مسرح العرائس.. هل بدأ ينحسر؟
سريعة سليم حديد /
يعتبر فن مسرح عرائس الدمى من الفنون المسرحية المتعلِّقة بعالم الأطفال والفتيان بالدرجة الأولى. فقد أكَّد العديد من الباحثين والمهتمين بالطفل العلاقة الروحية المميَّزة بينه وبين الدمى, خاصة أنه يعتبر الدمية كائناً حيَّاً يشعر بها, وتشعر به، فهو ينجذب إليها بلهفة لأنه يجد نفسه فيها, وهذا ما يبرر حبُّه لها, وهو يراها تصنع أمام عينيه.
هناك من يرى أن أزمة المسرح في العديد من الدول العربية لها علاقة بقلَّة العروض المسرحية الموجهة للطفل بشكل خاص, ففي هذه الحالة يفقد الطفل الدربة على حضور المسرح وبالتالي الرغبة في المشاركة والتفاعل وهذا ما يؤثر عليه عندما يكبر, ما يجعله يبتعد رويداً رويداً عن إدراك مفهوم الدراما واكتشاف سحرها.
غير أن هذا الفن المسرحي الشعبي تعرَّض إلى تراجع كبير وإهمال في السنوات الأخيرة، فبات يقتصر على بعض الهواة والتظاهرات الثقافية فحسب, علماً أن هناك من يحاول من خلال مديريات المسرح النهوض به قدر الإمكان..
من هنا، من عالم عرائس الصغار، وجدنا الحاجة ملحَّة للقيام باستطلاع مختصر يضيء أسباب انحسار هذا الفن ويوضِّح الصعوبات التي تواجهه سواء على صعيد الكتابة أم الإنتاج أو الإخراج, ويلقي الضوء على السبل التي من شأنها أن تساهم في تقدُّم هذا الفن وجعله يعود إلى ألقه من جديد؟
ـ الأستاذ هشام أحمد طلعت مدير مسرح نسائم الفن, ومدير النشاط الثقافي في جمعية الغد العربي في القاهرة.. أبدى رأيه قائلاً:
تواجه عروض مسرح عرائس الدمى مشكلة كبيرة في القصة، فلابد للمؤلِّف من أن يكون على دراية كافية لمعرفة تقنيات العرائس كي يتسنى له تصور كل مشهد حسب فهمه لشكل المسرح العرائسي ويراعي قصص الأطفال التي لها دور كبير في بناء شخصية الطفل و تحسين مستوى اللغة والاهتمام بالقصص الهادفة التي تحث علي القيم المناسبة للمجتمع.
أما الإنتاج فله دور كبير في إثراء الأعمال الفنية التي تقدم للطفل، وعندما نتحدث عن الإنتاج فلا بد من إنتاج عروض مختارة ومدروسة جيداً والإنفاق علي العروض بشكل كبير ومناسب, وتوفير كل الاحتياجات الفنية المطلوبة مع توفير مناخ آمن ومسارح مجهزة لتقديم العروض بشكل جيد.
للأسف تراجع هذا الفن في السنوات الأخيرة لعدم توفر أكاديميات متخصصة في هذا المجال، ولكن هناك بعض الجامعات فيها فروع بسيطة لفن العرائس, كما أن بعض الهواة يمارسون هذا الفن دون فهم القواعد السليمة له, وأيضا هناك بعض المحاولات الجيدة تقدَّم حالياً, ولكن دون تأثير حقيقي يخدم الطفولة في عالم العرائس.
ـ وللعمل علي الارتقاء بهذا الفن لابد من وجود مظلة عربية حقيقية تتبنى فن عرائس الدمى في الوطن العربي, وتهتم بتوحيد المصطلحات الفنية العرائسية وإقامة المهرجانات أيضاً, وتقديم ورشات فنية متبادلة بين الدول العربية..آملين أن يبقى فن العرائس منارة ثقافية حقيقية للطفل العربي فهو أمل المستقبل ويستأهل منا كل اهتمام وعناية.
الفنان والأديب بسام ناصر. مدير مسرح الطفل والعرائس في سوريا:
مما لا شك فيه أن عالم العرائس هو العالم الحقيقي للطفل, يحاوره بطريقته دون أية عوائق، فالدمية بألوانها ومرونة حركتها هي بالنسبة له كائن يمكن التجانس والانسجام معه.. لذلك توجه هذا الفن له.. فصيغت حكايات الدمى وصراعاتها.. واعتنق الممثلون ألوانها وسماتها وصدَّروها من على منبر المسرح المتخصص الذي يسمى مسرح العرائس أو الدمى .. لكن للأسف انحسر هذا الفن في الآونة الأخيرة وذلك لأسباب عدة منها: استسهال إقامة العرض واعتباره مجرَّد تحريك دمى بغض النظر عن دراسة الحركة ومدلولاتها.. كذلك استسهال النص من خلال استجرار الحكايات وصياغتها والتوجه المباشر للطفل من قبل صانعي العرض واقتصار هذا الفن على التربية والتعليم من خلال تلك الدمى.
ـ أما الصعوبات التي يواحهها هذا الفن على صعيد الكتابة، فلا يوجد لدينا الكاتب المتخصص فيه, لذلك يلجأ كثير منا إلى إعداد حكايات معروفة لدى الطفل بشكل عام كحكايات الجدة مثلاَ.
ـ أما على صعيد الإنتاج، فيعتبر هذا النوع من المسرح غير مربح بالنسبة لصانعيه لذلك يبقى الإنتاج محصوراً في الجهات الرسمية التي لا تهتم بما يعطيه شباك التذاكر وهذا ما يحدث فقط من خلال مديرية المسارح والموسيقا ومديرية مسرح الطفل والعرائس.
أما الإخراج، فيغيب التخصص فيه بالمطلق, وذلك بسبب هيمنة عالم مسرح الكبار عليه, وما يمكن أن يحققه من حضور ومال.. لذلك يستجير هذا المسرح بمن لديهم الخبرة والاهتمام به.
ـ الأديب المسرحي عبد السادة جبَّار من العراق:
مسرح الدمى فن متميز له تأثير كبير على الأطفال بشكل خاص. وكان محركاً بالنسبة لنا ونحن صغار لعشق الفن والإبداع، وما زالت ذاكرتنا تحمل معالم هذا الفن الراقي, فقد شاهدنا العمل المصري الرائع ( الليلة الكبيرة) بإشراف فرقة صلاح جاهين وسيد مكاوي، وعلى مستوى العراق تأثرنا كثيرا في طفولتنا ببرنامج أسبوعي ثابت بدأ عام 1960على وجه التحديد باسم (قراقوز) كان يقدمه الفنانان الكبيران: (أنور حيران) و (طارق الربيعي)، وكان الأطفال والكبار يعشقون هذا البرنامج الناجح الذي استمر لأكثر من 15سنة وساهم كثيراً في عشقنا للتلفزيون ولهذا الفن المتميز، فقد تمكن الفنانان من تقديم البرنامج بكل إتقان ونجاح, بحيث انهما كانا يحركان فيه أكثر من ست دمى وستة أصوات رئيسية.
يعد مسرح الدمى مسرحاً محرِّكاً لخيال الأطفال واليافعين وممتعاً لهم، إذ يحمل الغرابة والجمال والكوميديا والموسيقا والغناء.. فمن المهم إعادة هذا الفن وإحياؤه وتطويره، من خلال تدريسه في المعاهد والكليات الفنية المتخصصة لتخريج كوادر تتقنه بشكل جيد. كذلك يمكن تخصيص برامج تلفزيونية وتقديم عروض في المدارس الابتدائية والروضات على وجه التحديد، وفتح دورات داخل العراق وخارجه لتعليم الراغبين بهذا الفن الجميل والحصول على كوادر اختصاصية تطور هذا اللون من الفن الممتع.
كم سيكون رائعاً لو تمكنّا من تدريب الأطفال والفتيان على المساهمة بهذا الفن ليشعروا بقدراتهم الجميلة بدلاً من اهتمامهم بألعاب الحروب والقتال!
ـ من خلال الآراء السابقة نلمس صدى نجاحات فن العرائس المحدود والذي يمكن له أن يرى النور بلفت العناية إلى ما يعانيه والعمل الجاد على إنعاشه قدر الإمكان لأن دوره في بناء الطفل نفسياً وفنياً ومسرحياً لا يستهان به.