طروحات نصر حامد أبو زيد كيف يراها الآخرون فكرياً؟
خضير الزيدي /
منذ أن قدم أطروحته العلمية في الماجستير (دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة)، التي طبعت فيما بعد تحت مسمى (الاتجاه العقلي في التفسير)، تحت إشراف عبد العزيز الأهواني، وأطروحته المثيرة للجدل في نيل الدكتوراه (فلسفة التأويل.. دراسة في تأويل القرآن عند ابن عربي)، منذ ذلك ونصر حامد أبو زيد محل اهتمام وإثارة في الجدل الفكري. حتى أن طروحاته أخذت به بعيداً عن مصر، كشخص منفي من جهة، ومرتد من جهة ثانية.
بالإضافة الى طرده من جامعة القاهرة ولجوئه واستقراره في أوروبا (هولندا تحديداً). ومن هناك أعاد نشاطيه الأكاديمي والمعرفي، ليبين فيما بعد كم كان متأثراً بآراء مفكرين اهتموا بالفلسفة والعلوم والآداب والدراسات الإسلامية أمثال حسن حنفي والعقاد وطه حسين وسلامة موسى والشيخ أمين الخولي.
وبما أن له اهتماماً متزايداً في الحقول الأدبية والعلوم الاجتماعية، فقد بات من الطبيعي أن يتأثر بطروحات ميخائيل باختين، وهرمنيوطيقا غادامير، ومدرسة كونستانس الألمانية، وبول ريكور، وميشال فوكو، والعالم اللغوي جاكوبسون. وقبل ذلك كان له اهتمام في الشأن السياسي منذ أن تفتحت عيناه على جماعة الإخوان المسلمين، فأصبح سيد قطب ومحمد عبده وخالد محمد خالد من بين الأسماء التي تستهويه بمشاريعهم الفكرية.
كل ذلك قاده فيما بعد ليقدم للقارئ أكثر من بحث وكتاب، متناولاً مفاهيم الأنطولوجيا والأنثروبولوجيا والأبستمولوجيا، وتبلورت لديه عند ذلك أرضية معرفية واتجاه (ظاهراتي) ليتحقق في بحوثه نحو الوجود والماهية، وانعكست جذور بحثه ليتأمل طروحات المتصوفة ويركز على مفهوم النص ويقرأ ويعيد الآراء (العرفانية) لابن عربي. أما في الأنثروبولوجيا، فمازال قوله يتردد في مسامع الآخرين حينما يرى أن الإنسان، في التصور الإسلامي الغالب، كائن مكلِّف، وهو مسؤول بوصفه خليفة الله. ويشير في أكثر من موضع إلى أن القرآن الكريم يلعب دوراً مميزاً في مجال التعرف على الإنسان.
السيرة الذاتية والتوجه العام
في العاشر من يوليو / تموز من سنة 1943 ولد المفكر نصر حامد أبو زيد في طنطا. درس وحفظ القرآن الكريم وهو في الخامسة عشرة من عمره. وبعد خمس سنوات أصبح إماماً للجماعة في المسجد، ما يعني أن له شأناً ومكانة بين أقرانه من طلاب العلوم الدينية في تلك المرحلة. تدرج علمياً وحصل على الماجستير والدكتوراه وألّف العديد من الكتب التي تبحث في مفهوم (النص) وعلوم القرآن، وله أكثر من كتاب في ما يخص المرأة: (المرأة في خطاب الأمة) و (دوائر الخوف.. قراءة في خطاب المرأة). وقد أشكل في هذين الكتابين حول الرؤية الإسلامية للمرأة وإثبات مبدأ المساواة بينها وبين الرجل.
بدت منهجيته (الهرمنيوطيقية) -لمن قرأ كتبه- بأنه اعتمدها في ضوء التراث الإسلامي والأدب الحديث، وبقيت مقولته الشهيرة معلنة للقارئ عن توجهه: (القرآن من الناحية الدينية لا يميز بين الذكر والأنثى، فهما متكافئان). ومن هذا المنطلق يختلف الغالبية من دارسي العلوم الدينية معه من خلال منهجه المتبع وأسلوبه، ولهذا كتب أكثر من باحث إسلامي أن نصر حامد أبو زيد بدت مشكلته مع النص الديني تكمن في غفلته عن الرؤية التاريخية، ما يعني أنه لابد من إعادة فهم علم الناسخ والمنسوخ وماهية اللغة في النص والحقائق الاجتماعية التي وردت في القرآن الكريم.
تعدد القراءات
في الكتاب الصادر مؤخراً عن المركز الإسلامي للدراسات الستراتيجية والموسوم بـ (نصر حامد أبو زيد.. دراسة النظريات ونقدها) لمجموعة من المؤلفين، يتناولون في متن الكتاب عمق التجربة الفكرية عند هذا المفكر، سواء ما اختص منها بالاختلاف مع توجهاته، او ما يميزها من طروحات قيّمة تركت أثرها في نفسية القارئ لمصادر هذا المفكر المصري، فمنهم من يناقش المنهجية التأسيسية الفكرية مثلما طرحها مسلم ظاهري، ومنهم من يعالج الموضوعية والأصالة التاريخية في فهم القرآن الكريم عند نصر حامد، وهذا ما قدمه الشيخ محمد جعفر من تصور يمتلك وعياً نقدياً فيما يخص هذا المبحث. أما تأويل النص القرآني فكان من اختصاص محمد رضا حاجي وعلي الأصفهاني.
هناك أيضاً بعض المباحث النقدية والطروحات التنظيرية التي تدرس تجربة هذا المفكر في مساحة من الاختلاف، وتبقى لكل ناقد ومنظر وداعية إسلامية رؤيته التي يتمسك بها.
لقد رحل نصر حامد أبو زيد وترك خلفه مؤلفات قيّمة تعد اليوم مراجع مهمة للدارس في العلوم الدينية، كما أن هناك الكثير ممن يختلفون مع تعدد قراءاته وتوجهاته العامة لما فيها من طروحات يعدها الآخرون غريبة على فهم المسلمين، لكن الأمر المهم عند أهل المعرفة هو أن الاختلاف في جوانب كثيرة يضيء لنا معرفة الآخر وكيف يقرأ النص ويتعامل مع الخطاب، وهذا ما عمد إليه أبو زيد في عشرات المباحث من مؤلفاته القيّمة.