فليحة حسن البحث عن الفرادة في الكتابة مشروعي الدائم

658

 خضير الزيدي/

تفتح لنا مكاشفات الشعر وحقيقته مع الشاعرة العراقية فليحة حسن المقيمة في أمريكا الكثير من الهواجس الذاتية والموضعية، وبالتأكيد لا تخلو تلك المكاشفة عن أهمية الشعر وحقول المعرفة الإنسانية ومؤثرات المكان والحنين إلى مدينتها النجف الأشرف، هذه الشاعرة تميزت في التسعينات من القرن المنصرم بصوت جديد جعلها محط أنظار الشعراء والنقاد، لتشق لها طريقا وفر لها أن تنجز مجاميع شعرية وقصصية وروائية جميعها تحاكي اليومي والمتغير في تفاصيل الإنسان العراقي.

عن أفكارها وتطوير البنى الشعرية وتمسكها بالنص الشعري كان لنا معها هذا الحوار.

*اسمحي لي أن أبدأ الحوار معك حيال أهمية الشعر في ظل ظروف قاهرة وصعبة يعيشها العالم والمنطقة العربية… هل يمكن أن يترك أثرا فاعلا في الإنسان؟

-منذ عصور مضت فقد الشعر دوره المؤثر في حياة الشعوب ولم يعد الشاعر لسان حال قبيلته أو عشيرته التي ينتمي لها، ولم ينظر إلى الشاعر الآن على أنه من الماسكين بزمام القضايا الكبيرة أو الفعالة، والشاعر في رأيي وأن أراد التعبير عن قضايا مهمة كالقضايا الوطنية مثلاً، فلابد له أن ينظر إليها من ناحية ذاتية، لأن العالم بعامة والوطن العربي بخاصة يعيش حالة من التحولات المخيفة والسريعة في الوقت نفسه والشاعر يقع عليه أثر هذه التحولات كونه جزءا من هذا المجتمع، فإذا ما أراد أن يكتب عما يدور الآن لابد أن يكتب تجربته هو مع ما يحدث وأثر ذلك عليه كونه رائياً ومشيراً وشاهداً على ما حدث. لكننا إذا ما نظرنا للشعر من ناحية أخرى فإننا سنجده متنفساً صحياً ولولاه لأصبحت السماء قاتمة ولأختنق الهواء بزفرات المتنهدين وآهاتهم.

التجريب من سمات قصائدي

*اصدرت أكثر من مجموعة شعرية تبدو فيها الأسلوبية ذات إطار أنثوي خاص. أود التساؤل هنا ما الذي يميز صوتك الشعري بالقياس إلى قريناتك من الشاعرات وأقصد من حيث التجديد في الشعر؟

-ليس من السهولة أتحدث عما يميز كتاباتي عن الأخريات لأنني يتوجب عليَّ حينها أن أستعير عين الناقد لأدلو بدلوي في هذا الأمر وعكس ذلك يكون الأمر مجرد سفسطة كلامية، لكنني أستطيع أن أقول أن بحثي عن الفرادة في الكتابة بحث مستمر ومحاولة الإتيان بقصيدة لم يكتبها أحد من قبل هو مشروعي الدائم والفرادة الشعرية بشكل عام هو مطمح وغاية في الوقت نفسه، ولو نظرتَ مثلاً لحديث الأستاذ الناقد ياسين النصير الذي كتبه في مقال عن مجموعتي “زيارة لمتحف الظل” والذي جاء فيه: أن الشاعرة فليحة حسن تمزج بين أفلاطون في رؤياه المثالية والمثيولوجيا الإسلامية في رؤياها الدينية، وهذه نقلة جديدة في استثمار المثيولوجيا في الشعر، عندما لا تقدم الشاعرة المثيولوجيا كحدث مستقل- الحركة الأولى للحداثة-،وعندما لا تستثمرها كدالة على وضع- الحركة الثانية للحداثة- بل تجعل منها صورا جديدة، مستلة من أحداث واقعنا وما جرى لنا في الحروب) سترى بأن محاولة التجريب سمة من سمات قصائدي والبحث عن النص المغاير هو ديدني في البحث.

لم أكتب عن المحيط الأطلسي

لأني لم أعرفه

*هل ساعدك المنفى في كتابة نص مليء بطابع احتفائي يدعو للعودة والتمسك بالمكان والبيئة العراقية؟

-غالبية قصائدي تقع ضمن ما يسمى بالقصيدة اليومية، والقصيدة اليومية -كما تعرف- ترتكز على مفردات يومية يدخل الزمان والمكان من ضمنها، فلو بحثت في قصائدي الآن لوجدتها تملك مفردات جديدة مستلة من واقعي المعايش وأيضا لوجدت بأن هناك مفردات اختفت تماماً أو كادت تختفي من قاموسي الشعري لعدم وجودها في حياتي، ففي النجف مثلاً لم أكتب عن المحيط الأطلسي وأسراره لأنني لم أكن أعرفه من قبل، ولم ترد في نصوصي كلمة سنجاب أو غزالة لأنها بعيدة عن بيئتي لكنني اليوم أكتب عنها بسهولة لأنها من مكونات البيئة التي أعيش، لكن الحنين يجعل الشاعر يكتب عن البيئة التي أتى منها بصورة تبدو علامات مدنه فيها شاخصة للعيان وبقوة، وهذا ما حدث لي حين كتبتُ مجموعتي الشعرية التي صدرت عن دار جان في ألمانيا والموسومة ( لو لم يكتشف كولومبس أمريكا) المجموعة التي أغلقت بها أذني عما دار ويدور حولي وكتبتها حنيناً للعراق فجاءت بها مفردات عراقية بحته من مثل (الغميضة، الهيل، الكعك، البخور) وغيرها من المفردات التي استعارها الحنين وأستلها من عراقيتي والتي لا تصلح للبيئة التي أعيشها الآن.

البحث عن نص مغاير هو ديدني

*هذا يقودني لتساؤل آخر إلى أي مدى يمكن أن يكون الشعر تاريخا لإنسانيتك وانكساراتها أو أحلامك؟

-قصائدي هي مرآتي الناصعة الدالة عليَّ وبمصداقية، ومن حاول أن يعرف فليحة حسن فليقرأها قصيدة، فأنا لا أتقن التعبير عن ذاتي بعيداً عن قصيدتي.

*أريد أن أسالك لماذا لجأت للنص القصصي والروائي هل هو هروب من الشعر أم فسحة التعبير والسرد في النص الروائي تمكنك من طرح آرائك وتصوراتك التي لا يحملها النص الشعري؟

-الفرق بين القصيدة والرواية كالفرق بين الكلمة والجملة، وأنت لا تستطيع أن توقف حياتك على الإيجاز وحده مادمت قادراً على الإسهاب بعناية وبلا ترهل، وأنا حين كتبت الرواية ليس محاولة مني للهرب من الشعر واللوذ بسقف السرد لكنني أحسست بأن أمراً آخر يعتمل في ذاتي له مساحة في البوح أوسع من القصيدة، فولدت روايتي الأولى (نمش ماي) التي صدرت في سوريا عن دار الينابيع، وتلتها روايتي الثانية (بعيداً عن العنكبوت حارستي حمامة وأكره مدينتي ) التي صدرتْ عن دار آراس في كردستان العراق. وهكذا أمضي حيث التجديد في حقول المعرفة الإنسانية.