هل تحوّل (المتنبي) من شارعٍ ثقافي الى مركزٍ سياحي؟

927

علي السومري /

بالرغم من وجود الكثير من المكتبات في أحياء بغداد، القديمة والجديدة، إلا أننا لا يمكننا وصف شارع المتنبي إلا باعتباره بورصة الكتب في العراق عموماً وبغداد خصوصاً.
ولمعرفة نبض هذا السوق ومبيعاته وتأثره بعد تحوله الى سوق لبيع أغراض مختلفة، ومكان أقرب للسياحة منه إلى الثقافة،ارتأت “مجلة الشبكة” إجراء استطلاع مع عدد من الناشرين وباعة الكتب فيه لرؤية وجهات نظرهم في الشارع اليوم، وتقييمهم لحركة سوق بيع الكتب، وتحوّله إلى مكان سياحي، وعن احتياجاته من أصحاب القرار ليكون مرفقاً حضارياً وثقافياً مهماً.
حركة تنافسية
عن حركة سوق البيع يقول (كريم حنش)، صاحب مكتبة (الحنش) في شارع المتنبي: “هناك مراحل موسمية لحركة تداول الكتاب في شارع المتنبي، يحددها المتغير السياسي والاجتماعي في البلد، الآن وبعد استقرار الوضع الأمني حدثت حركة تنافسية ناجحة في السوق، شاركت إلى حد ما في توسع تجارة الكتاب وبيعه، بالأخص بعدما ازدادت المكتبات فيه.” مضيفاً أن دور مواقع التواصل الاجتماعي أثر إيجاباً في كم البيع بعد انتشار ظاهرة توصيل الكتب للراغبين بشرائها عبر هذه المواقع، خصوصاً مع وجود مقتنين للكتب القديمة، والذين يتعاملون مع الكتاب القديم باعتباره (أنتيكة) أو تحفة يتلهفون لاقتنائها.
الشعر الأكثـر كساداً!
أما (كريم طه)، مدير منشورات المتوسط، فتحدث عن تأثير الكتاب الإلكتروني على حركة بيع الكتاب المطبوع، مشيراً إلى أنه وبالرغم من هذا التأثير إلا أن هناك الكثير من القراء الذين يفضلون اقتناء الكتاب المطبوع عن الإلكتروني، موضحاً وجود جيل شاب مقبل على القراءة وبالأخص من النساء، مضيفاً: “قد تكون اختيارات هذا الجيل تختلف عما قبله فالإقبال أصبح في الغالب على كتب التنمية البشرية، وهذا لا ينفي وجود إقبال آخر على الرواية والأدب المترجم والمجاميع القصصية للكتّاب العراقيين خاصة”، مبيّناً أن كتب الشعر هي الأقل مبيعاً في السوق!
معللاً هذا بارتفاع سعر الكتب، التي يحاولون تخفيض أسعارها.
بازارات (المتنبي)!
في حين أوضح (ياسر عدنان)، صاحب (دار ومكتبة عدنان للنشر)، أن مبيعات الكتب تغيرت كثيراً بسبب التقشف الذي عاشه العراق بعد العام 2014، وتوقف الجامعات والكليات والمدارس والدوائر الحكومية والمكتبات العامة عن شراء الكتب. ويرى عدنان أن الشارع، وبعد افتتاح مبنى (القشلة) والمركز الثقافي، تحول إلى بازارات لبيع مختلف المواد التي ليست لها علاقة بالكتب، مضيفاً أن غلق الشوارع المؤدية إلى (المتنبي) أثر على عدم مجيء المواطنين إليه وخصوصا كبار السن.
الأفضل بين الدول العربية
أما (أحمد الراضي)، مدير (دار معنى) للطباعة والنشر، فقال: “حركة المبيعات عموماً جيدة وأحياناً جيدة جداً، لأنها تعتمد على الاستقرار الاقتصادي والأمني والسياسي.” موضحاً أنها تزداد في أيام العطل والمناسبات.
وهو ما أكده (سامر السبع)، مدير منشورات (نابو)، إذ قال: “مستوى المبيعات في سوق الكتب العراقي تكاد تكون الأفضل بين الدول العربية، قياساً بنوع الكتب وعدد النسخ التي تباع، لكن بهامش ربحي قليل.” موضحاً أسباب ذلك لعدة عوامل بينها مستوى القدرة الشرائية للقارئ المحلي، وانتشار النسخ المزورة في السوق العراقي، والمنافسة الحادة بين دور النشر العراقية.
حفلات التوقيع
“في البداية؛ نحن لا ننكر وجود تراجع في سوق الكتاب العراقي، كتقييم عام له من خلال شارع المتنبي”، هذا ما ابتدأ به (بلال ستار) مدير (دار سطور) للنشر والتوزيع حديثه ، معتبراً ذلك مؤشراً خطيراً على المناخ الثقافي وسوق الكتاب الورقي، عازياً أسبابه لضعف القدرة الشرائية، وحجم المشاركة في المعارض المحلية ومواقيت إقامتها في بغداد، وكربلاء، وأربيل، مبيّناً أنه وبالرغم من هذا التراجع إلا أن العراق يحتل مراكز متقدمة في البيع داخل المحافل الثقافية العربية بحسب شهادة ناشرين عرب.
أما (حسن أكرم)، مدير (دار الرافدين للطباعة والنشر)، فقال: “في الفترة الأخيرة انتعش سوق الكتاب العراقي، خصوصاً مع تطور دور النشر، وإقامة فعاليات معارض الكتب، كمعرضي بغداد وأربيل مثلاً، وإمكانية اتصال القارئ مع كاتبه المفضل عبر حفلات توقيع الكتب التي تقيمها دور النشر.
سياحي.. ثقافي
غالباً ما تسمع أثناء تجوالك في شارع المتنبي أيام الجمع آراء مختلفة، منها ما يقول أن الشارع فقد هويته الثقافية وأصبح سياحياً ومكاناً لالتقاط الصور، وآخر يعتبر تلك المظاهر نبعاً جديداً لديمومة الشارع.
يقول كريم حنش: “نرى أن سياحية الشارع ودوره الثقافي في تلازم تام، ربما أدى الانفلات غير المحسوب إلى غلبة السياحي على الثقافي، وهذا ينذر بتحول خطير في المشهد لا يعكس الصورة المثالية للعمق الحضاري للبلد”، مشيراً إلى أن هذا المدى المكاني (الميدان، شارع الرشيد، ضفاف نهر دجلة، القشلة، والمحكمة القديمة)، شارك في تداخل عميق للثقافي بالسياحي.
أما كريم طه، فأوضح أنه لا ضير في هذا التداخل، مبيّناً أن شارع المتنبي الذي يكون مزدحماً أيام الجمع يُعدّ مكاناً متاحاً للجميع، قد يدفع بفضول بعض الحضور فيه لاقتناء كتاب، وهو ما يراه تشجيعاً للدخول الى عالم الكتب الواسع والمدهش.
فيما أكد ياسر عدنان في حديثه على تحول شارع المتنبي من شارع ثقافي إلى مركز سياحي ترفيهي لا علاقة له بالثقافة أو الكتب!
تحول إيجابي
في حين يرى (أحمد الراضي) أن من أهم مميزات شارع المتنبي في السنوات العشر الأخيرة، أنه أصبح كشارع ثقافي سياحي وتجاري، موضحاً أن هذه ميزة تحسب له بالإيجاب لكونه يجذب أعداداً كبيرة من الزوار والمريدين.
وهو ما اتفق عليه (سامر السبع)، الذي أشار إلى أن شارع المتنبي اليوم هو شارع سياحي ثقافي، واصفاً ذلك التحول بالإيجابي، وبأنه نقطة جذب لقراء جدد من خلال الزيارات السياحية.
واتفق معه (بلال ستار) أيضاً، حين قال: “الحركة السياحية داخل شارع المتنبي ظاهرة صحية مهمة لإنعاش رمز عتيق من رموز بغداد”، موضحاً أن بقاء الشارع مقتصراً على الكتب والقرطاسية سيحوله إلى شارع نخبوي وحكر على الطبقة المثقفة والقراء، مبيّناً أنه وبفضل وجود المركز الثقافي البغدادي؛ أصبحت للشارع أنشطة أسبوعية شاملة مثل؛ الفنون التشكيلية، المسرح، الموسيقى، إضافة الى الندوات الثقافية والجلسات الشعرية، معتبراً هذه الأنشطة رسائل مهمة للعالم.
وتحدث (حسن أكرم) عن هذا الموضوع موضحاً أن أغلب الرواد الجدد يحضرون للاستمتاع بالرفقة، وأحيانا للانضمام إلى النشاطات والفعاليات التي وصف أغلبها بالمعبّرة عن ثقافات شعبية بسيطة كالشعر الشعبي وغيره، مضيفاً: “لا يبدو هذا سيئاً جداً”، وتمنى (أكرم) أن يختلط هذا النوع من الناس مع الرواد الأوائل، وأن لا تحدث قطيعة بين الزائر والكتاب بحجة حضور الفعاليات فقط!
هيئة استشارية
وعن حاجة الشارع الى قرارات خاصة من قبل المسؤولين للارتقاء به، قال كريم حنش: “أرى أن من الواجب أن تشكل هيئه استشاريه بين كتبيّي شارع المتنبي، المثقفين حصراً، ووزارة الثقافة واتحاد الأدباء، بعيداً عن الاتحادات والهيئات التي تضيّق الحصار على باعة الكتب من الكادحين بحجة الكتاب المزور، وما يتبع ذلك من تركات غير إنسانية تشارك إلى حد كبير بقطع أرزاق الكتبيـيـن.
أما كريم طه، فقال: “شارع المتنبي بحاجه إلى تسقيف، خاصة ونحن نمرّ في العراق بصيف طويل ولاهب, وكذلك الإسراع بتأهيل بناية المحكمة المحترقة لتكون مكاناً لفعاليات ثقافية متعددة تزيد عديد مرتادي هذا الشارع”، مضيفاً: “كما يحتاج الشارع إلى إنارة أزقته، فهذا الشارع كما يعلم الجميع يغلق مكتباته بعد الظهيرة”، مبيّناً أن المسؤولية تقع أيضاً على أصحاب المكتبات، الذين يجب أن يطيلوا ساعات افتتاح مكتباتهم ودوامهم فيها أكثر ليعتاد الناس على ارتياد الشارع مساءً.
الطريق إلى الزوال!
في حين قال (ياسر عدنان): “على الحكومة أن تنظر بعين الاعتبار إلى هذا الشارع، الذي هو في طريقه إلى الزوال”، مشيراً الى أن حركة الشارع اقتصرت على أيام الجمع فقط، مضيفاً: “وعلى الحكومة أيضاً أن ترعى سوق الكتاب من خلال إعادة ميزانية الكتب للجامعات والكليات والمعاهد، والتي بدورها ستنشّط سوق بيع الكتب.”
أما (أحمد الراضي) فتحدث عن حاجة الشارع إلى عمليات إدامة وصيانة وعمران وتنظيف وعناية مستمرة على مدار اليوم، وتوفير مواقف سيارات واستراحات للزوار تشمل المطاعم ودورات المياه، وتوسعة الشارع ليمتد من شارع الرشيد إلى آخر شارع قرب مبنى القشلة والقصر العباسي، وتسقيف الشارع لكي يحمي الزوار من حر الصيف وأمطار الشتاء، إضافة لإنارة الشارع ليلاً لكي يستمر العمل لساعات الليل بدل إغلاقه مبكراً.
وتطرق (سامر السبع) في حديثه معنا إلى حاجة الشارع إلى رقابة جادة، تحد من تهديم المنازل القديمة في منطقة حسن باشا وتحويلها إلى مخازن لتجار القرطاسية.
الاهتمام بالتراث
وتشابهت مطالب بلال ستار مع مطالب زملاء مهنته من الكتبيين، وبالأخص من ناحية المحافظة على نظافة الشارع، إذ قال: “في كل مرة تواجه زوار (المتنبي) مشكلة التخلص من نفاياتهم، وذلك لقلة حاويات القمامة على جانبي الطريق”، متمنياً على أمانة بغداد توجيه كوادر خاصة لمتابعة هذا الموضوع، مشيراً إلى أهمية استغلال الشارع ومبانيه التراثية لتكون مرافق سياحية يحج إليها زوار الشارع من العراق والعالم بدل إهمالها وتركها مهجورة.
مطالب كثيرة تطابقت مع مطالب حسن أكرم، الذي تمنى أن يروج للشارع في الإعلام بشكل جدي ليكون قبلة لزوار العراق العرب والأجانب.