في ظلّ التغييرات المتلاحقة هل مازال المجتمع العراقي يقرأ ؟

595

 عدي فلاح الهاجري – تصوير: صباح الربيعي/

انتشار ورش ومنتديات القراءة في مختلف المدن العراقية في السنتين الأخيرتين، وافتتاح الشوارع الثقافية في البصرة والناصرية والحلة بعد المتنبي في بغداد، جاءت هذه الخطوات لتعيد بعض الأمل في إمكانية صناعة جيل عراقي ملتحف بالمعرفة والإرث الثقافي والحضاري. فعلى مدى العقود الأخيرة تراجعت نسب القراءة في المجتمع العراقي بشكل مخيف، لأسباب متعددة.

مجلة “الشبكة” تابعت في استطلاعها هذا وضع القارئ العراقي، وهل مازال يقرأ؟ لتخرج بالحصيلة التالية:

أزمة قارئ

الإعلامي سلام الفياض يؤكد عدم وجود أزمة كتب، بل أن الأزمة تتمحور في القارئ، ويقول أن السبب يعود في ذلك، الى تدني الواقع الثقافي والعلمي لعدم الاهتمام به، ولأن السياسة في العراق اخذت مآخذها في المجتمع المحلي، الذي انشغل بهذا الجانب وبمعاناته اليومية.
ويتابع: “المفروض من القارئ أن يركز على قراءة الكتب الثقافية والأدبية لأنها اللبنة التي ستسهم في رفع المستوى الثقافي.”
أزمة القارئ التي توقف عندها الفياض، تشكل علامة سلبية بالرغم من كثرة المهرجانات والمناسبات التي تحتفي بالكتاب، وزخم واتساع سوق الكتب العربية، إلا أن معدلات القراءة لا تزال في انحدار، إذ تشير دراسات أن الدول العربية تقف وراء 1.1% من معدّل الإنتاج العالمي للكتب، في حين يسجل تقرير مؤسسة الفكر العربي أن ما يقرأه الطفل العربي لا يزيد عن سبع دقائق سنوياً، في حين أن متوسط قراءة الطفل الأميركي بحدود ست دقائق يومياً، أما الفرد العربي فيقرأ بحدود ربع صفحة سنوياً مقابل صرف 200 ساعة سنوياً من قبل الفرد الأوروبي، وسجلت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “الألسكو” أن العالم العربي يصدر كتابين مقابل كل 100 كتاب تصدر في أوروبا، وكان تقرير التنمية الثقافية لليونسكو في العام 2003 قد أكد أن كل 80 مواطناً عربياً يقرأون كتاباً واحداً، بينما كان المواطن الأوروبي يقرأ 35 كتاباً في السنة.

القراءة.. رئة ثالثة

القاص باسم الشريف أوضح أنه يعد فعل القراءة بمثابة رئة ثالثة، يستطيع الإنسان من خلالها استنشاق رؤى العالم، الذي خيمت عليه الكوارث والحروب والأوبئة. منوهاً الى أنه لا يستطيع أن يتصور العالم بدون قراءة.

ويتابع: “كل قارئ يبحث عن ضالته، فثمة أسئلة كبيرة نسعى جاهدين للبحث عن أجوبة لها، بعضهم يجد هذه الأجوبة في مجال الدين واللاهوت وبعضهم الآخر يجدها في الفلسفة، هناك العديد من المجالات المعرفية، فالكل يقرأ ما يتناغم مع منظومة وعيه ويدور حول المجرّات التي تؤثر فيه.”

مشدداً على ضرورة إرساء دعائم مكتبات جادة ورصينة من شأنها أن ترتقي بواقع المواطن الثقافي والمعرفي.

القراءة ولقمة العيش

في حين أوضح الشاعر والفنان هاشم تايه أن فعل القراءة في تراجع، ويرى أن أسباب ذلك كثيرة تبدأ من واقع الأمّية، التي ما تزال متفشية في أوساط المجتمع، وتنتهي بالأزمات، التي تعصف بالمجتع العربي عموماً، الذي يتسم ببنية متخلفة راكدة من طبيتعها الرضا والقبول بالأمر الواقع والاستسلام، وفي وضع يكافح فيه المواطن العربي من أجل العيش وينفق ساعات يومه كلها من أجل لقمة تبقي على حياته، فكيف يمكن الحديث عن فرصة ومزاج للقراءة.

ويتابع: “تضاف لذلك طبيعة مناهجنا التعليمية وأساليبنا التقليدية في التربية وطبيعة ثقافتنا التي لا تؤسس فينا الرغبة في الاطلاع والقراءة وتجديد المعرفة، ويبدو أن وجهة القراءة، عموماً، تتصل بالأفكار والنظريات والرؤى التي تؤسس لتصورات جديدة لها تأثير في جوانب الحياة المتعددة، ولحظة القراءة تنطلق من لحظة الوعي بضرورتها وجدواها، كما أن وعي القارئ، يحدد نوعية ما يقرأ.”

جوع معرفي

في مقابل ذلك تقول التربوية وفاء حاتم، 35 عاماً في قطاع التربية والتعليم، إن المجتمع العراقي مازال يقرأ، بل ازدادت شهيته للقراءة بعد التغيير السياسي في 2003، بعد يأس وجوع معرفي في سنين التسعينات، مؤكدة وجود شعور متنام في عقل كل مثقف، فالثقافة متسارعة الخطى ويجب أن نلحق بها، وإلا لفظتنا الثقافة وأخرجتنا من طور الحضارة. أما أكثر الكتب تداولاً في العصر الحديث فهي تلك التي تتناول العولمة الاقتصادية والثقافية واحتواء الحضارات، والتركيز على دراسة شخصية الإنسان العربي، والعراقي، وكذلك كتب النقد الأدبي والأدب الروائي، وازدياد ملحوظ بقراءة الصحافة الإلكترونية التي لها تماسّ مباشر بالواقع المعاصر.

وتدعو حاتم زملاءها في قطاع التربية والتعليم في مختلف مستويات التعليم بترغيب طلبتهم بالقراءة وتعزيز حب الكتاب والاطلاع، لأن الطالب في المراحل الأولى للدراسة، خصوصاً بين الخامس الابتدائي والثالث المتوسط، كثيراً ما يتأثر بأفكار وتوجيهات المربي الرئيسي وهو المعلم.

التقنيات رفعت النسب

الختام كان مع القاص مصطفى حميد الذي يرى أن المجتمع العراقي برغم النكبات والحروب والجوع، إلا أنه مازال متواصلاً في الاطلاع على كل مفاصل الثقافة من خلال اقتنائه الكتب التي كانت تفتقر إليها المكتبات في عهد النظام البائد، ولأن العراق أصبح منفتحاً وساحة للثقافات المختلفة بكل ما هو جديد، فقد زادت ثقافة الفرد عمقاً وتجربة، والقراءة هي الزاد المعرفي لكي تتسع رقعة الثقافة وتتجدد. موضحاً أن انتشار وسائل الاتصال الاجتماعي أسهم في تنمية معدلات القراءة بين الشباب الذي بدأ يقرأ ولكنه يحتاج لمن يقوده بشكل صحيح في عالم الثقافة والمعرفة.