منذر عبد الحر نص (في يوم الحب)

208

عدي العبادي /

هناك عناصر عدة يجب أن تتجمع في قصيدة النثر كي تكون قصيدة جيدة مستقلة في كيانها، ثم لتكون عملاً إبداعياً نثرياً مطروحاً، ومن هذه العناصر الخيال والإبداع وهندسة القصيدة، والقضية التي يتحدث عنها المبدع، والإحساس الذي يتفرد به عن سواه.
كل هذه العناصر إذا اجتمعت شكلت لنا قصيدة حداثوية. تقول (سوزان برنار) إنَّ قصيدة النثر هي: «قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور.. خلق حرّ، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجاً عن كلّ تحديد، وشيء مضطرب، إيحاءاته لا نهائية».
ويعتبر الخيال عنصراً جمالياً مهماً في كل مادة إبداعية، سواء أكانت قصة أم شعراً أم رواية.. الخ. وأعتقد أنه أهم جانب، على اعتبار أنه يميز المبدع عن سواه، فمن يمتلك الخيال غير المبدع الذي يحوله ويغنيه في مادته الإبداعية؟
هناك مدخلان من الخيال هما: الخيال المتعارف عليه الذي يستهلك كل أدواته، وخيال من بنات أفكار المبدع، أي ما نسميه بالشطحات، أي أن يخترع لنا خيالاً لا نعرفه، كما يخترع لغة تكون خاصة به. وفي ما مضى كان الشاعر مقيداً، ليس بالوزن والقافية فقط ، بل حتى في الخيال، فلا يمكن أن يقول شيئاً منافياً للعقل، وكانت الإمكانيات محدودة، فالذي يعيش في الصحراء لا يستطيع أن يعبّر عن الحضارة، لأنه لا يملك روح التمدن، والإنسان المدني لا يقدر أن يصف ما في الصحراء لعدم معرفته بكل الجوانب، لكن في زمن التقدم أصبح الشاعر يمتلك أكثر من خلال الاطلاع، وذلك بسبب الثورة المعلوماتية، حيث نجد الخصوبة وعمق الخيال في نص الشاعر (منذر عبد الحر) المعنون (في يوم الحب….إليها) يقول فيه:
ونسائم طرّزت الفجر بالندى / قبل أن توقظ الشمس نعاس الورد/ وقبل أن تفصح الموسيقى عن سحرها
هنا نجد أن سعة الخيال جعلت الشاعر يصور لنا أن الندى يطرز الفجر قبل أن توقظه الشمس، كي يكون لدينا تصور جمالي عاشه الشاعر، في لوحة اتسمت بالشفافية، فكلنا نشاهد الندى والفجر والشمس، ونعرف كل هذه الأدوات، لكننا لا نستطيع أن نرسم مثل هذه الصورة الجميلة، كما أننا لا نمتلك سعة الخيال مثل الشاعر، ولا شفافيته في التعبير، نعم، نحن مثله نشاهد كل هذا، لكننا نتوقف عند مرحلة، فيما هو ينطلق في عالمه التصوري، ثم يترجمه لنا على شكل لوحة فنية، ولو كنا نمتلك الخيال الذي يتمتع به منذر عبد الحر، لكنا نستطيع أن نكتب مثله، لكن المبدع يختلف عنا. يقول الجاحظ “كان في زمن المتنبي أربعة آلاف شاعر، لم يشتهر منهم غيره مع بعض الشعراء.” وكما قلت فإن هناك عناصر عدة في سبيل خلق قصيدة نثرية ناضجة،
في مقطع آخر، يقول الشاعر منذر عبد الحر:
على جبين الفضّة / وهمس الجمّار
وفصاحة التفّاح …..
هنا نشاهد النقاط التي وضعها الحر في القصيدة كي يخلق تساؤلات في ذهن المتلقي، إن ما أراده حين وضعها قد يجعل حيزاً من التفكير في أن عملية التنقيط، أو هندسة القصيدة، تكون جانباً إبداعياً مستقلاً بذاته، وربما تولد -في يوم ما- قصائد عبارة عن نقاط فقط ،إذ أننا نعيش الآن زمن ما بعد الحداثة، لقد اعتمد الأستاذ منذر في نصه على الشكل والمعنى ولم يترك جانباً، إلا أغناه في كل شيء.
يقول في مقطع آخر:
في عليائها قمر/ تنام على خدّه دمعة / وتبزغ من بوحه قصيدة / ذلك وتر الروح على انسيابه / يفتح الموج أغنية/ تهطل على جيده وتقطف وردة الشجن.
لعل التراكم الصوري في هذا المقطع الذي يظهر لنا من القراءة الأولى يجعل هذا المقطع بمثابة عمل مستقل وحده، ويخلق نوعاً من الحيرة، فتارة يهيئ الشاعر لنا وصفاً قريباً من الواقعية وهو يتحدث عن فتاة صغيرة وقمر في السماء، لكنه يقفز بالصورة حين يتحدث عن أغنية الموج، وهذا التحول الرائع يشكل الجانب الإبداعي الذي تحدثت عنه. إذن أصبحت لدينا ثلاثة عناصر في قصيدة (في يوم الحب….إليها): الخيال وهندسة القصيدة والإبداع، غير أن الركيزة كانت في الجانب الخيالي الإبداعي.