شعرٌ كثير وجدوى قليلة

991

علي السومري /

كثر الحديث عن تعدد المهرجانات الثقافية وأهميتها بشكل عام، ومنها المهرجانات الشعرية. وانقسمت الآراء بشأنها بين مؤيد ومعارض، بين من يرى ما لهذه المهرجانات من أثر واضح لمنجز الثقافة العراقية، وآخر لا يعدها سوى نشاط اجتماعي لا غير!
ومن أجل معرفة أهمية هذه المهرجانات، استطلعنا آراء عدد من الشعراء عن هذه الموضوعات وغيرها، وكيف يقيّمونها وما الذي قدمته للثقافة عامة والشعر خاصة.
حفل تعارف
الشاعر حميد قاسم يقول: “هذه المهرجانات – في غالبيتها- عبارة عن منفذ للاستعراضات ومجال للإنفاق غير المبرر وأنها لم تقدم، ولن تقدم شيئاً، سوى فرصة اللقاء ببعض الأصدقاء أو التعرف على شخصيات أدبية” فهي بحسبه “حفل تعارف بين المشتغلين في مجال الأدب وبين الأجيال.”
أما الشاعر كريم جخيور فبيّن أن مهرجانات الشعر تقليد قديم في تاريخنا منذ أيام عكاظ والمربد قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام، وإن هذه المهرجانات المعاصرة في مختلف البلاد العربية وفي مقدمتها العراق ما هي إلا امتداد لذلك الإرث البعيد، مشيراً إلى أنه “من الطبيعي ان يكون لكل فعالية جانب إيجاب وجانب سلب”، ويضيف: إن إقامة مهرجان للشعر هو ضرورة حضارية.
وعن أهم ما قدمته هذه المهرجانات، قال (جخيور): “أهمها تبادل الخبرات والتلاقح الثقافي ونشر الأدب ومؤثراته على الشخصية الاجتماعية وعلى الأفراد، ودوره في تنمية الأنشطة الإنسانية بما يوفر مساحة أوسع للمعرفة والمتعة والجمال.”
هدفٌ سياسي
في حين قال الشاعر د. عارف الساعدي: “المهرجانات الشعرية سنّة أسستها الدولة القومية في العراق، فلا أظن قبل الستينات كانت هناك مهرجانات ولكن الدولة في بداية فتوتها كانت تطمح لجمع العرب في تجمعات مختلفة يقف الشعر في مقدمتها.” مبيّناً أن الهدف الأساس منها هو هدف سياسي ولكنه درَّ فوائد على المشهد الثقافي، مشيراً إلى أنه من خلال المهرجانات كانت تظهر المدارس الشعرية وتنطلق وتعرف عربياً، ومن خلالها أيضاً كانت تناقش أهم الملفات الثقافية”، مضيفاً: “إن الحداثة وجدلها لم تستو طبختها إلا على نار الجلسات النقدية التي كانت تناقشها المهرجانات الشعرية.”
ضرورة ثقافية
أما الشاعرة غرام الربيعي فأشارت إلى أن للمهرجانات الشعرية ضرورة ثقافية لتنشيط الزمن وإعطاء الحياة فعلاً يصوغ الذائقة، ومن خلالها نتعرف على قابلية وإمكانيات الشعراء ومستوياتهم في الإبداع، مضيفةً: “المهرجانات تجعلنا قريبين من نتاج الشعراء ومعرفة الأسماء الجديدة، ومن هم فرسان القصيدة، والجديد في تحولات الإبداع، كما أنها تجعلك وجهاً لوجه مع المبدعين لتبادل وجهات النظر وتبادل المنجزات من المطبوعات، التي ربما لا تحصل عليها بسهولة.”

حراكٌ ثقافي
وتحدث الشاعر رياض الغريب عن هذا الموضوع مبيّناً أن تعدد المهرجانات يدل على حراك ثقافي نحن بحاجة إليه في أخطر مرحلة يمر بها الوطن، فهي برأيه معادل موضوعي للخراب الذي أحدثه التحول السياسي والاجتماعي، مضيفاً: “لكن السؤال الذي كنا نطرحه دائماً على المستوى الشخصي أو حتى من جهة مسؤوليتنا في الاتحاد؛ هل استطاع هذا المهرجان أو ذاك أن يقدم فعلاً ثقافياً مواجهاً أم أنه مجرد فعل سرعان ما ينتهي تأثيره بانتهاء أيامه؟ والحق أقول، هناك مهرجانات أعتقد أنها مجرد حشود تحضر، ويتحول المهرجان فيها من فعل ثقافي إلى فعل اجتماعي، تكثر فيه المجاملات، وينفض بسلام بعضهم على بعض مودعين.”
حشود الشعراء
واحد من المظاهر الشائعة في مهرجانات الشعر التي شخصها كثير من المراقبين والمشاركين فيها، هو العدد المبالغ به من الشعراء الذين يلقون قصائدهم في الجلسة الواحدة، مع ندرة الإصغاء للشعر، ما دفع شعراء كثراً إلى وصف هذه المهرجانات بأنها مناسبة للقاء الأصدقاء فقط!
عن هذا الموضوع يقول الشاعر حميد قاسم: “كثير من المدعوين والمدعوات هم أصدقاء للقائمين على هذا المهرجان أو ذاك، المحزن حقاً أن تكون الصداقة أو العلاقات الشخصية أساساً لدعوة الشعراء والشواعر، وأغلبهن من صديقات الـ (فيسبوك)، ممن يكتبن الخواطر الساذجة، وينشرن صورهن القديمة، يوم كن شابات جميلات، هذه طرفة حقيقية وصدمة يكتشفها الداعون حين يصلن المهرجان.” مضيفاً: “ومع صعود عشرات الشعراء المنصة في كل جلسة يضيع الشعر والشعراء في ضجيج الجمهور.”
أخطاء تنظيمية
أما الشاعر كريم جخيور فأوضح أنه لا شك في أن هذه المهرجانات تتخللها أخطاء تنظيمية وسلوكيات لا تنسجم مع جماليات الشعر والأدب عموماً، منها ما يكون الشعراء سبباً فيه كإصرار الجميع على القراءة، ما يولد ازدحاماً يفقد القدرة على التركيز والمتابعة، ومنها ما يكون المنظمون سببه، ومنها ما يتسبب به الجمهور لا سيما إذا لم يكن نوعياً. مبيّناً: “ومن هنا تأتي ندرة الإصغاء التي تحدثت عنها.” موضحاً أن الميزة الأهم في هذه المهرجانات هو الهامش وليس المتن، أي ما ذكر من لقاء وتحاور وتلاقح بعيد عن أطر الجلسات الرسمية المنظمة، لكن كمحصلة نهائية فإن الكفة إيجابية، وليس صحيحاً التخلي عن هذه المهرجانات لهذا السبب أو ذاك.
ملل وهروب
وتأسف الشاعر د. عارف الساعدي على هذه الظاهرة، إذ قال: “للأسف الآن في العراق تتحول المهرجانات من لقاءات ثقافية فيها الحافز الرئيس للكتابة والتنافس وعرض البضاعة الشعرية إلى لقاءات اجتماعية أكثر منها ثقافية”، مشيراً إلى أن العدد الكبير من القراءات في الجلسة الواحدة عامل باعث على الملل والهروب من القاعات، وتكون النتيجة أن الشاعر يقرأ ما معدله دقيقتين ولا يستفيد من الحضور أبداً، وأن الجمهور لن يسمع شيئاً ذا بال.
إحراج المنظمين
الشاعرة غرام الربيعي أوضحت في معرض إجابتها أن هذا الكلام صحيح لأسباب عدة، منها محاولة مشاركة جميع المدعوين، الذين يصرون على المشاركة، إصرار يصل حد إحراج المنظمين للمهرجان، ما يدفع البعض للطلب من المشارك أن يختصر النصّ! “ولا أدري كيف يتم اختصار نصّ وإفقاده قيمته!” مضيفةً أن ترتيب الأسماء وتسلسلها في المهرجانات بات يخضع للعلاقات والتفضيلات التي تنم عن فوضى القيم والاعتبارات. موضحةَ: أن البعض يطالب الآخرين بالإصغاء لشعره، بينما يغادر هو فور إنهاء قراءة قصيدته، وأن هذه الأمور وغيرها جعلت الإصغاء للقراءات صعباً.
أما الشاعر رياض الغريب فقال: “إن القائمين على المهرجان بسبب حضور عدد كبير من الشعراء، يبدأون بحشر الشعراء حشراً، والنتيجة تكون فشل الجلسات بسبب تململ الحضور من عدد القراءات ونوعها، وعندها يغيب التأثير وتضيع النصوص.”