لماذا يفتقد المبدع العراقي سوقاً لأعماله؟
سلامة الصالحي /
تعد الفنون والآداب الميراث الحقيقي للبشرية، وهي النقطة العليا التي تصل إليها النفس الإنسانية، فتضيء الحياة بإبداع الإنسان، سواء أكان أدباً أم فنوناً بكل مسمياتها، وهي من المتع البريئة التي ترتقي بوعي الإنسان وتطوره. ولأن المنتج الإبداعي الحقيقي يعد قيمة ومعنى للوجود، فإن الحفاظ عليه وتنميته مسؤولية تقع على عاتق الجميع، حكومات وشعوب، لأن الفنون والآداب هي المرايا التي تعكس استقرار الأوطان وإعمام السلام وهدأة الحياة، فالدول التي تحترم الإنسان تحترم منجزه الإبداعي أو المعرفي، وتوفر كل السبل الكفيلة لإنجاحه والإبقاء على شحنة الإبداع تتوهج وترتقي، ولأنه منتج يتعلق بالوعي وثقافة الناس، فلابد من أن يكون هناك مايقابله من تسوية مادية تجعل المبدع في غنى عن العوز أو الحرمان، بل إن من مسؤولية الدولة المباشرة والمؤسسات المعنية رعاية الفنان والحفاظ على كرامته.
كيف يمكن أن نحمي الفنان والأديب من التلاشي والانزواء ومحنة العوز؟
هل برعاية حكومية؟ أم بتنشيط سوق المنتج الإبداعي وتسخير الإعلام الذي يرفع نجومية وقيمة الفنان، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي؟ الخام البشري من فنانين وأدباء ومبدعين موجود، كما النفط والمياه والعمق الحضاري في هذه البلاد، لكنها مهدورة على مدى حقب طويلة وبشكل يثير الاستغراب. فكم من أموال لم تسخر لخدمة الأرض والإنسان جرى تبديدها في شن الحروب، الى المياه التي لا تستغل بشكل متطور، إذ بقيت نظم الري لدينا متخلفة، وأدى هذا الى زحف التصحر واضطراب المناخ.
وقد لانختلف في أن هناك فساداً ولصوصية تفشيا في مؤسسات الدولة، ويشكل الناس جزءاً من هذه المنظومة التي أصبحت حاضنة ومشجعة لها، ليمتد الخراب والهدر وينال أول ماينال ثقافة البلاد وترويج مريع للتفاهة والنماذج المخجلة بمصطلحات جديدة لم يألفها شعب كان واجهة للرصانة والثقافة الراسخة التي تستهجن أي انحراف قد لايكون انحرافا بالمعنى الحقيقي للكلمة أمام مانراه من انحرافات مخجلة جعلت السوشيل ميديا تسهل ظهوره وانتشاره. والغريب أن هؤلاء -أو هن- أصبحوا من الأثرياء الجدد، فيما بقي الفنان او الأديب الحقيقي يعاني الإهمال والتراجع والفقر والعوز والمرض، فلايجد أحياناً كثيرة المال الكافي للعلاج او تجاوز المحنة.
هل هي جهود فردية أم مؤسساتية؟ أم دعم دولة وميزانية تخصص للحفاظ على منجز الفنان وكرامته وانتشاره؟ إذ أن من الممكن الترويج للفنان التشكيلي عبر التنسيق والاهتمام الإعلامي بإقامة معارض ومزادات لبيع اللوحات او الجوائز المجزية، أو أن تسهم الدولة بشرائها والحفاظ عليها. وهكذا بالنسبة للممثل الذي بقي دوره الثقافي يتراجع أمام انتظاره على أبواب الفضائيات للحصول على دور يحترم تاريخه واسمه.
وتطول القائمة لتمتد الى الأديب والشاعر اللذين صارا مهملين أمام المحسوبيات والعلاقات والتركيز والاهتمام بمنجز الراحلين، فيما بقي الأحياء مسحوقين يقتطعون من قوتهم للصرف على طباعة منجزهم. وقد تبدر من هنا وهناك مساهمات خجولة في إسناد الفنان أو الأديب، لكنها تبقى محاولات ضعيفة وعاجزة عن النهوض بالفنان والأديب العراقيين عبر مجلس أعلى للثقافة، وليس وزارة للثقافة تترهل وتذوب ميزانيتها المتدنية في المحاصصات السياسية، إذ لا يوجد تأمين صحي للمبدع ولا رعاية تهتم بمسكنه أو نجوميته، وبقيت جموع الفنانين والأدباء تنتظر عطايا الدولة البسيطة بين سنة وعشر سنين بمنحة مالية لاتتجاوز الستمئة دولار!
ونعود الى التسويق، فليس هناك تسويق للمنجز أو لجان رصينة تراقب المنتج الفني الذي من الممكن تصديره الى خارج البلاد إقليميا أو عالمياً. نحن بحاجة الى فرسان معتمدين للنهوض بواقع وأهمية المبدع العراقي والحفاظ على هذه الثروة التي تهمل بقصد أو بغير قصد، وتخصيص جوائز كبيرة تقدمها الدولة تساعد في إشعال روح الحماس والتنافس بين المبدعين، وبالنتيجة ينعكس هذا على قيمة المنجز وعظمته.