ناجح المعموري: أنجزت دراسة موسَّعة عن “أساطير العذرية في الديانات”

885

#خليك_بالبيت

شكر حاجم الصالحي /

ناجح المعموري علامة فارقة في مشهدنا الثقافي، بدأ مهتماً وباحثاً في المأثورات الشعبية ونشر موضوعاته في مجلة التراث الشعبي، ثم كتب القصة والرواية فأصدر مجموعته الأولى “أغنية في قاع ضيق” عام 1969، و أعقبها بـ “الشمس في الجهة اليسرى” عام 1973 بالاشتراك مع زملائه محمد أحمد العلي، فاضل الربيعي، جهاد مجيد، ونشر روايات “النهر” و”شرق السدة شرق البصرة” و”مدينة البحر” استدار باحثاً في أساطير الشرق والديانات القديمة وأصدر فيها أكثر من ثلاثين كتاباً في عمان ودمشق وبيروت وبغداد، وصدرت عن منجزه الإبداعي كتب مهمة لـجاسم عاصي، محمد أحمد العلي، شكر حاجم، حسين نهابة، أحمد الناجي وما زال ناجح المعموري يتدفق نشاطاً بحثياً ومعرفياً، وهو الآن يشغل رئاسة اتحاد أدباء وكتاب العراق للدورة الثانية، في هذا الحوار نقدّمه كاشفاً عن محطات مهمة في حياته الإبداعية الثرّة.
* حدّثنا بإيجاز عن روافد تشكّل معارفك الأولى؟
– كانت الكتب قريبة مني جداً، لأنّ ابن عمي المثقف ناظم البكري لديه مكتبة ممتازة، يغذيها شهرياً بما هو جديد من الروايات العربية والأجنبية وكتب التأريخ، وأشرف على برنامج قراءة خاص بي، وابتدأت وأنا في السادس الابتدائي بقراءة روايات المنفلوطي وجرجي زيدان وإحسان عبد القدوس وما كان معروفاً بالتداول في الخمسينيات. لاحقاً وأنا في المتوسطة كنت أختار ما أريد الإطلاع عليه، وحفّزتني المرحلة الدراسية كثيراً وتشجيع أستاذي المعروف سعدي علوش لعقد صداقة عميقة وإعجاب لا مثيل له بجبران خليل جبران وبلغ حماسي له ودهشتي به إلى حفظ “دمعة و ابتسامة” على ظهر الغيب، وانفتحت أمامي مكتبة متوسطة الحلة العامرة بما هو جديد، لا سيما المجلات الأدبية التي تصدر في بيروت.
* أصدرت العديد من المجاميع القصصية والروايات، لِمَ غادرت عالمها ؟ ولِمَ هذا التنوع في نتاجك الثقافي ؟
– أولاًمحاولة التفرّد بمجال يمنحني فضاءً واسعاً من الحرية والاستقلال والابتعاد عن الضغط الرسمي وتحقّق لي ذلك، وانتبه الوسط الثقافي لمشروعي الخاص “المسكوت عنه في ملحمة جلجامش”، لأنّي استطعت الكشف عن مسكوتات لم تشر لها الدراسات العراقية والعربية، لذا تميّز اهتمامي هذا وبسبب سيرورته انفتح على فضاءات أوسع وأعمق وأعقد، مثل أساطير الشرق والتوراة التي تحوّلت إلى مشروع ثقافي جديد أثار اهتمام الأوساط العربية، وكانت كتبي الصادرة في عمّان أكثر الكتب مبيعاً ضمن قوائم الكتب لأشهر عديدة، وتكرّس اسمي باحثاً عراقياً مختلفاً عن غيره، وابتدأت تتشكّل المشاريع كصيرورات للقراءة، مثل يوسف التوراتي / الأصول المصرية، وهي في البحث عن العتبات في العقائد والطقوس مثل: تابوت العهد وأسطورة يوسف، وأعتقد أنّي حقّقت إنجازاً مهماً في الأسطورة والتوراة، وأنا المثقف الوحيد الذي كرّس منهج النقد الاسطوري في الادب والفن …أما سبب التنوع في اشتغالي الثقافي، سببه صيرورة المثقف وعلاقته بالمعرفة والثقافة، لذا تجدني مختلفاً وجديداً، لكن اهتمامي الجوهري بالميثولوجيا والانثربولوجياً . باختصار التنوع في الاشتغال متأتٍ من تعدد ثقافتي وتنوع معارفي
* فراس السواح وخزعل الماجدي اشتغلا في حفريات أساطير الشرق والديانات القديمة، كيف ترى اشتغالهما؟ وأين تضع جهدك المعرفي في ذات الاشتغال؟
– قادنا فراس السواح منذ “مغامرة العقل الأولى” و”لغز عشتار” وكان الدور البارز لهذا المفكر هو الاستعانة المباشرة بالمصادر الغربية وتصل توظيفاته لدرجة الترجمة والنقل وتبدّى هذا في موسوعته عن التأريخ القديم وأعتقد أنّه قدّم عوناً ممتازاً في ترجماته المبكرة، “مغامرة العقل الأولى” و”لغز عشتار” لكنّي أجده أقل انشغالاً بالسنوات التي سبقت وجوده في الصين، ولذا افترض محاوراً له وأنجز حواراً طويلاً مع تجربته…
أما خزعل الماجدي فهو باحث وشاعر وناقد ويتمتّع بأفق المحقّق، وأنجز عدداً مهماً من المصادر المعنية بأركولوجيا الديانات وقدّم لها أنظمة خاصة هي من ابتكاراته، لكنّي توقّفت عن متابعته منذ كتابه عن أنكي، لأنّه يعتمد النقل الموسّع وتكرار ما قاله قبلاً.- فراس فحص الأساطير وخزعل ابتعد عن ذلك، أما أنا فلي منهج خاص بالقراءة المقارنة بين الأساطير العراقية والتوراة، أقرأ العتبات التي يمكن الدنو منها، ودخلت بمغامرات غير مسبوقة بتأويل الأساطير مثل
أنانا، جلجامش وشجرة الخالوب وكتاب الجنس في الإسطورة السومرية والمسكوت عنه في ملحمة جلجامش، الأصول المصرية في قصة يوسف، الأصول الاسطورية لتابوت العهد، هذه دراسات جديدة حقاً…..
* كيف تجد واقع الصحافة الثقافية، لا سيما ما يصدر عن اتحاد الأدباء؟
– أتابع بدقة ثقافية المدى وهي ممتازة ومتنوعة، أما ثقافية الصباح فهي ثرية بتنوعها وهذا لا يكفي، بعض الآراء النقدية تحتاج ضبطاً، وأهم ما يميّز الصباح الاهتمام بالمعرفة والفلسفة كاهتمام مستمر وهذا أمر لافت للانتباه لاستمراريته ومثال ذلك الاستاذ ياسين النصير، د. علي المرهج، الأستاذ نصير فليح، وعلى الصحف الأخرى إيلاء اهتمام وعناية بالمعرفة وتعميق حضورها.
أما صحيفة الاتحاد ــ وتريات جواهرية ـــ فهي شهرية تغطي نشاطات الاتحاد وأخباره، أما مجلته “الأديب المعاصر” فهي ممتازة، ويبذل د. أحمد الزبيدي مع هيئة تحريرها جهوداً استثنائية واضحة..
– ما الذي يشغل اهتمامك البحثي الآن، أعني جديدك؟
– منشغل بعدد من المشاريع التي تحتاج جهداً بسيطاً وهي:
1ــ أساطير العذرية في الديانات
2ــ اليومي في ملحمة جلجامش
3ــ جلجامش ضد جلجامش
4ــ ماذا يأكل العراقيون القدماء؟
5ــ الجنس في مكة …
هذه مشاريعي التي يعرف الأصدقاء حرصي على إنهائها، وتأخر إنجاز بعضها لانشغالي برئاسة اتحاد أدباء العراق.
* كلمة أخـــــــــــيرة؟
– باعتقادي أنّ الظواهر الثقافية والأدبية تمثّل موقفاً مغايراً للنظام السياسي المهيمن وللسلطة القمعية التي كرست أنماط التعبير الثقافي والأدبي وشجّعت وسائل التعبير والتمجيد للطاغية وللفكر السياسي السائد، وقدّمت المال والعطايا للامساك بالساند والحفاظ عليه، وإغلاق منافذ المغايرة والتجديد والعمل على القمع غير المباشر، ونتذكر أنّ السلطة الثقافية ومن خلال فعالياتها ومهرجاناتها حاصرت الجمعيات الثقافية والأكاديمية، لأنّها تعاطت مع البنيوية آنذاك وقصيدة النثر والقصة القصيرة جداً بوصفها صيرورات لا بدّ أن تفضي نحو تغيرات جديدة، وهي تنطوي على قبول بأفكار الحداثة وضرورات القبول بما حصل في الفضاء الغربي والعربي، لأنّ هذا القبول والسماح يتمظهر علنا بقبول الموقف المغامر والمضاد، كما أنّ الحداثة التي عرفها الآخر وبعض البلدان العربية، تعني حتميات التغيير السياسي، وهذا أمر صعب ومعقد.