سلوك المثقف في عالم التواصل الاجتماعي

653

خضير الزيدي/

وفرت وسائل الاتصالات الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي فسحة كبيرة للمثقف، وبدت صورته الاجتماعية أكثر انفتاحا أمام أصدقائه في عالم الفيسبوك، ولكن ما قيمة تلك الثقافة إذا تبدى الوجه الأخر اجتماعيا بصورة مختلفة، ولماذا أصبحت مظاهر اليوميات أكثر فاعلية من وجوده كمثقف، ما دور الأعراف الاجتماعية وتأثيراتها على المرأة المثقفة سواء كانت فنانة أم ناقدة أم صحفية، أنها أسئلة تبحث عن إجابات لنتوقف عند معطيات السلوك الغريب أو الحقيقي للمثقف.

مرآة المثقف وصورة التصرف

في بداية مشوارنا ذهبنا للشاعر شوقي عبد الأمير فرأى في عالم الفيسبوك أمرا مهما وضروريا للمثقف أكثر من أية جهة أخرى في المجتمع، ذلك لان المثقف الفاعل هو الذي يحتاج أكثر من سواه إلى التواصل مع الناس لفهم احتياجاتهم ولإيصال أفكاره وكتاباته لهم.. من هنا تأتي خصوصية هذه العلاقة الجديدة لأنها ابنة الثورة المعلوماتية التي ليس لها من العمر أكثر من ثلاثة عقود. بالطبع في حالة كهذه نحن أمام ظاهرة حديثة للطرفين المثقف والنَّاس.. وهم يكتشفون بعضا الآن بفضل هذه الشاشة الصغيرة التي يحملونها في الجيب والتي هي بكل بساطة العالم.. إذن تحصل الآن ومنذ عقود قريبة ولادة مثقف جديد وقارئ جديد، اذ لم يعد المثقف يخاف الرقابة والمنع ولا الجمهور يشكو من مثل هذه الممارسات التي ملأت حياة الشعوب طيلة القرون الماضية.. لكن هذا ليس دون مخاطر تنجم عن أخطاء يرتكبها كل طرف ومنها- أن يتوهم المثقف وسواه أن الحلقة العائلية والصداقة الصغيرة التي تحيط به هي العالم وهي الجمهور والآخرين… عليه الاستفادة من هذا الحضور لكن أن لا يتوهم حجمه ويبني عليه…لان في هذا الأمر مزالق عديدة ومطبات.

مشروعنا الابداعي

أما الروائي والقاص محمد حياوي فله وجهة نظر تقودنا لمكاشفات دقيقة يؤكدها لنا من خلال إجاباته قائلا: لا غنى لأي مشتغل في المجال الثقافي عن تلك الوسائل المهمة، شرط معرفته بآلية استخدامها وقواعدها، لأنّها سلاح ذو حدين، وإذا ما أسئ استخدامها قد تعود بالضرر الكبير على المثقف. الخطوة الأولى التي لا بد منها هي ضرورة فصل الشخصي عن الثقافي في تلك المواقع دفعاً للبس، ثانياً ضرورة تطويع تلك الوسائل للمشروع الثقافي الصرف من دون الانشغال بالأساليب المزيفة أو الهامشية، لأن الانشغال أو الاعتماد على تلك الأساليب قد يؤدي في النهاية إلى ضياع المنجز الثقافي الحقيقي. وأقصد بالوسائل المزيفة هي محاولة البعض شراء الأصوات أو ما يسمى بــ”اللايك” من بعض المواقع التجارية الرخيصة التي تبيع كل 500 لايك بخمسة دولارات، فضلا عن محاولة البعض إثارة مظاهر غير حقيقية أو لا تمت للمنجز الثقافي والإبداعي بصلة. وفي المحصلة يجب أن لا تشغلنا تلك الوسائل عن قضيتنا الأهم وهي تطوير مشروعنا الإبداعي الشخصي الخالص.

حساسية السلوك وغرابته

لم يتوقف استطلاعنا عند هذا الحد بل عززناه بإجابة الناقد والشاعر علي حسن الفواز مبينا بان المثقف كائن اجتماعي، وخصوصية هذا التوصيف ترتبط بوعيه وبقدرته على تعزيز القيمة الثقافية للسلوك الاجتماعي، ولعلاقاته ومواقفه، ولعل صدمة وسائل التواصل الاجتماعي تتمثل أكثر هذه الصراعات إثارة، إذ وجد فيها المثقفون مجالا واسعا للتعبير والنشر والتواصل، وحتى لممارسة نوع من الخصوصية التدوينية التي قد تُسبب حرجا للبعض، لاسيما النساء، حيث لا قيود ولا رقابة.. ما يقوم به البعض من أولئك المثقفين من ممارسات تعكس خصوصية وعيهم وتجاربهم، لكنها أيضا تعكس من جانب آخر أزماتهم الشخصية، فضلا عما تعكسه من حاجات للتعويض النفسي، قد يجده هذا البعض في الفيسبوك بشكل خاص، إذ يعبر تكريس أنويته وصورته واحباطاته ومشاعره العاطفية والجنسية وحتى العدوانية، حتى تبدو وسيلة التواصل الاجتماعي وكأنها مرآة المنزل، أو مقهى الحارة الشعبية التي يُعطي دافعا نفسيا لتفريغ الكثير من الشحنات والأوهام.

مخاوف المرأة المثقفة

إذا كان المثقفون يعون أهمية تلك السلوكيات ومردودها فكيف تتعامل المرأة في الفيسبوك مع رسائل الخاص؟ هل ثمة مخاوف تعد مشروعة، ولماذا يتجذر في بعض المثقفات نمط السلوك العشائري، توجهنا بالأسئلة الى الفنانة منى مرعي فإجابتنا بان أصبح الفيسبوك من أهم طرق التواصل الاجتماعي والثقافي والفني والإنساني فهو يكشف مدى ثقافة الإنسان فبمجرد دخولك على صفحة الشخص ومتابعته وتعليقاته ومنشوراته تستطيع معرفة أن كان واعيا ومثقفا أو لا، ويدل عن تطلعاته وأفكاره، وأرى اكبر العيوب الاجتماعية التي لا تليق بالإنسان بصورة عامة بالفيس هو ان يتدخل بشؤون الآخرين أو أن يكتفي بالمراقبة والفضول والأحاديث الجانبية غير المفيدة ..وكذلك نشر الطائفية أو التحزب، أما تحسس المثقفات من الحديث الخاص فهو ليس تحسسا، بل واقع أليم أصبح عند الأغلبية فهم لا يتفهمون أن تلك المثقفة حتى وان ظهرت متحررة في عملها لابد أن تكون هناك حدود للتواصل والرد لا يتجاوزه المقابل بالتحاور..
مشاركة أخرى مناصرة في القول أبدتها الصحفية والمترجمة عدوية الهلالي من خلال تأكيدها أن عالم الفيسبوك يكشف عن شخصية المثقف من خلال خياراته ومنشوراته وكتاباته الشخصية فضلا عن أسلوبه في النقاش، فالمثقف الحقيقي هو الذي يبتعد عن الشحن الطائفي والعناد والتشبث بالرأي، بل يستخدم الحياد والمنطق في مناقشة القضايا المطروحة على صفحات الفيسبوك، ومن الناحية الاجتماعية لابد أن يحصن المثقف نفسه بإطار يجعله بمنأى عن السطحية والإسراف في الإشارة لنفسه دون منجزه الإبداعي مع مراعاة التواصل الاجتماعي مع الأهل والأصدقاء ليحقق استخداما متوازنا لشبكة التواصل الاجتماعي ..في ما يخص المرأة المثقفة، تضطر غالبا إلى استخدام اسمها الصريح وصورتها للإعلان عن عملها وشخصيتها لضمان حصول تبادل معرفي، لكن البعض يستغل ذلك للتعرف عليها بشكل شخصي من خلال الحديث معها عبر الخاص وهو ما يجعلها تتجنب الرد ..هذه المخاوف الخاصة بالمرأة وسلوكية المثقف المتعطش لإبداء صورته الاجتماعية، لن تنتهي طالما بقى الوعي الاجتماعي غريبا وبعيدا عن سلوكيات الثقافة الحقيقية.