دور المثقف إزاء ما يسمى بالمحتوى الهابط

176

زياد العاني /

باتت السوشيل ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي في العالم نافذة يستغلها بعض المؤثرين للترويج عن محتوى هابط، بل خادش للحياء، تفشى على نطاق واسع بين أوساط الشباب والمراهقين من كلا الجنسين، ما أثر سلباً على نمط الحياة الاجتماعية للشباب العراقي تحديداً.
قلق نفسي يعيشه الآباء والأمهات جعلهم يتساءلون إلى متى يستمر ذلك الانحدار؟ وهل أصبح المجتمع بحاجة فعلية إلى فرض الرقابة على ما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتنفيذ عقوبات رادعة لكل من يروج لفعل غير أخلاقي؟ وأين هو دور المثقفين العراقيين إزاء ذلك، هذا ما دفعنا إلى إجراء الاستطلاع الآتي، الذي شاركتنا فيه نخبة من المثقفين.
خطاب شعبوي
تحدث لنا وكيل وزارة الثقافة والسياحة والآثار (د.عماد جاسم) فقال إن “المجتمعات في العالم جميعاً تعاني، بشكل مماثل أو أقل شدة، من هيمنة الخطاب الشعبوي والسطحي في السوشيل ميديا، ومدى قوة السوشيل ميديا في تماسك المجتمعات والقيم، وأيضا تأثيراتها على المشاركة في صناعة رأي عام أولاً، والمشاركة في التأثير بسلوكيات الأطفال والصبيان، وحتى الشباب. ومن هذا الباب يتحتم علينا أن نعمل بشكل تضامني مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات المهنية والمراكز البحثية والأكاديمية والجامعات. ومن هذا المنطلق سعينا، نحن في وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، إلى مخاطبة العديد من هذه الجهات والعمل بضرورة تنفيذ برامج توعوية وتثقيفية، باعتبار أننا جهة لا يحق لها محاسبة الأفراد أو متابعة ما يكتبون أو يبثون، فهناك مؤسسات معنية بهذا الغرض، غير أننا في وزارة الثقافة نعمل على تحسين وتجميل البيئة لجعلها مثالية، مع حرصنا على أن نكون قريبين من الشباب لنحارب معاً هذه الآفة الضارة بالمجتمع، التي باتت تهدد المجتمع بشكل لافت، فهي تنتشر بين شريحة كبيرة، مثل أولئك الشباب الذين يعانون من الفراغ وأصبحوا يرتادون المقاهي وينجرّون وراء السلبيات، مثل المخدرات وغيرها، والاقتراب من التسطيح المجتمعي، أو ما يسمى بـ (التفاهة السائدة)، والتعامل مع نوع من الغناء الهابط. لذلك فإننا ساعون إلى استعادة القيم الجمالية والثقافية من خلال تنظيم ندوات ومعارض تشكيلية ومسرح وكل ما هو ثقافي، واكتشاف المواهب لخلق جيل جديد ذواق.”
صناعة المحتوى
أما رئيس اتحاد الأدباء والكتّاب الأستاذ (علي حسن الفواز)، فقد تحدث عن ماهية المعايير التي يمكنها تحديد المحتوى السلبي، ومن هي الجهات التي تُفسّر هذا المحتوى؟ وهل هناك مرجعية قانونية تفترض طبيعة العقوبات التي تناسب ماهو خلافي في المحتوى؟
يقول الفواز: “هذه الاسئلة تتطلب مقاربة نقدية، علمية وقانونية، لمفهوم المحتوى، وبما يجعله لا يتقاطع مع الحق القانوني لحرية التعبير عن الرأي والموقف. وبقدر أهمية هذه المقاربة، فإن مايجري في الواقع العراقي من تداخلات وعلاقات يجعل عملية الفرز والتقويم وبيان الرأي من القضايا ذات الطابع الإشكالي صعبة جداً، فضلاً عن كونها تكشف عن وجود أزمات حقيقية في إدارة الكثير من الملفات، ولاسيما ما يتعلق بالجوانب الثقافية والاجتماعية والحقوقية، التي تعكس أزمتها وعياً مسؤولاً بضرورة الإصلاح والتأهيل، وعلى مستويات متعددة، لكن أكثرها خطورة المستوى التعليمي، والمستوى الإعلامي، والمستوى الأخلاقي، لأن هذه المستويات هي المسؤولة عن (صناعة المحتوى)، أي المضامين والأفكار والخطابات التي ترتبط بالحقوق العامة والخاصة.
كما أن الحاجة إلى تفسير المحتوى تتطلب وجود جهات تمتلك أهلية الوعي به، وبترسيم حدوده السلبية والإيجابية، لأن الاكتفاء بالجهات الأمنية والقضائية سيجعل الموضوع مثار جدل وخلاف، قد يتعارض مع الحريات العامة، أو مع حقوق الإنسان، وكذلك مع المسؤولية النقدية. أحسب أن إشراك الجهات ذات العلاقة الثقافية والإعلامية في معاينة ذلك، سيخفف من التأطير الأمني للمشكلة، مثلما سيكشف عيوباً كبيرة في عديد المنصات التي تتجاوز على المرجعية القانونية لحق البث والإرسال، وهذا يتطلب إجراءات بحقها، لأنها تتجاوز بذلك على مسؤوليات الجهات العامة المعنية بمتابعة المنصات التي تقوم بصناعة المحتوى الخطابي.”
إجراءات حكومية
كما تحدث الكاتب (إبراهيم العبادي) عن انقسام العراقيين بين مؤيد للإجراءات الحكومية الرامية إلى السيطرة على النشر السيئ ذي المحتوى الهابط، وبين رافض لتدخل الدولة خشية اتساع رقعة الرقابة إلى حد يهدد الحريات العامة.
مضيفاً أن “ظاهرة النشر المتاح بلا ضوابط تعد مشكلة اجتماعية – أخلاقية خلقتها ثورة الاتصالات، إذ أصبح الأفراد يعبّرون عما يرغبون التعبير عنه، غير محكومين بقيود وضوابط، إلا ضوابط المجتمع وقيمه. ولأن غالبية الناس يميلون إلى الإدهاش وجذب المتابعين دونما مبالاة لما قد ينجم عن هذه الرغبة من نتائج سيئة، فقد استسهل القادرون على صناعة المحتوى الإعلامي، وغير القادرين كذلك، النشر المفتوح، وصار الجميع يلهثون وراء جمع العدد الأكبر من المعجبين والمتابعين، وهم في الغالب الجمهور البسيط الباحث عن النكتة والمزحة ومايحاكي الغرائز ويخفف عن الإنسان ثقل الحياة اليومية. لذلك تبارى المتنافسون في عرض مايظنون أنه يجلب لهم الشهرة والانتشار بلا رقابة سوى رقابة (العيب)، وفي أحيان قليلة الضمير الأخلاقي، فكان ذلك مدعاة للتوغل في الإسفاف والابتذال والثرثرة الفارغة وما يسيء إلى الذوق العام والآداب الاجتماعية المتعارفة.
نحن أمام موجة جديدة تعيد صناعة الأذواق، وتكسر التابوات، وتجيز للمواطن -الفرد الحديث في كل شيء وعن كل شيء، تماماً كما تعرض البضائع في الأسواق، لا يضبطها غير قانون العرض والطلب. لكن المؤسف حقاً هو التشجيع الذي يلقاه أصحاب المحتوى السيئ، أو الهابط، الذي لايرتقي بذائقة ولايتناول أمراً جاداً ذا مغزى، فصارت العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة، وصار تدخل السلطات بديلاً عن تدخل الضمير الأخلاقي، وغدا القانون هو السيف الذي يطارد العاجزين عن الانضباط بضوابط الذوق العام.
ولكي نعالج مشكلة المحتوى الهابط، فلابد من حملة توعية شاملة، وبيان للحدود القانونية للنشر العام، وحراك ثقافي واسع يقدم بضاعة بمواصفات جمالية وذوقية مقبولة، إذ لا يمكن الركون إلى تعريفات فضفاضة وقانون عقوبات قديم لا يعالج المشكلات الحديثة التي خلقتها التكنولوجيا الاتصالية للتصدي للنشر الهابط، كما لايمكن القبول بتوسيع رقعة الرقابة اجتهاداً في دلالات ومعنى المحتوى الهابط ليشمل مروحة واسعة من التعبيرات، فذلك دونه مشكلات جمّة، وقد يفتح باباً للجدل السياسي والقانوني لا حدود له، إذ أن المشكل ثقافي – أخلاقي، والقانون وحده لا يعالج المشكلات الثقافية – الاجتماعية، بل الارتقاء بالخطابين الثقافي والأخلاقي بما يحفظ (الآداب العامة) من الوقوع في فخ المكارثية.”
عملية تراكمية
وكان للقاصة (رغد السهيل) رأي آخر حول هذا المحتوى الهابط، الذي انتشر كثيراً، إذ وصفته بأنه حصاد وثمار كل ما حدث في العراق من تدهور علمي وثقافي ومعرفي، وقالت “الثقافة عموماً هي عملية تراكمية، والخراب الحاصل في الجوانب التعليمية الأساسية في المدرسة والجامعة، من الطبيعي أن يقدم هذه الثمار الفاسدة ولم نكن نتوقع الأفضل.. وإن كنا جادين في إيجاد الحلول الحقيقية الجذرية، فلابد من إصلاح الخلل، ولاسيما في منظومة التعليم، بإبعاده عن المخاصصة والمغانم الحزبية، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب بناء على كفاءته فحسب. وبغير هذا سنظل ندور في نفس الدائرة، وأي قانون لن يجدي، لأن الخلل في البنية الثقافية للمجتمع ككل وليس بالأفراد. أما المثقف فإن عليه أن يهبط من برجه العاجي ويتقرب من بيئته ويحاول رفع المستوى الثقافي للمجتمع عن طريق الندوات والأنشطة الثقافية وتوجيه الشباب ،وحتى الأطفال.. فمن الممكن استغلال معارض الكتب لتوجيه الشباب من خلالها إلى أهم الكتب للقراءة، كما يمكن إعداد برامج موسيقية تتناغم مع رغبات الشباب، على أن تكون رفيعة المستوى وتنمى ذائقة الجمهور. كما أن للمدرسة دورها، وكذلك الجامعة، والمنظمات والنقابات والإعلام، كلهم مشاركون أيضاً. وإذا ما تكلمنا عن المحتوى الهابط، فلابد من أن نشير إلى أن هناك محتوىً هابطاً فعلاً بين تصريحات بعض المسؤولين والسياسيين بالتأكيد له تأثيره على المجتمع عموماً والشباب خاصة. يجب أن ندرك أننا لن نستطيع القضاء على المحتوى الهابط بقانون، لأنه راسخ في العقول وليس في المنشورات.. وإذا لم نعمل على تنمية العقول بجدية فلا جدوى من عملنا!”