المفكر مراد وهبه: المناعة العقلية كفيلة بتخليصنا من داعش

1٬151

حيدر ناشي آل دبس/

الفيلسوف مراد وهبة احد اهم المنظرين للفكر التنويري في العالم العربي، تبنى مشروع إعادة إحياء فلسفة ابن رشد التنويرية لتتماهى مع واقعنا الراهن. أسس البروفيسور مراد قسم الفلسفة في جامعتي الاسكندرية وعين شمس، ألف وترجم عشرات الكتب الفلسفية، التقته “الشبكة العراقية” في القاهرة وأجرت معه الحوار التالي:

* نعتقد أن الفلسفة أخفقت في بلورة مشروع إصلاحي نهضوي في العالم العربي، ما تعليق أستاذ الفلسفة مراد وهبه باعتباره أحد رواد المشاريع الإصلاحية العربية؟

– للاسف لا توجد رؤية فكرية مستقبلية، وفي تقديري ان تيار فكر الإخوان المسلمين هو المهيمن على العالم العربي والإسلامي، ولا يوجد تيار مضاد له وإنما أفكار لم تشّكل لغاية الآن تياراً. وللتوضيح في ما وجه لي انا اتُهمت بأن لدي فوبيا إخوانية من قبل الإخوان واليسار والناصريين، فكنت وحيداً في هذا الميدان. أذكر اثناء وجودي في مجلة الطليعة عام 1980 عملنا على تكوين تيار تنويري، وشرعنا في إقامة مؤتمر عن التنوير، لكن فوجئنا بعدم موافقة اية دولة عربية على تنظيم هذا المؤتمر، فأقمناه في باريس، ولك ان تتصور ان مؤتمراً عن التنوير العربي يقام خارج الدول العربية، وبالنتيجة كان المؤتمر الأول والأخير، فهو جنين ولد ميتاً، إلا اننا الآن نحاول من خلال صالون ابن رشد تكوين تيار يسمى (الرشدية الجديدة) لمقاومة الفكر الأصولي على اختلاف تنويعاته، رغم انها ليست المحاولة الوحيدة في إحياء فكر ابن رشد، اذ عقدنا مؤتمر (ابن رشد والتنوير) عام 1994 وفي هذا المؤتمر أسسنا الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير والتي الحقت بالاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية، لكننا لم نستطع تنظيم ندوة واحدة عن ابن رشد في داخل الاتحاد، وهذا يعني ان هنالك مقاومة من قبل الإخوان المسلمين داخل الاتحاد.

الرشدية الجديدة

* هناك تحفّظ على تيار الرشدية الجديدة، اذ يحاول العودة إلى السلف التنويري مثلما يقوم دعاة السلف التكفيري، والاثنان يقعان في مطب تجاوز الزمكانية المنتجة لهذه الأفكار، لذا باعتقادي ان القطيعة الفكرية مع الماضي هي التي تخلق مشروعاً تنويرياً حقيقياً، ما تعليقك؟

– نحن نعاني من وهم فكري، هو اننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، بينما في الحقيقة نحن نعيش اما في القرن الثاني عشر حيث ابن رشد مضطهد، أو القرن الثالث عشر حينما تحكم ابن تيمية، فاستخدام السلف اعتبره لفظاً وهمياً، وإذا اردت استخدامه عليك تجاوز الماضي والتراث وانشاء شيء جديد، وأبسط مثال على ذلك هو الحركة الوهابية التي أنشئت في القرن الثامن عشر، وتأسست بناءً عليها الدولة السعودية، وهذه الدولة ما زالت حتى الان تتحكم بها الوهابية، إذ انها تعيش في فترة تأسيس الحركة. في عالمنا العربي والإسلامي لا توجد سلفية اطلاقاً لأننا نعيش في زمن ابن تيمية وفكره حيّ ومتغلغل في جميع المؤسسات الحكومية والاجتماعية.

* التنظيمات ذات المنظور السلفي المتشدد مثل داعش والقاعدة أماطت اللثام عن مواجهة فكرية داخل التراث، برأيك إلى مإذا تفضي نتيجة هذا الاحتدام؟

– ان داعش والقاعدة وحزب حسم وحماس وغيرها من التنظيمات متفرعة من الإخوان المسلمين، وإذا قلنا ان هذه فروع قائمة بذاتها ونحاول مناطحتها والنضال ضدها فهذا وهم، نحن نناضل في حقيقة الأمر ضد فكر الإخوان المسلمين او بالادق فكر ابن تيمية، والدليل ناقش احدى هذه الفروع حول مشروعية إعمال العقل في النص الديني سيقول لك ممنوع، وهكذا جميع الفروع الاخرى التي انبثقت من الإخوان، اذن لدينا الاصل هو المتحكم، اما هذه فتنويعات تضلل بها المقاومة وتدخلها في خانة الشك، وكل تصريحاتهم حول وقوفهم ضد هذه المنظمة او تلك عبارة عن تشتيت، وأفكارهم حية، فابن تيمية يقول “ان الآيات القرآنية كلها معناها ظاهري وليس لها معنىً باطني” وكل من يقول خلاف ذلك يكفره، وانهى إعمال العقل في النص الديني، وهبط بالعقل ووضعه بمستوى الحس، فهو لغى التفكير لصالح الغريزة، وخصوصاً الغريزة الجنسية التي من خلالها عمل على تحطيم وتدمير المرأة، حتى لا تكون عبئاً ووسيلةً للتحرر، ولابد من ذكر ان اصل نشأة الحضارة مردود إلى المرأة، فهي التي ابتدعت التكنيك الزراعي، وكذلك اغلب الالهة في الديانات القديمة من الاناث، لكن حصل بعدها انقلاب ذكوري بقيم عنيفة، فكانت بداية لتأسيس النظام البطرياركي، وفي ظل هذا النظام سيكون من الصعوبة جداً تحرير المرأة.
بداية نهاية الأصولية

* نشهد في وقتنا الراهن سيطرة أمراء البترول الخليجي على سياسات الدول العربية كيف تنظر إلى مآلات حياتنا في المستقبل القريب والمتوسط وفق المعطيات الحالية؟

– جميل هذا السؤال، انا الان أتطلع برؤية إيجابية تجاه السعودية في إطار السياسة التي يتبناها الجيل الجديد من الشباب عن طريق ولي العهد محمد بن سلمان، اذ قال عبارة مهمة لم يلتفت اليها احد ” نحن بدأنا نصحو من عام 1979″ ومغزاها العمومي قيام الثورة الإيرانية حينذاك، لكن في تقديري هي اوسع من ذلك لانه في هذا العام بزغت الأصوليات الدينية في جميع انحاء العالم، وهي كذلك سنة وفاة احد اكبر منظّري الأصولية الإسلامية (ابو الأعلى المودودي). واتذكر في عام 1975 دُعيت إلى المؤتمر الفلسفي الإسلامي في باكستان، وقدمت بحثا أفضى إلى جدل حاد بيني وبين اساتذة الفلسفة الباكستانيين لانني قلت فكرة محورية ان العالم الثالث تنقصه حركتان وهما إعمال العقل في النص الديني والتزام العقل في تغيير الواقع، وقيل لي ان أفكار المودودي هي المتحكمة في التعليم بدلاً من محمد اقبال، بالنتيجة أنظر إلى المستقبل بعد التغييرات التي حصلت في السعودية بشيء من التفاؤل.

دور كوكبيّ

* من ضمن مخططات أمريكا واسرائيل إشغال المنطقة العربية بما تسمى حروب الجيل الرابع، أي حروب الإنابة، وقد ساهمت عدد من الدول العربية في تسهيل حدوثها، ما هي الحلول الناجعة برأيك للخلاص من هذه الكوارث؟
– ان سؤالك يعني وجود مؤامرة من الخارج، ويشير ايضاً إلى ان العالم العربي مفعول به وليس فاعلاً وانا ضد هذا التوجه، حيث اعتز بكلمة قالها مالك بن نبي وهي “العالم الإسلامي لديه القابلية للاستعمار” اي انه يُحب ان يُستثمر، وحينما يحصل ذلك يكبت طاقاته الإبداعية والسبب الرئيسي في ذلك فكر ابن تيمية، وبالتالي من حق القوى الخارجية استثمار هؤلاء الذين يكبتون طاقاتهم الابداعية، اما الحلول تكمن في التحرر الداخلي من الفكر الأصولي، وبعد ذلك تبحث عن دور لك على كوكب الارض، ولا احد يستطيع مقاومتك إذا فكرت بتأدية هذا الدور، لاننا نعيش الان في ما يسمى (بالكوكبية) فلسنا في إطار الدول المغلقة او المستقلة تماماً، الحدود والمسافات منتفية بين الدول والشعوب، لذلك الطريق متاح للتأثير والتأثر وتأدية دور كوكبي، ولا توجد عقبة كالسابق مثل الحدود وقواعد التعامل بين الدول، لكن في العالم العربي والإسلامي يعتبر برؤية خاطئة هذا المفهوم هو الاستعمار.

التفكير في النسبيّ

*رغم التحضر في طبيعة القوانين والانظمة الاوربية، إلا اننا نجد الكثير من المسلمين المقيمين هناك ذهبوا باتجاه التشدد الديني، ما هي اسباب ذلك؟

– انا لا استخدم لفظ التشدد، انما اسميه الأصولية الدينية، وقد قامت جامعة شيكاغو بتفريغ فريق عمل من العلماء لبحث هذه الظاهرة، فأصدروا كتاب (المشروع الأصولي) وهو من خمسة اجزاء، اذ رصدوا فيه كل النشاط الأصولي في العالم رغم تنوعه وتعدده، حيث ان هذه الأصوليات تشترك في سمات معينة منها عدم إعمال العقل في النص الديني، وتكفير اي نظرية علمية يشعرون انها ضد المعنى الظاهري للنص الديني، والتكتل ضد العلمانية العدو الأول للأصولية الدينية، والعلمانية في تعريفي هي “التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق” فعندما تعرض اي ظاهرة إنسانية او طبيعية تعرضها في الإطار النسبي، واعني الإطار العقلي وليس المطلق الذي يعني الفتاوى لانك بعكس ذلك تضلل البشر فلايمكن السماح للفتاوى التحكم بالمسائل الدنيوية التي يحكمها العقل والعلم. ان المسلمين الذين تتحدث عنهم أصوليون ويقومون بعزل انفسهم عن محيطهم لتصل إلى مرحلة التصادم والصراع الحتمي مع الدولة المستضيفة لهم، وجدير بالذكر ان الارهاب اعلى مراحل الأصوليات الدينية، والارهاب نفسه في حده الادنى التكفير وفي حده الأعلى القتل.

التخلص من آثار داعش

* بعد أن عانى الإنسان العراقي والموصلي تحديداً من تنظيم داعش الارهابي، طيلة ثلاث سنوات من قتل وتهجير وانغلاق تام عن العالم، كيف ستكون نظرته إلى الدين باعتقادك؟

– امامه طريقان: فإما ان يعي أسباب تحرره أو لا يعي. إن وعيه مرتبط بتحرره الداخلي وسيكون في هذه الحالة بداية وعي بشرور الأصولية، لذا على الإنسان العراقي البحث عن المناعة العقلية التي يحتاجها في الوقت الراهن حتى لا تتكرر المأساة التي مرت عليه.

هل كان صدام إخوانياً؟

أود أن أذكر حادثة سابقة في العراق، اذ كنت على علاقة بمستشاري صدام حسين ومن ضمنهم (محسن خليل) المستشار الصحفي، فطرحت فكرة عبارة عن اجراء حوار تخيّلي بين صدام ومرشد الثورة الاسلامية، فالأول علماني والثاني أصولي، وطلبت الاذن بذلك وتمت الموافقة، ثم عملت على كتابة هذا الحوار الذي من المفترض تقديمه اثناء حضوري إلى بغداد في احتفالات ذكرى ثورة 14 تموز، لكن بشكل مفاجئ تلقيت اتصالاً من بغداد ابلغوني فيه ان صداما الغى الاحتفال بذكرى الثورة، وبالتالي الدعوة الموجهة اليك ملغاة، وعرفت السبب ان صدام حسين التقى ستة من قادة الإخوان المسلمين من بينهم (عصام العريان واحمد سيف الإسلام ابن حسن البنا)، واتفقوا على تبني صدام للنهج الإسلامي، والإخوان بدورهم سيدعمونه، وبعد ذلك بشهر تقريباً تم غزو الكويت عام 1990. شاهد القول ان الشعب العراقي محكوم بالتيار الأصولي الإسلامي.