيات الجسام من أجل وحدته،
مثل كل العراقيين نالهم الإرهاب الداعشي الذي تسبب في هجرتهم عن مدنهم وديارهم، وألحق دماراً هائلاً بكنائسهم، لكنهم عادوا إلى مدنهم ليمسحوا عنها آثار الإرهاب الداعشي البغيض، ويعيدوا بنائها، لكن الصعوبات باتت كبيرة والمشكلات تحتاج إلى جهود لحلها.
يؤكد الأب مازن، وهو كاهن كنيسة، أن “المسيحيين، ومنذ مراحل تاريخية مختلفة سبقت الدولة العباسية، فإن التاريخ يشهد لهم بحرصهم وتفانيهم في بناء العراق في مختلف الميادين. وكما تعرفون فإن الأطباء والبنائين والفنانين والأدباء الذين نقلوا الفلسفة والحضارة اليونانية إلى اللغة السريانية، ومن ثم إلى اللغة العربية كانوا مسيحيين. وهذا كله أسهم كثيراً في النهضة الثقافية، كذلك كان للأطباء وغيرهم من أصحاب المهن دور كبير، ما جعل للمسيحيين بصمة رائعة في هذا البلد، ركزت معالم الثقافة والحضارة والسلام إلى يومنا هذا في بلدنا العراق.”
النهضة العراقية
أضاف الأب مازن أن “للمسيحيين جذوراً راسخة في هذا البلد، وهم رافد أصيل في الحضارات التي تعاقبت على أرض الرافدين، البابلية والسومرية والأكدية والآشورية، وبالتأكيد فإن وجودهم كان حاضراً في مختلف بقاع العراق من الشمال إلى الجنوب. وفي زمان الصحافة في القرن العشرين كانت غالبية الصحف والمجلات العراقية يعمل فيها الكثير من المسيحيين، إذ كان لهم دور كبير وريادي في النهضة، والمحافظة على اللغة العربية. وكما هو معروف عند الكثير من المتلقين أن الأب أنستاس الكرملي هو راهب عراقي عاش في بغداد وأسهم في إصدار مجلة (لسان العرب) التي كان لها دور كبير في زمن الدولة العثمانية، التي كانت تهتم بلغتها، لكن هذا الراهب كان يهتم باللغة العربية، مع الشيوخ والمثقفين في بغداد، حين كانوا يتحدثون عن التراث والأدب وأمور الدولة واللغة وجماليتها، إذ إن الحضارة لا تبنى من جانب واحد وإنما من جوانب متعددة، والمسيحيون في العصور اللاحقة بقوا محافظين على هذا التوجه، وأكيد أن الدولة عندما تهتم بالنحاتين والأدباء والفنانين والرسامين والموسيقيين، فإنها تقوم بتوزيع عادل للوظائف بدون تمييز، فالكل يبرز ويبدع من مختلف الفئات ومن مختلف أطياف الشعب، الذين هم بالنتيجة كلهم عراقيون يعملون من أجل فرح وخير وسلام هذا البلد.”
سلام وبناء
أردف الأب مازن:- “العراقيون يعيشون بسلام في مختلف الأماكن، ولاسيما في مناطقنا في ما يعرف بسهل نينوى وتلسقف وباقوفا، وكل المناطق التي يسكنها المسيحيون في المحافظة من خلال وجودهم في نفس مناطقهم، سواء كانت في المناطق الأصلية التي عاشوا فيها أباً عن جد، أو المناطق التي ذهبوا إليها، سواء في بغداد أو الموصل، الذين أسهموا وعملوا هذا الجمال. ونحن كمسيحيين موجودون في هذا البلد دائماً، نتطلع إلى أن نكون عناصر عمل وبناة حضارة وسلام، نحمل نور الإشعاع العراقي الحقيقي الأصيل، لكي يكون بلدنا معطاء ويمنح الآخرين هذا الإشعاع الفكري والحضاري.”
معاناة قرقوش
من جانبه، يقول الأب بشار إن “قرقوش يقطنها 52 ألف نسمة من المسيحيين، وكانت الحياة مستمرة والكل يعمل، سواء الذي كان عاملاً أو موظفاً أو منتسباً، وخلال أحداث الهجرة وبعد عودتنا كان هنالك دور للمنظمات والكنيسة من أجل عودة المسيحيين، وبناء دورهم ومنازلهم وإعادة بناء قراهم. وكما تعرفون فإن المنطقة كانت منكوبة، وواجهنا صعوبة في إعادة بنائها من جديد، وبالأخص في وقت النزوح، حين هاجر الكثير من الناس، والكنيسة أخذت على عاتقها إعادة إعمار المناطق هذه، بتشكيل لجان العمل، فالكل تعاونوا من أجل إعادة إعمار المنازل.”
وأعرب الأب بشار عن شكره للكنيسة والمنظمات غير الحكومية، التي أسهمت في عودة سكان قرقوش واستقرارهم، على الرغم من انخفاض عددهم إلى 24 ألف نسمة، لأن الناس يفضلون الذهاب إلى أربيل والموصل وكوكجلي وغيرها. لذا قلت أعداد الناس الداخلين إليها، أما سكانها فإنهم يعتمدون على الرواتب. كذلك هنالك الكثير من الشباب الذين تخرجوا ولم يجدوا فرصاً للتعيين، والقضية ليست قضية تبليط شارع ولا قضية تبليط الأرصفة، فنحن نحتاج الى إيجاد فرص عمل للخريجين، إذ إن غالبية الشباب يذهبون إلى أربيل للحصول على فرصة عمل، وهذا أثر على حياتهم، حتى أصبح القضاء عبارة عن قرية صغيرة، إذ إن الكثير من سكانه هاجروا وغادروه.”