في كتابه”الخشية من إرتكاب الإثم”نصيف الناصري:كونوا شجعانا لمرة واحدة واعتذروا!

679

عبد الرحمن الماجدي/

في كتابه الجديد “الخشية من ارتكاب الإثم”.. الجزء الثاني من سيرته، الصادر حديثا عن دار مخطوطات في لاهاي، يعيد الشاعر العراقي نصيف الناصري نشر اعتذاره للشعب العراقي، خصوصاً ضحايا النظام الدكتاتوري وضحايا المقابر الجماعية وللشعراء العراقيين،
عن تلك القصيدة “السخيفة” كما يسميها التي قال إنه أُجبرَ على كتابتها في عيد الميلاد المزعوم للطاغية صدام حسين في 28 / 4 / 1992 حيث اشترك مُجبراً في مهرجان ” الميلاد العظيم ” الذي أقامه “منتدى الأدباء الشباب” الذي كان يرأسه الشاعر عدنان الصائغ وبرعاية وزارة الثقافة والاعلام.
كنت مجبراً
ويوضح الناصري في نص اعتذاره، ظروف كتابته تلك القصيدة مُجبراً ومضطراً من قبل جلاوزة النظام السابق وهم “شعراء يعملون في منتدى الأدباء وفي وزارة الثقافة والاعلام ولهم حظوة عند الابن الأكبر للطاغية”.
شجاعة اعتذار الشاعر نصيف الناصري، الذي كان نشره، أول مرة، عام 2013 وقد سبقه إليه بسنواتٍ القاص عبد الستار ناصر، يندر العثور عليها في الوسط الثقافي العراقي والعربي أيضاً حيث المكابرة على الخطأ وتبريره هي السائدة.
ويعيد تكرار نشر الاعتذار التذكير بعدد كبير من الأدباء العراقيين في الداخل والخارج ممن عمل وأثرى وتقلد مناصب سابقاً واليوم من دون أن يمتلك أحدهم الجرأة على الاعتذار عما ارتكب من مدائح وأعمال في ماكينة نظام صدام التعبوية، خاصة إبان الثمانينات والتسعينات وبعض هؤلاء يدلي قدميه في القبر منتظراً زيارة عزرائيل له، كأن تأخر هذه الزيارة مهلة أخيرة لاعترافه واعتذاره.
منظومة الأخلاق
هل يعوّل هؤلاء على الكم الهائل من الكوارث التي فتكت ولما تزل بالشعب العراقي لينسى ماضيهم المخزي الذي زيّن للدكتاتور أفعاله من خلال كتبهم الشاهدة عليهم ومقالاتهم ومناصبهم في صحف ومجلات النظام في الداخل مثل الثورة والجهورية والقادسية وحرّاس الوطن والبعث الرياضي والمنتدى الثقافي وفي الخارج في مجلتي الدستور وشؤون عربية اللتان كان يشرف عليهما جهاز المخابرات العراقي – محطة لندن، ومعهما المركز الثقافي العراقي الذي تسابق على العمل فيه، أواسط الثمانينات حتى بداية التسعينات، شعراء وتشكيليون (كبار) عمراً وتجربة ينعمون اليوم بما كان يدرّه عليهم سباقهم الآنف لإرضاء ضباط المخابرات ورئيس المركز الثقافي العراقي وقتئذ غير مجبرين لم يحركهم سوى الطمع وانهيار منظومة الأخلاق لديهم.
فلو تعذّر من عاش داخل العراق بالخوف من سلطة النظام القاتلة، فما عذركم أنتم يا من عشتم ومازلتم- بعضكم مات مغموماً- في حريّة المنفى؟
فيا أيها الأدباء، الكبار، عمراً وتجربة، تحلّوا بشجاعة الشاعر نصيف الناصري والقاص عبد الستار ناصر واسبقوا زيارة ملاك الموت لكم واعتذروا عن خطاياكم الآنفة.
الرقص على الجماجم
بعضكم، قبل أن يتزوج خادمته ويهرب من لندن، بعد انكشاف تعاونه مع مخابرات صدام، الى أرخبيل جنوب شرقي آسيا، كان يرقص في جبهات القتال مع إيران في زياراته المربدية أمام أنظار وزير إعلام صدام، على مقربة من جثث شباب بينهم أدباء، وبعضكم كان يتفنن في مدائحه المخجلة في آلة النظام التعبوية قبل أن يحوّل نفسه مترجما وشاعراً كبيراً يمدّ حبال وصل نحيلة مع جمعيات ومؤسسات تمهيداً للاحتفاء بوفاته التي تقترب مع زوجته الأديبة الموظفة السابقة في المركز الثقافي العراقي، الرسام مفتول الشاربين المتنقل بين لندن ودبي الذي ظل مفضلا كخير مصمم وملوّن لكل إصدار جديد يموله النظام الدكتاتوري، من بات يسمى سفير الرواية العراقية (كذا) يحتفى به مع ذيوله السابقين واللاحقين في بغداد والمحافظات اليوم، وعمله السابق كان يتلخص بمتابعة اصدارات أحزاب وحركات المعارضة العراقية في الخارج وارسالها الى بغداد من مقره في أحدى دول المغرب العربي. مثل هؤلاء الكثير من الملوثين المنومين ضمائرهم حتى الساعة داخل العراق وخارجه. قد تجد، كل تلك الأفعال من يغفرها لكم لو كنتم شجعانا مرة واحدة في حياتكم واعتذرتم.
التكفير عن الخطأ
إن كنتم تخشون على شهرة إبداعكم فلتطمئن قلوبكم؛ فلكم في التأريخ تجربة الشاعر عزرا باوند (1885-1972) الذي وجد في “الدولة الفاشية التي أسسها موسوليني في إيطاليا تجسداً للدولة المدنية التي حلم بها كونفوشيوس” وتحمل من أجل دعمه لموسوليني عقوبة السجن عشر سنوات في مستشفى المجانين رضي بها تكفيراً عن خطيئته التي لم تؤثر في منجزه الابداعي الذي لما يزل مدار نقاش ودراسة بين النقاد والباحثين.
هل يبادر أحدكم للاعتذار ضامناً عدم تعرضه لما تعرض له باوند، بل سينال رضا واستحسان وتفهم العراقيين، ويدوّن صفحة بيضاء قد تنير ما أدلهم في تأريخه الشخصي والأدبي؟
هل تفعلونها؟
أشكّ في ذلك كثيراً.