بين الشعر وأدب الرحلات.. باسم فرات يحصد جائزة جديدة

360

ز ياد جسام /

أعلن منتدى الشعر المصري في القاهرة، فوز الشاعر العراقي باسم فرات بالمركز الأول في (مسابقة الشاعر حلمي سالم الشعرية) لهذه الدورة 2022، وذلك عن ديوانه الموسوم (مرحٌ في الأساطير). وجاء في تقرير اللجنة: “أن فوز ديوان (مرح في الأساطير) لباسم فرات يرجع إلى أنه أثبت قدرته على امتلاك خيال خلاق يقوم على أنسنة الأماكن وتشعيرها واستبصار هوية المكان واتساع الجغرافيا المكانية ومزج المعنوي والحسي واستحضار الأسلاف وتوظيف ثنائية الماضي والمستقبل.”
باسم فرات الذي وُلد في وسط مركز مدينة كربلاء، عرف اليُتم مبكراً جداً، فحين كان في الثانية من عمره قُتل والده دفاعاً عن جارته، ولظروف أسرية قاهرة حُرم من والدته أيضاً، حتى أكمل الخامسة عشرة من عمره. في السابعة من عمره عمل خبازاً، وفي الثامنة عمل في محل لصناعة الأحذية عند صديق لأبيه، كان يرسله لشراء جريدة (طريق الشعب)، ومن خلال قراءات أستاذه في العمل لما يُنشر من شعر في الجريدة بصوت مسموع أمام أصدقائه، تَعلَّقَ بالشعر، وفي العاشرة من عمره أخبر ابن عمته الذي يكبره بسنوات وهو شاعر أيضاً، برغبته في أن يصبح شاعراً، فقرأ الشعر العربي القديم.
يرى باسم فرات نفسه محظوظًا لأنه قرأ الشعر منذ بداياته، أي ما قبل الإسلام، وتدرج حتى وصل إلى الشعر الحديث والمعاصر والمترجم، وهذا ما مكنه من دراسة علم العروض، وكتابة القصيدة العمودية، ثم قصيدة التفعيلة، ليستقر نهائيّاً على كتابة قصيدة النثر.
غادر العراق في الثالث والعشرين من شهر نيسان من عام 1993 ميلادي إلى الأردن التي قضى فيها أربع سنوات، ثم إلى (زي الجديدة – نيوزلندا) ليقضي فيها ثماني سنوات، ثم ينتقل إلى هيروشيما لثلاثة أعوام يعدّها من أجمل أعوام العمر، ثم ثلاثة أعوام في الهند الصينية في جمهورية لاوس الديمقراطية، ليعود إلى العراق بعد غربة متواصلة لمدة ثماني عشرة سنة وخمسة وعشرين يوماً، وبعد ذلك غادر إلى كيوتو عاصمة الإكوادور وفيها قضى ثلاثة أعوام متنقلاً بين غابات الأمازون وجبال الأنديز، لينتقل إلى الخرطوم عاصمة السودان، وفيها قضى ستة أعوام، زار فيها العراق مراراً وزار مصر أكثر من عشرين مرة، فضلًا عن خمسة عشر بلداً، ليقترب عدد البلدان التي زارها وتنقل فيها الى أربعين بلداً، حتى اضطرته جائحة كورونا إلى العودة لزي الجديدة مستقراً فيها إلى حين.
المجموعات الشعرية
أصدر فرات ديوانه الأول (أشدّ الهديل) في عام 1999 ميلادي، ثم تلاه (خريف المآذن-2002)، ثم (أنا ثانيةً -2006)، ثم (بلوغ النهر -2012) و (أشهق بأسلافي وأبتسم – 2014) و (أهـزّ النسيان-2017)، و(محبرة الرعاة -2017) و(فأس تطعن الصباح-2018) و(مبكرًا في صباح بعيد-2019) و(مرح في الأساطير -2022).
وفي مجال أدب الرحلات أصدر (مسافر مقيم .. عامان في أعماق الإكوادور-2014) و(الحلم البوليفاري .. رحلة كولومبيا الكبرى-2015و2022) و(لا عُشبة عند ماهوتا .. من منائر بابل إلى جَنوب الجنوب -2017) و(طواف بوذا .. رحلاتي إلى جنوب شرق آسيا-2019) و(لؤلؤة واحدة وألف تل .. رحلات بلاد أعالي النيل-2019) و(طريق الآلهة .. من منائر بابل إلى هيروشيما-2020 و2022) و(أمكنة تلوّح للغريب-2021).
وفي فرع السيرة صدر له (دموع الكتابة .. مقالات في السيرة والتجربة-2014) وفي المقالات والدراسات صدر له (اغتيال الهُويّة-2022)، فضلًا عن كتاب له عن تجربته في السودان ينتظر النشر، وكذلك صدرت له بالإنجليزية أربعة إصدارات هي: (هنا وهناك-2004) و(القمر الذي لا يجيد سوى الانتظار-2006) و (لا قارب يجعل الغرق يتوارى2010) و (رؤى-2021) وبالإسبانية صدرت له مجموعة واحدة هي (تحت ظلال المنافي-2007).
الجوائز
فاز باسم فرات بجوائز عدة، منها جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلات (2013 – 2014)، والجائزة الأولى لمسابقة ناجي جواد الساعاتي لأدب الرحلات (2015)، وتوّجها بأكبر جائزة عربية هي جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب (2019) عن كتبه الخمسة الأولى في أدب الرحلات (مسافر مقيم، الحلم البوليفاري، لا عشبة عند ماهوتا، طواف بوذا، لؤلؤة واحدة وألف تل)، وهو العراقي الوحيد الفائز بهذه الجائزة حتى الآن.. وفي مجال الشعر فاز بأكثر من جائزة، آخرها المركز الأول في مسابقة جائزة حلمي سالم الشعرية التي يتبناها المنتدى الشعري المصري.
تجربة مختلفة
عشرات النقاد والشعراء والأدباء كتبوا عن فرات، فقد قال عنه الشاعر سعدي يوسف: “لقد وجد باسم فرات طريقه المتفرّد في المشهد الشعري العراقي الرائع.” أما الشاعر سركَون بولص فيرى “أن باسم فرات، الشاعر الذي يحملُ همّاً لن نهجس ثقله إلا بالقراءة المتمعّنة، تنقّل في رحيله من كربلاء الى نيوزيلندا الى هيروشيما في اليابان ( نعم، هيروشيما، المدينة التي ضُربت بأول قنبلة ذريّة ) ويبدو لي أنه طوال رحلته لم يغفل أن يسجّل ملاحظاته، وأن يضيفها الى تجربته المتكاملة، فهو شاعر لا يني يطعّمُ حاضره بماضيه، ويُغني ما مضى بما يأتيه من وقائع جديدة.” أما الناقد حاتم الصكَر -وهو من أكثر النقاد اهتماماً بتجربة فرات- فيرى أن “المناخ الذي تأخذنا إليه قصائد باسم فرات لا يثير فحسب روائح الماضي وخسائره، ولا تعلّات المنفي وكمائنه، بل يستقدم الشعر من مناطق قصيّة في الذاكرة، يمسّها الشعر فتغدو عذبة كلفح عذابها ومرارةِ عنائها القائم المستمر… من مُغترَبِهِ، أو مغترباتِه المتعددة، ومن أسفاره التي لا تنتهي واحدةٌ حتى يستأنف أخرى؛ يتلمَّس باسم فرات بشعريَّةٍ رهيفة؛ رغم قسوة مادتها؛ تلك الرؤى والخيالاتِ التي تبرق في الذاكرة كلَّما ذكر وطنه العراق أو أيقونته الخالدة: بغداد، أو موطن طفولته ومسقط عذاباته وفقداناته: كربلاء. على رؤية الزرع والحصاد ينسج الشاعر صورة لعذابات طفولته. من الألم يُولَدُ الشعر ومن الفاجعة تُولد القصيدة. تتقطَّر صُوَرُها مجاهِدةً أن تُلامس مرجعها البعيد؛ لكنه كثيف وعصيٌّ، تكون الكلمات أشياء يلمسها القارئ، ويشارك الشاعر حدوسه ومواجعه ورؤاه”.