كُتبيون وناشرون في (المتنبي): عودة الحياة للشارع مرهونة بوعي روَّاده

589

#خليك_بالبيت

استطلاع أجراه: علي السومري – تصوير: صباح الامارة /

لم تُشلّ الحركة في شارع المتنبي، الذي يُعدّ أشهر شارع لبيع الكتب في العراق والعالم العربي، كما حدث خلال الأشهر الماضية بسبب فرض حظر التجوال بعد تفشي جائحة كورونا في البلاد والعالم أجمع، ما أنتج ركوداً كبيراً في حركة جميع الأسواق ومن ضمنها سوق الكتب، اليوم عادت الحياة تدريجياً إلى الشارع وعاد إليه رواده، بعد تخفيف إجراءات الحظر.
مجلة الشبكة ومن أجل تسليط الضوء على شارع المتنبي واستعادة جمهوره، استطلعت عدداً من أصحاب دور النشر والمكتبات لمعرفة نبض هذا السوق المعرفي والثقافي الكبير وإيقاع الحياة فيه، وكيفية تنشيطه من جديد، ومدى التزام زواره بتوصيات لجنة الصحة والسلامة الوطنية؟
حركة بطيئة
يقول الكُتبي ناجي عبد الزهرة، مدير مكتبة ومنشورات نابو: “حالياً وضع شارع المتنبي في ركود كبير، بالرغم من فتح حظر التجوال يوم الجمعة، وهناك أسباب عدة، إضافة لانتشار وباء كورونا، منها ارتفاع درجات الحرارة، والأوضاع السياسية والظروف الصعبة التي يشهدها العراق اليوم”، مضيفاً بأن حركة السوق بطيئة جداً، وأنهم كباعة كتب اعتمدوا خلال الفترة الماضية لتسويق كتبهم عبر خدمة التوصيل واستثمار مواقع التواصل الاجتماعي لهذا الغرض، بعد شعورهم بتثاقل رواد الشارع والقراء من الحضور إليه.
توصيل منزلي
أما الكُتبي كريم طه مدير مكتبة ومنشورات المتوسط في بغداد، فيعزو سبب عزوف جمهور شارع المتنبي عن الحضور يوم الجمعة بعد فتح حظر التجوال، لارتفاع درجات الحرارة وتفشي فايروس كورونا، واعتمادهم على خدمات التوصيل المنزلي، إضافة لتزامن افتتاح الشارع مع بداية شهر محرم، وهو الشهر الذي يشهد فيه الشارع بحسب قوله، كساداً في كل عام، مضيفاً: “ومع ذلك يبقى هناك الرواد الذين يفضّلون البحث عن الكتب في المكتبات بأنفسهم، بعيداً عن إعلانات السوشيال ميديا”.
كلام طه تطابق مع إجابة الكُتبي علي الطوكي، مدير مكتبة ومنشورات درابين الكتب عن هذا السؤال.
انتشار الخوف
ويرى الكُتبي حسين مانع، الأمين العام لاتحاد الناشرين العراقيين، ومدير دار قناديل للنشر والتوزيع، بشأن عدم عودة الشارع لسابق عهده، أمراً طبيعياً في ظل هذه الظروف، كانتشار فايروس كورونا وخوف الناس من الاختلاط ، وعدم توصل العالم إلى لقاح أو علاج للوباء، وبالتالي بحسب قوله فإننا بحاجة إلى وقت آخر، لا نستطيع تحديده حتى يستعيد المتنبي عافيته، وأن الأيام الماضية التي أعقبت قرار رفع حظر التجوال، لا نستطيع أن نجعلها مقياسا لمعرفة عودة الحياة إلى المتنبي من عدمها.
ازدهار المبيعات!
في حين اختلف رأي الكُتبي أكرم القيسي، صاحب مكتبة أكرم للفنون عن باقي زملاء المهنة في شارع المتنبي، إذ قال: “شارع المتنبي بعد إلغاء الحظر أصبح أكثر حيوية وحركة، وأكثر بيعا للكتب فيه بالرغم من شدة الحر، وأن إقبال الناس والجمهور لافت جداً”، متوقعاً ازدهاراً في المبيعات فيه بعد تحسن الطقس وانخفاض درجات الحرارة.
رواتب متأخرة
وعن كيفية استعادة جمهور الشارع وتنشيط حركة السوق بعد ركوده الطويل، تحدث ناجي عبد الزهرة، مقدماً جملة من المقترحات، إذ قال: “أرى أن استتباب الظروف السياسية والأمنية المسيطرة على الفضاء العام، وفك التشنج والتوتر والقلق الحاصل، هو الخطوة الأولى والأهم لتنشيط شارع المتنبي، وإعادته لسابق أيامه الجميلة”، مبيـّناً بأن تحسن الوضع الاقتصادي في البلاد واستقراره، هو دعامة أساسية ومهمة في إعادة هذا النشاط، موضحاً أن القلق من الأزمة الاقتصادية، وتأخر الرواتب وتوقف بعض الأعمال بسبب الظروف التي حصلت، جعل الناس تتجه للادخار وعدم صرف مواردها على سلع قد تعدّ كمالية برأيهم، أو غير ذات أهمية بالنسبة لمعيشتهم.
توفير الكتب
في حين يرى كريم طه بأن إعادة تنشيط الشارع، يقع على عاتقهم كباعة كتب أكثر من غيرهم، لا سيما بعد أن نفضوا أيديهم من حلول الحكومة العراقية عموماً وبالأخص من وزارة الثقافة، مضيفاً: “علينا نحن أصحاب المكتبات توفير عناوين جديدة تجذب القارئ لكي يزور شارعنا”، متمنياً قيام الجهات الرسمية بإعادة افتتاح مبنى القشلة، والمركز الثقافي البغدادي، اللذين أغلقا منذ فترة طويلة.
مهمة صعبة
أما علي الطوكي فوصف مهمة استعادة جمهور الشارع بالصعبة جدّاً، مشيراً إلى معاناتهم كباعة كتب من تراجع السوق منذ صيف العام الماضي حتى اللحظة، موضحاً أنَّ استعادة هذا السوق يعتمد بالدرجة الأساس على الوضع الاقتصادي في البلد بشكل عام، لاسيما أنّ الكثير من الأسواق والمهن تعاني بحسب رأيه من ركود اقتصادي كبير؛ ربما سيهدّد الكثير من أصحاب المحلات والمهن في المستقبل القريب.
تعفيرٌ مستمر
“عودة شارع المتنبي إلى سابق عهده أمرٌ يرتبط بالوضع الصحي للبلد” يقول حسين مانع، مضيفاً أنَّ هناك أموراً عدة يمكن العمل عليها من أجل عودة الحياة إلى الشارع، منها التزام أصحاب المكتبات وروَّاد الشارع بالإجراءات الصحية كارتداء الكمامات والقفازات، فضلا عن قيام الجهات المسؤولة بعمليات تعفير مستمرة للمكان. مشيراً إلى أنّ هناك جانباً مهماً يمكن أن يساعد في عودة الحياة إلى (المتنبي)، وهو اهتمام أصحاب دور النشر والمكتبات بالإعلانات المفصّلة عن كتبهم ونشرها في وسائل التواصل الاجتماعي، كأنَّ ينشر صاحب المكتبة فهرس الكتاب أو موجزاً عنه، حتى يكون لدى القارئ فكرة كاملة عن الكتاب، وبالتالي سيقتنيه عند زيارته للشارع، ويرى (مانع) بهذه الطريقة محاولة للخلاص من التجمعات في المكتبات التي يسبّبها تصفّح القرّاء للكتب التي يرومون اقتناءها.
القشلة والمركز البغدادي
أما أكرم القيسي فتحدّث عن أهمية إعادة افتتاح مبنى القشلة والمركز البغدادي لزوّار الشارع، واقامة المحاضرات والأماسي الثقافية التي لا غنى عنها للوسط الثقافي، مطالباً بإنشاء مسقّف لشارع المتنبي على غرار مسقّف سوق السراي، ليقي روّاده درجات الحرارة صيفاً والأمطار شتاءً، فضلاً عن الاهتمام من قبل المؤسَّسات ذات العلاقة بنظافة المكان وإدامة غسله مراراً وتكراراً، وعدم السماح لعربات الأكل والشرب والدراجات النارية بكل أصنافها بدخول الشارع، بسبب مضايقتهم للسابلة فيه.
التزامٌ جاد
وفي سؤالنا عن شعور ضيوفنا من باعة الكتب، المستطلعين هنا، بوجود التزام بالإجراءات الصحية من قبل روَّاد الشارع وباعة الكتب خشية انتشار فايروس كورونا، قال الكُتبي ناجي عبد الزهرة: “نعم هناك التزام واضح من قبل أصحاب المكتبات وروَّاد (المتنبي) بمنشورات تدعو للوقاية الصحية، منها لبس (الكفوف والكمامات) والحفاظ على التباعد الاجتماعي”، مشيراً إلى ملاحظته في الآونة الأخيرة أنَّ البعض منهم سواء في الشارع أو أمكنة أخرى، أصبح لا يعير أهمية للالتزام بهذه التوصيات، معللاً ذلك بسبب الكسل والملل وحرارة الجو وبعض الظروف، متمنياً استمرار الوعي لدى الجميع بشأن مخاطر الفايروس، وضرورة الالتزام الصحي بالتوصيات حتى الخلاص من الوباء نهائياً.
توصيات مُتعبة
ويقول الكُتبي كريم طه بهذا الصدد: “نلاحظ في شارع المتنبي التزاماً أكثر من بقية شوارع وأسواق العاصمة”، مبيـّناً بأن أغلب أصحاب المكتبات التزموا بتطبيق القواعد الصحية حفاظاً على حياتهم وحياة الآخرين.
أما الكُتبي علي الطوكي فأوضح بأنّ الأمر – الالتزام بتوصيات لجنة الصحة – أصبح متعباً جدّاً، ولكنَّه يؤشر بالرغم من ذلك التزام الكثير من باعة الكتب وروَّاد الشارع بإجراءات الوقاية.
أما الكُتبي حسين مانع فيقول: “هناك التزام بالإجراءات الصحية، ولكن ليس لدى الجميع، فهناك ما يقرب من نصف روَّاد الشارع ملتزمون بالإجراءات، والنصف الآخر غير ملتزم”.
وهنا لا بدّ من الإشارة بعد هذا الاستطلاع إلى ضرورة التزام الجميع بتوصيات لجنة الصحة، لأنَّ العدو الذي يواجهنا لا يمكن ترقّب نشاطه وأنَّ الكثير من الدول التي أعلنت تمكّنها من تحييده، عادت لتنتكس من جديد، هو عدو خفي لم نتعرف عليه من قبل، عدو يحاول إيقاف حياتنا ونشاطاتنا، ومن أجل الحفاظ عليهما علينا التحلّي بالصبر والبأس لمواجهته نصرةً للحياة ومستقبل الأجيال المقبلة التي تراهن اليوم على وعينا للبقاء على قيد الحياة.