مكتبة النهضة.. صاحبها العسكري الذي وهب حياته للكتاب

1٬328

آية منصور /

لم يدرك عبد الرحمن حياوي أن إصابة عينه، أثناء معركة جنين في فلسطين عام 1948، ستنقله من مدينته بعقوبة، التي تقيم له ثقلاً كبيراً، الى بغداد/ قسم ديوان وزارة الدفاع، وستغير حياته تماماً، وتجعله يفتتح ويضيف إحدى أهم وأقدم مكتبات بغداد التي أثرت روادها معرفياً، بقلب ثقافي وأدبي لن يمحى من الذاكرة من خلال مكتبته (النهضة) التي أسسها عام 1957.
يحدثنا السيد بديع عبد الرحمن، نقلاً عن والده، الذي كان معروفاً كنائب ضابط في محافظة ديالى، كما أنه كان قارئاً نهماً ومحباً للأدب، لكن إصابته في معركة جنين والتي كان أحد ابطالها وحصوله على نوط الشجاعة، جعلته ينتقل الى بغداد للعمل فيها، لتبدأ رحلته داخل هذه المدينة المفعمة بالحياة، كما أن وجود ابن خالته والمؤسس لمكتبة المثنى/ قاسم الرجب، جعله يتردد كثيراً عليه ويبقى ملازماً له طوال الوقت، ليعمل مديراً للحسابات في المكتبة، ومن خلال مواصلاته العديدة مع دور النشر العربية والعالمية، تمكن في غضون سنة واحدة من افتتاح “النهضة”.
يحدثنا السيد بديع حياوي قائلاً :”المقر الأول للنهضة كان في بداية شارع المتنبي، وأصبحت بديلة عن متجر صغير للورق كان تابعاً لصاحب العمارة هارون شاشة، وهو رجل يهودي، ويعد صديقاً مقرباً لوالدي عبد الرحمن حياوي، وحينما علم بأمر المكتبة أبدى سعادته الكبيرة”.
النهضة المصرية والعراقية
يحدث حياوي أولاده أن سبب تسمية مكتبة النهضة بهذا الاسم يعود الى حبه وتأثره بمكتبة النهضة المصرية التي ما تزال قائمة حتى يومنا هذا، ما جعله يقتبس العنوان منها.
ويسرد لنا بديع تفصيلة مهمة نود التنويه بها، وهي ذكرنا لمكتبة النهضة العربية / ساحة التحرير في الأعداد السابقة، والتي لا تمت بأية صلة حالياً لمكتبة النهضة والقاسم المشترك بينهما هو الكتاب فقط .
يروي لنا قائلاً :”إن المكتبة كانت، ولسنوات عدة، فرعاً من فروع النهضة الرئيسية، قبل أن يقرر حياوي بيعها للكتبي الراحل هاشم عذافة، لتصبح النهضة العربية، معلنة انفصالها الكلي عن المكتبة الأساسية حتى يومنا هذا”.
أبرز روادها
يستذكر السيد بديع، بابتسامة، الشخصيات المهمة والبارزة التي كانت تتردد وبشكل دائم على المكتبة وصاحبها حياوي، وأهمهم:”الباحث الاجتماعي علي الوردي، محمد محفوظ،، جلال الحنفي، والكاتب المصري إحسان عبد القدوس الذي كان صديقاً مقرباً لعبد الرحمن حياوي، اضافة الى الشاعر السوري نزار قباني، ولم يتوانَ الساسة والوزراء كذلك عن زيارة النهضة واقتناء الكتب منها، ومنهم الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف”. مضيفاً: “لقد ترعرعنا وتربينا فكرياً على يد هؤلاء المبدعين مذ كنا صغاراً، ونحن نستمع لأحاديثهم وأفكارهم التي تغلغلت في أرواحنا وهذبتنا فجعلتنا اليوم مستمرين في عالم الكتابة، رغم كونها أكثر المهن مشقة، لكنها بقيت في دمائنا تسري حتى اليوم”.
وراثة الكتب
يذكر أن جميع أولاد الراحل حياوي وأحفاده، استمروا بمزاولة مهنة الكتب بعد وفاة مؤسس النهضة عام 1993، رغم تخصاصاتهم المختلفة في مجالات الحياة، إذ أسس ظافر حياوي معرض القرآن الكريم المعني بالقرآن والسنّة النبوية في مختلف اللغات والفروع، وأسس الشهيد يحيى نبيل حياوي المكتبة القانونية التي اختصت بالكتب القانونية حصراً، كما أسس بديع حياوي المكتبة الشرقية التي تخصصت بمختلف مجالات الآداب والعلم والفنون.
الدار العراقية الأولى
القاضي نبيل حياوي بيّن لنا :”إن النهضة تعد أول دار نشر عراقية اختصت بنشر نتاجات الأدباء والعلماء وأصحاب رسائل الماجستير والدكتواره كموسوعة الدكتور جواد علي الكبرى وهي “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام”، ودواوين الجواهري، وشفيق الكمالي، وعشرات الأسماء من الأدباء والعلماء العراقيين.
حياوي أوضح لنا :”توسعت المكتبة بنشاطاتها حتى افتتحت فروعاً عديدة لها في بعض المحافظات، ولديها وكلاء في جميع المحافظات من أجل توزيع وتسويق الكتاب”.
كما يخبرنا القاضي المتقاعد، والذي ترك القضاء وتفرغ لإصدار أكثر من 8 مؤلفات قانونية وسياسية:”أن النهضة تمتلك مكاتب في لبنان ومصر لنشر النتاجات العربية، لكنها توقفت بعد الحصار وبدأت بالنشر محلياً فقط بسبب عدم القدرة على تصدير وتوزيع الكتاب خارجياً”.
البداية الجديدة
في عام 2007 وقع انفجار إرهابي أمام المكتبة مباشرة، أودى بحياة العشرات، ومن ضمنهم ابن وحفيد عبد الرحمن حياوي، إضافة لاحتراق مكتبة النهضة والمكتبة القانونية، وإتلاف وحرق مئات العناوين والمراجع المهمة والنادرة.
يقول: “على الرغم من هول الصدمة وخسارتنا أحبتنا، وتدمير المكتبتين، إلا أن العائلة تماسكت، واستطاعت إعادة بنائهما”.
أصل الأنواع
وللنهضة مئات الإصدارات المهمة، ومنها “روائع الخط العربي” لناجي زين الدين المصرف، وما زال يطبع حتى يومنا، ومن الكتب المهمة التي تم تعريبها لأول مرة في الوطن العربي، كتاب “أصل الأنواع” لتشارلز دارون، وكانت أول ترجمة عربية، وغيرها من عشرات الكتب التي أثرت الثقافتين العراقية والعربية”.
يذكر أن عبد الرحمن حياوي حاز الجائزة الأولى الخاصة باتحاد الناشرين العرب، لثلاث مرات، كأفضل ناشر في معارض الكتاب بين مئات الدور والمكتبات العربية..