خطّة لإنقاذ العالم..!
علي السومري /
لا يراودك الشك وأنت تقلب صفحات هذه الرواية، في أن المهمة التي قرر بطلها أن يخوض غمارها ستكون مهمة مستحيلة، ليس لعدم الإيمان بقدرتنا على إنقاذ العالم، بل لرغبة البشر العجيبة في زراعة الحرب والدم والخراب وقطف ثمارهما موتاً!
رغبة تُفشل كل محاولات مجابهتها من قبل أقلية تنظر إلى هذا العالم والحياة بمنظار مختلف عما يراه سدنة الموت، نظرة من يراقب بحكمة مشوبة بالخوف، نظرة من يَعلم بأنه يَعلم ولا يستطيع فعل شيء! لكن، أحقاً يمكننا إنقاذ العالم؟ هذا السؤال هو ما غامر به الروائي حسن أكرم في روايته الأولى المطبوعة عن دار الرافدين، التي اختار لها عنواناً مثيراً: (خطّة لإنقاذ العالم)، عبر رحلة بطلها الذي بقي يومين متتاليين بعد ولادته من غير اسم! فوهبه عمّه في يومه الثالث اسماً مشتقاً من الحرب وسنواتها العبثية، ونجاتنا منها بأعجوبة: (حسن)، لكن هل حقاً نجونا منها؟ هذه الحروب التي تعيد تشكيل ذواتنا من جديد، لنكون في النهاية أشخاصاً مختلفين جداً عما كنا عليه قبل خوضها؟
دخان أسود
تبدأ الرواية بعبارة جدَّة حسن: “إن أردت إنقاذ العالم، عليك أولاً أن تحاذر على نقودك من التلف،” وهي حكمة اتخذتها الجدة بعد محاولة قام بها زوجها لإنقاذ العالم سابقاً، مغامرة انتهت بفشل الجد في إنقاذ العالم ونفسه معاً. لم تكن الفكرة صعبة عند التفكير بها، هذا ما كان (حسن) يُحدّث به نفسه، خطة بسيطة، اقتصرت على: “دفع المسلحين من كل مكان إلى زاوية ضيّقة من الأرض، ثم نعبئهم في براميل كبيرة وندحرجها من أعلى التلة، خطة تتيح لنا العودة إلى الحياة، وتسمح لي بارتداء بدلتي المَطريّة والمشي في الشوارع المبتلّة من دون دخان أسود يغلف المدينة، من دون وجوه أجنبية تمر بسيارات مسرعة وتصرخ في وجوهنا: ابتعدوا. لكن من يفكر في إنهاء حرب ما وإنقاذ شيء ما، عليه أن يفكر أولاً بإنقاذ نفسه من حروبه الداخلية، حروب ابتدأت بالعداء من (عنّون) ندّ (حسن) وغريم طفولته الأزلي، لتتشعب بعدها وتتحول إلى محاولة إنقاذ دجاجة من الموت، ويا لهذه المهمة الشاقة في زمن الجوع!”
أبناء الحُب
في الرواية كان الموت حاضراً بقوة بسورياليته المعتادة، موت العم الذي لم يذرف عليه بطل الرواية دمعة واحدة، غياب استمر فترة قصيرة، ثم يعود العم، أو صوته، عبر تسجيلات ورسائل صوتية وأخبار عاجلة يفشيها لابن أخيه الذي سيمتهن بيعها من أجل رحلته إلى الجنوب واللقاء بحبيبة طفولته (زينة)، رحلة كان عليه أن يجاهد فيها لإنقاذ حيوات ثلاث: حياته، ودجاجته، ومسجّله. لم يتسلح (حسن) في هذه المغامرة إلا بما قالته له (أم عليوي) بائعة اللبن: “إن أبناء الحب هم سينقذون العالم،” وهو ما كان متأكداً منه، إنه هو ابن حب، جمع بين جندي خائف مرعوب، وفتاة جنوبية أطعمته قطعة بطاطا وقليلاً من الشاي، بعد عودته مهزوماً من حربه الأخيرة.
دجاجةُ ميران
يقال إن أقسى الحروب تلك التي تواجه بها ذاتك، وهذا ما واجهه (حسن) في مهمته النبيلة. إن إدراكه ضرورة أن يكون كاذباً كبيراً ومخادعاً من أجل الانتصار في مغامرته، أعاقه كثيراً، كيف سيعود لبراءته إن نجح في هذه المهمة؟ وهل سيستطيع التخلص من رواسب ما علق به أثناء محاولته هذه!؟ هل سينجح حقاً في إنقاذ العالم كما خطَّط، لينقذ نفسه فيما بعد؟ الرحلة طويلة إلى الجنوب، والحفاظ على حياته من القتلة صعب جداً، كما هو الحال بالحفاظ على حياة دجاجة (ميران) الذي عاش ومات كدجاجة في سجن يشبه قفص الدجاج. لكن أصعب المهمات في هذه الرحلة هي الحفاظ على حياة عمِّه الميت، صاحب الميتات المتكررة! عمّه الذي كان دائماً يجد حلاً للتواصل مع ابن أخيه، حتى وإن كان عبر طائرة ورقية: “كيف حالك يا ابن أخي، هل عدتم للحرب مجدداً، كيف لكم ذلك؟ أعرف أنك لم ترغب بحدوث الحرب، وهذه هي المشكلة، أن لا أحد يريد الحرب لكننا لم نمضِ يوماً واحداً إلا وخضنا فيه حرباً شرسة، إن لم تكن مع الناس فمع أنفسنا.
رحلة (حسن) تنتهي بخمسة هوامش مهمة، ستعرفها ما إن تقرأ هذه الرواية الأولى لكاتبها الروائي حسن أكرم، التي صدرت بـ (116) صفحة من القطع المتوسط، وهي تجربة أولى للكاتب الذي نشر قبلها قصصاً قصيرة عدة في صحف عراقية وعربية.