حنان شفيق: قلة الرسامين..أطاحت بدار ثقافة الأطفال

168

حاورها : زياد جسام – تصوير : علي الغرباوي /

حنان شفيق، رسامة عراقية تخصصت في رسوم الأطفال، ولدت في بغداد، وتحديداً في منطقة الأعظمية عام 1957، وكان لهذه المدينة تأثير كبير على نتاجها الإبداعي. تخرجت في معهد الفنون الجميلة – بغداد – فرع الكرافك. عملت في دار ثقافة الأطفال منذ عام 1978 ورسمت العديد من الأغلفة والصفحات والسيناريوهات في مجلة (مجلتي)، وكانت رسوماتها متميزة،
كانت لها بصمة خاصة مختلفة عن غيرها من رسامي دار ثقافة الأطفال. حنان تحدثت لنا عبر هذا اللقاء عن دار ثقافة الأطفال وما شهدته من تغييرات بين زمنين:
*يقولون إن المبدعين لا يتقاعدون، كيف تقضين أوقاتك بعد إحالتك إلى التقاعد؟
-أنا بصراحة متوقفة حالياً عن الإنتاج تماماً، لأسباب عديدة، أولها يتعلق بقلة المطبوعات الرصينة التي تهتم بثقافة الأطفال، وهذا ينعكس على رسامي هذا النوع من الرسوم. لكن قبل فترة ليست بعيدة، أعني بعد تقاعدي، عملت لـ (مجلتي) بطلب من بعض الزملاء، وكنت أرسم بلا أية أجور، على اعتبار أن المجلة تعاني من قلة الدعم المادي، وأيضاً قلة العاملين، ما يتطلب الوقوف إلى جانبهم، علماً بأن هناك مجموعة من الشباب يأتون إلى المجلة، لكن بصراحة ليست لديهم كفاءة، إذ أن غالبيتهم جرى تعيينهم عن طريق العلاقات، وهذه الطريقة لا يمكن لها أن تطبق على المؤسسات الفنية والإبداعية، لأن الشخص الذي لا يمتلك موهبة وكفاءة لا يمكن أن يكون منتجاً.
*في رسوماتك التي تنفذينها، سواء للمجلات كسيناريو أو كلوحات منفردة، نجد أجواء كأنها تحاكي مناطق تراثية في بغداد، كالشناشيل والأزقة والثياب التي يرتديها الشخوص وغيرها، هل هذا مقصود؟
-أنا من مواليد الأعظمية، حيث نشأت في هذه المنطقة العريقة في بغداد، وتحديداً كنت أسكن قرب مقهى الجزائر، وحبي وتعلقي بهذه المنطقة جعلاني أرسم كل ما كان يحيطني، فقد كنت أخرج إلى الشارع لأشاهد الأولاد والبنات يلعبون، وهم يرتدون ملابسهم الشعبية البسيطة، مثل الفساتين الموردة بألوان براقة جميلة، أو (دشاديش) الأولاد المقلّمة، ولبس (العرقجين)، إلى آخره.. لذا فإني تأثرت بهذه الأجواء والأزياء، فبقيت في رسوماتي وكأنها ستايل شخصي لا يمكنني مغادرته.
* كنت متميزة ومنتجة منذ أيام الدراسة الأكاديمية، بمن تأثرت؟ ولماذا اخترت رسوم الأطفال تحديداً؟
– نعم، الدراسة الأكاديمية في وقتنا كانت جادة وليست فيها أية مجاملات، افتخر بأنني درست على أيدي أساتذة أكفاء، أمثال الأستاذ الراحل رافع الناصري، الذي انتبه إلى أعمالي وشجعني، وقد كان يراقبنا ويلاحظ نتاجاتنا، ثم يختار الناجحة منها ويعرضها على الجدار لفترة أسبوع، كفعل تشجيعي، وفي الأسبوع الآخر كان يختار أعمالاً أخرى، وهكذا.. أذكر في مرة أعجب الاستاذ بعمل لي، فعلقة على هذا الجدار لأكثر من شهر لشدة إعجابه به، علماً أن هذه اللوحة لا تزال موجودة في بيتي، لأني أعتز بها جداً، دفعني هذا إلى التركيز في الإنتاج النوعي، تأثرت بالأستاذ رافع (رحمه الله) فقد كان صاحب فضل كبير لا يمكن نسيانه.
أما تخصصي في رسوم الأطفال، فإن الأمر يتعلق بحبي لهذا النوع من الرسوم، وشعوري بأنه قريب مني ولا أستطيع مغادرته.
*هل منحك رسم الأطفال، الذي تخصصت به منذ بداياتك، فرصة الانتشار عربياً او دولياً؟
– بالتأكيد.. فقد عملت لمجلات عربية، منها مجلة ( العربي الصغير) الكويتية ومجلة (أروى) التي تصدر في الأردن، وأيضاً لمجلات سورية، وغيرها من المجلات الخاصة بالأطفال.
*ما تقييمك لمجلات الأطفال التي تصدرها دار ثقافة الأطفال الآن؟
– بصراحة شيء مؤلم، مؤلم جداً أن نرى (مجلتي) و(المزمار) تنحدران بهذه الطريقة، فقد كانت هاتان المجلتان يشار إليهما بالبنان، باعتبارهما مجلتين تخصصيتين ناجحتين في كل النواحي، كالتحرير وكتابة السيناريو والرسوم الفنية والتصميم والطباعة وكل شيء، كانت هاتان المجلتان أوليين في الشرق الأوسط، عمل فيهما خيرة رسامي (الكومكس) والكتاب والمصممين.. لكن الآن، وبعد هذه الرحلة الطويلة، تراجعت المؤسسة بشكل رهيب، ربما سيزعج كلامي هذا بعض الزملاء الذين مازالوا يعملون فيها، لكن صدقاً أقول إنني عندما اتحدث عن تلك المطبوعات وما آلت اليه الآن ، اشعر بألم كبير.. الآن هي مجرد بناية لا قيمة لها.. مجرد إقامة مهرجانات وفعاليات لغرض الإعلام فقط، أين مجلتي؟.. كانت المجلة في السابق تصدر بشكل أسبوعي، 54 عدداً في السنة، لا يمكن أن تتوقف عن الصدور مهما كان.. أما الآن ففي السنة يصدر إما عدد واحد أو عددان فقط!
في الثمانينيات كانت تعمل فيها أسماء مهمة من الفنانين المبدعين: مؤيد نعمة، وعلي المندلاوي، ولمياء عبد الصاحب، ونديم محسن، وغيرهم .. أما الآن فالوضع كارثي، إذ لا تحرير ولا رسوم ولا أي شيء.
تصور أن عدد موظفي دار ثقافة الأطفال كان لا يتجاوز الستين موظفاً، غالبيتهم فنانون بين رسام ومصمم وكاتب، أما الإداريون فقد كانوا بحدود خمسة أو ستة أشخاص فقط: أمين مخزن، وموظفة بدالة، وثلاثة أشخاص في شعبة الحسابات.. أما الآن فقد تجاوز عدد الموظفين في دار ثقافة الأطفال الـ 600 موظف، معظمهم إداريون، ولا أبالغ إذا قلت إن عدد الفنانين الآن لا يتجاوز عدد الأصابع.. هذه هي المقارنة.. ولكم أن تتخيلوا الفارق بالمنتج.
*هل تعتقدين أن الوضع السياسي له تأثير على نتاجات الدار ومحتواها؟
– لا شك في أن الوضع السياسي مازال يتعامل بطريقة المحاصصة، وهذا ما أثر بشكل سلبي على المؤسسة وجعلها تتراجع إلى هذا الحد، إذ أن المدير العام الذي يأتي لإدارة مؤسسة فنية مثل دار ثقافة الأطفال، إذا لم تكن لديه الخبرة والكفاءة، لا يمكن أن ينجح في إدارتها، وللأسف هذا ما حدث في أكثر من دورة.
*عملتِ مع الكثير من المدراء في هذه المؤسسة، هل يمكنك تسمية أشخاص نجحوا، إلى حد ما، في إدارة المؤسسة؟
-ربما لو ذكرت أسماء معينة قد يزعل علي الأصدقاء والزملاء، فلدي ملاحظات على بعضهم، لأنهم إما أن يكونوا مبدعين كفنانين أو كتاب أو قصاصين، لكنهم لا يجيدون الإداريات، أو أن يكونوا إداريين أكفاء لكنهم لا يجيدون أو لا يلمّون بالقضايا الإبداعية والفنية، وهذا هو بيت الداء..
*ماذا لو كنتِ مسؤولة في وزارة الثقافة؟ هل لديك خطة لتطوير مؤسسة دار ثقافة الأطفال والمجلات التي تنتجها؟
– ثقافة الطفل هي أهم شيء في البلد، لذا يجب أولاً أن تخصص ميزانية مفتوحة لهذه المؤسسة، لان ثقافة الطفل تحتاج إلى دعم مادي ومعنوي، حالها حال المؤسسة العسكرية التي لديها ميزانية مفتوحة تقريباً، ثانياً لن أسمح بتدخل الأحزاب أو السياسيين في هذه المؤسسة، إذ سوف أحاول إبعادها عن هذه الصراعات بشتى الطرق.
إن أدمغة الأطفال شبيهة بالعجينة، نستطيع أن نشكلها مثلما نريد، لكن علينا أن نغذي هذه الأدمغة بكل ما هو مفيد وعلمي وجمالي، ولا نريد أن نعيد الماضي.. حين كان الأطفال لا يعرفون رسم أي شيء غير الدبابة والطائرة وأرض المعركة.