مثقفون عراقيون: لا خوفَ على جَودةِ الشِّعر بوجودِ متلقٍّ حقيقيّ

1٬241

علي السومري /

بالرغم من براعة المثقفين والفنانين العراقيين في شتى مجالات الإبداع المختلفة كالشعر والمسرح والتشكيل والسرد وفنون أخرى، لكننا بلد عُرف عنه أنه وطن الشعر وموئل أولى القصائد. ومن أجل معرفة ما وصل إليه مستوى الشعر في العراق ولأهمية هذا الموضوع ارتأت “مجلة الشبكة” تسليط الضوء عما يُنشر منه اليوم في مواقع التواصل الاجتماعي، والسهولة التي أصبح فيها نشر أية قصيدة لا يتطلب سوى نقرة زر على الحاسبة، وعن دور النشر، التي باتت تُطالب الكاتب بمبالغ نقدية مقابل طباعة كتابه، وتأثير هذين الأمرين على جودة ما ينشر ويطبع من شعر.
سموّ وانحطاط الكتابة
يقول الكاتب والناقد علي سعدون: “الفيس بوك واقع حال فرض نفسه تواصلياً وإعلامياً في حياتنا، ولا يمكن تجاوز أهمية تأثيره بأي حال من الأحوال، ومؤكد أن القضية ستذهب إلى نوع من الاستسهال وعدم الشعور بالمسؤولية بسبب الحرية التي يتيحها هذا الفضاء في إنتاج الكتابة ونشرها.” مضيفاً بأن هذا الأمر انقسم تأثيره، بتقديره الشخصي، إلى نوعين: الأول ذهب باتجاه صنع ذائقة جديدة قد تكون بسيطة وغير مهمة ولا تسعى إلى أن تكون جزءاً من الثقافة والمعرفة، بينما ذهب التأثير الثاني، بحسبه، إلى قدرة عدد محدود من كتّاب هذا الفضاء الواسع والحر إلى إنتاج نصوص تنطلق من موهبة ومشروع شخصي، لا تتوفر له إمكانيات الظهور التقليدية في الصفحات الثقافية المتخصصة، المجلات الدورية وغيرها، مؤكداً بأنه لا توجد خطورة في هذا الأمر على جودة الشعر العراقي، لأن الفرز النقدي وفق حديث (السعدون) موجود ويتابع بحيوية سمو وانحطاط إنتاج الكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي.
قسوة الرقيب الثقافي
أما الشاعر ميثم عبد الجبار فتحدث عن الكتابة التي كانت، حتى وقت قريب، تندرج تحت عنوان النخبة، أولئك الذين قال عنهم بأن أسماءهم لم تتعدَّ أصابع اليد الواحدة، في زمن لم تكن فيه وسائل النشر متاحة للجميع فضلاً عن قسوة الرقيب الثقافي، الذي اعتمد في تصديره للمادة الثقافية على مزاج السلطة الآيديولوجي، الثقافي منه والسياسي، مضيفاً بأننا نرى اليوم ونسمع أسماءً لم نألفها أدهشت الساحة الشعرية بأفكار ورؤى ومواضيع مغايرة وحساسة، وهذا بحسب (عبد الجبار) انسحب على الطباعة الورقية التي انفلتت هي الأخرى من مقص الرقيب، وصار بإمكان الجميع طباعة أفكاره ونصوصه.
تماسٌ مباشر
في حين قالت الشاعرة والمترجمة مريم العطار: “الشاعر المعاصر هو من يخلق نصاَ يتحدث بلغة واقعية وقريبة للمتلقي”، مشيرةَ إلى أن المواقع الإلكترونية اختصرت ذلك وجعلت الشاعر والمتلقي في تماس مباشر مع بعضهما, مضيفةً: “من السهل أن تصبح شاعراً في المواقع الإلكترونية لكن الحفاظ على الاستمرارية والتجديد هو من يخلد الشعر ورسالته السامية في الأذهان.”
حرية التفاعل
أما الشاعر ميثم الحربي فتحدث عن تلاشي الحدود بين الشاعر ومتلقيه في مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن هذا الفعل التشاركي يوفّر حرية التفاعل والاتصال مع الجمهور بشقّيه: العام، والخاص. ومن خلال هذا الفعل تذوب الحدود بين الاجتماعي والآيديولوجي من جهة، وبين الأجيال المالئة لهذا الفضاء من جهة أخرى.
أما عن الجودة والرداءة فيه فقد أوضح (الحربي) بأنها ثنائية معيارية رافقت وستظل ترافق كل عصر أو مرحلة أو جيل أدبي.
تجاربُ جديدة
“أظن أن الشعر العراقي بخير”، بهذه العبارة ابتدأ الشاعر قاسم سعودي حديثه معنا، مضيفاً: “ربما فتحت نوافذ مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الضوء على تجارب شبابية مبدعة، لا بأس بأن يكتب الجميع بدلاً من أن يحمل مسدساً أو يتحول ببساطة إلى قاتل أو يقترف ذنبا وطنياً أو يقذف بنفسه إلى أسنان العزلة والكآبة”، مضيفاً: “نعم هناك الكثير من الوهم في ما يكتب على تلك الصفحات لكن لا بأس ، الزمن ولحظة الحقيقة والإبداع هي المعيار الحقيقي لبزوغ التجارب الجيدة والمشعة من تلك الضعيفة.”
محررٌ ثقافي
وعن مقارنة النشر ما بين زمن الديكتاتورية واليوم، وتقاضي دور النشر الأموال من الشاعر مقابل طباعة نتاجه، وتأثير هذا على جودة ما يطبع، قال الكاتب والناقد علي سعدون: “إن مسألة شيوع طباعة الكتب الشعرية اليوم تجري بسهولة ويسر ولا تتطلب أكثر من توفر السيولة المادية لكلفة الطباعة”، مطالباً بضرورة إيجاد محرر ثقافي متخصص في دور النشر، لكي لا يبقى الموضوع سائباً وفوضوياً إلى درجة ستوصل القارئ الى عدم احترام الكتاب العراقي.”
أما الشاعر ميثم الحربي فأقرّ بوجود فرق واضح ما بين النشر زمن الدكتاتورية والزمن الحاضر، مشيراً إلى تحول السحر والإغراء من فعل النشر الكلاسيكي، إلى سحر النشر البانورامي، السّائل اليومي، وأن للمتابع المندرج في سلك الإعلام الجديد حرية الخَيار أيضا في مسألة التفاعل.
جشع الناشر
في حين قالت المترجمة والشاعرة مريم العطار: “شخصياً أواجه الكثير من التحديات في نشر منجز شعري أو كتاب مترجم في دور نشر عراقية, منطقياً ليس على الكاتب دفع أموال لنشر ما يكتبه إلا اذا كان في بداية مشواره أو ما يكتبه غير قابل للقراءة”، مضيفةً أن ظهور دور النشر في العراق يشبه ظهور مراكز التجميل الكثيرة، فالاثنان، بحسبها، تعاملا مع الإنسان بمنطق البيع والشراء والنتيجة ستكون فقداننا للجمال الطبيعي والمثقف الحقيقي.
أما الشاعر قاسم سعودي فقال: “تبقى هذه العلاقة ملتبسة وخاضعة لجشع الناشر، والذي للأسف دائماً ما يبرر أفعاله بتراجع سوق الشعر وهذا ما يمنحه حصانة كاذبة لتمرير ما يريده من الشاعر”، مشيراً إلى أن هناك جهلاً واضحاً في عملية صناعة الكتاب وما يتطلبه من وعي جمالي وتسويقي معاصر، مضيفاً: “لكن هناك تطوراً ملموساً في إصدارات بعض دور النشر وطرق تعاونها مع الشعراء وهذا شيء يدعو للأمل والتنوير.”