حول النوم

73

جمعة اللامي/

لا أدري ماذا حصل لي بعد صلاة العشاء، هل دخلتُ (في) النوم، أم أن النوم (استولى) عليّ؟ لكنها حالة، أو تجربة تدعو إلى التأمل، ولاسيما إذا ارتبطت بأمور صحية، او كان من نتائجها احتجاب “ذاكرة المستقبل” من الظهور.
“يا قوم: لا تتكلموا، إن الكلام محرَّم..!!
(الرصافي)

وهذا ما جعل بعض أهل الظن يتوهمون، فلا يزيدهم التوهم إلا خسراناً. والنوم ليس توهماً قط، إنه حالة معقدة، لم يستطع سيغموند فرويد وأضرابه التوصل إلى أسبابها الوجيهة، وأخضع عدد من زملائه في القرن الماضي عشرات الأشخاص والحيوانات إلى اختبارات مختبرية لاستجلاء أسبابه، من دون أن يتوصلوا إلى قناعة نهائية.
والنوم عند أهل الفلسفة الشرقيين والإشراقيين مسألة معقدة أيضاً. وهناك آراء لدى اليونانيين تدعو إلى التأمل حقاً. إذ يرى الفيلسوف أفلاطون أن النوم رديف للطعام الذي يطلق أبخرة وأدخنة في العروق، “وأن حرارة البدن تسرق هذه الأبخرة وتدفع بها نحو الرأس، حيث تتجمع وتسبب النوم”. وهناك راهبة ألمانية، كتبت رسائل صوفية غامضة حول الطب والطعام أكدت على “التوازي فيما بين النوم والطعام، وربطتهما بسقوط آدم”، كما يقول الباحث ألكسندر بوربلي في كتابه: “أسرار النوم”.
يقضي الإنسان الطبيعي ثلث حياته نائماً. ويقول الأطباء أن أكثر أعضاء الجسم تأثراً بالنوم، هما القلب والدماغ. وثمة دلالة سببية بين النوم ومرض السكري لدى الإنسان. ولاحظ علماء بريطانيون قبل نحو سنة، وجود علاقة ما بين اضطرابات التنفس أثناء النوم، وبين المعلومات الأولية للسكري. وقالوا إن قرابة 1.10 من الرجال في متوسط العمر، مصابون باضطرابات التنفس أثناء النوم. ويقول عالم بريطاني، هو البروفيسور: ديفيد شبيغل، الأستاذ بجامعة ستانفورد: “إن النوم الجيد في الليل، يمكن أن يقي من مرض السرطان لدى الإنسان.”
وبعد 90 دقيقة من نوم الإنسان الطبيعي تبدأ مرحلة الأحلام بعد النوم العميق. والأحلام تأتي للإنسان في نومه، وتفسيرها لا يزال شأناً محبوباً لدى كثيرين، وهناك كتاب ثمين عنوانه “تفسير الأحلام” للعلامة ابن سيرين، يقول بعض العرب أن سغجموند فرويد سطا عليه!
والنوم في السرديات الإسلامية هو أحد جنود الله، كما جاء في عدد من الروايات الإسلامية الثابتة، منسوبة الى الإمام علي بن أبي طالب. وقصة فتية “الكهف” كما وردت في القرآن الكريم، آية ربانية لمن يريد الاعتبار. ويقول المسلمون: دخلتُ (في) النوم، مثلما يقولون: دخلتُ (في) الصلاة.
وفي الأدب السياسي العربي الحديث، يترادف النوم مع الغفلة والكسل والخمول والتفريط بالحقوق، والقعود عن نصرة الأهل والعشيرة والأمة. وهذا ما قال به شعراء العرب بصدد فلسطين، ويبدو أن لديهم الكثير ليقال في شأن أمصار عربية أخرى بعد أن سلم العرب مفاتيح عواصمهم إلى غير أبنائها.