هيثم كامل الزبيدي: شعر النواب كان طموح كل مترجم

1٬179

رجاء الشجيري/

هيثم كامل الزبيدي، شاعر ومترجم وأكاديمي، يحمل شهادة الدكتوراه في الأدب الإنجليزي، ويعمل تدريسياً للأدب والشعر في كلية الآداب جامعة بغداد. ترجم من الإنجليزية إلى العربية أكثر من خمسة عشر كتاباً، من العربية إلى الإنجليزية بعض المؤلفات والأعمال الأدبية شعراً ورواية. صدر له مؤخراً كتاب “مختارات من شعر مظفر النواب”، عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لمناسبة ترشيح النواب لجائزة نوبل للآداب.

حاورته مجلة الشبكة حول الآتي:

جدلية الإبداع والقيود

* ما بين عملكم الأكاديمي أستاذاً جامعياً في قسم اللغة الإنجليزية في جامعة بغداد وعالم الأدب والترجمة، كيف تدير عوالم الإبداع؟

-لا شك أن الوظيفة، أية وظيفة أو عمل رتيب يمارسه الشاعر أو الكاتب، تفرض عليه نسقاً حياتياً يقيده إلى حد بعيد، وهذا يؤدي بالتالي إلى اتساع شيء على حساب الآخر. فجدلية العمل الوظيفي إزاء العمل الإبداعي تستدعي إلى حد ما جدلية القيود إزاء الحرية. لكنني سعيد الحظ لأنني أعمل في مجال شغفي، فأنا في الجامعة أدرّس الشعر والأدب، وهو مجال اشتغالاتي الترجمية والإبداعية أيضاً، وبهذا فإن انشغالي اليومي هو انشغال بالشعر وللشعر ومن أجل الشعر. ترجماتي في الغالب في مجال الشعر أو النقد، أما بخصوص قصائدي فهي تأتي خاطفة في خضم الانشغالات الأخرى، أقتنصها وأكتبها في الفواصل ما بين الشعر والشعر. الأمر صعب جداً ويحتاج إلى تعزيزه بروافد العشق والشغف اليومي الذي يوقد جمر الإصرار كلما خبت نار العزيمة نتيجة للإحباطات التي تلف حياتنا.

الترجمة امرأة!

* الترجمة فن من جهة وأمانة لغوية وأسلوبية من جهة أخرى، كيف تراها؟

– انفق المختصون والجهابذة الكبار حبراً وورقاً كثيراً حول هذه الموازنة ، لكني ألوذ بتشبيه شائع في مجال الترجمة الأدبية مفاده أن الترجمة امرأة، إن كانت جميلة فهي غير مخلصة، وإن كانت مخلصة فهي بالضرورة ليست جميلة! بمعنى من أجل أن تكون الترجمة أمينة بالكامل ومخلصة للنص المنقول عنه، فإنها لن تكون – مهما اجتهدت- جميلة رشيقة ساحرة، وإن أريد لها أن تكون جميلة وفاتنة وساحرة، لا بد لها أن تغادر توابيت كلماتها وتحلق عالياً، أي لا بد أن يستغل المترجم كل ما أوتي من ثراء لغوي ومعرفي ليسبغ على النص الأصلي حُلّة أخرى تحتفظ بالرسالة أو الفكرة والصورة التي أرادها المؤلف الأصلي، ولكن بلباس لغوي أنيق لكي يكون النص المترجم سلساً مقروءاً. وهنا لا أدّعي أن الموازنة غير ممكنة، بل ممكنة إذا كان المترجم ضليعاً باللغتين، المنقول منها والمنقول إليها. بالنسبة إلي، اتبع أسلوب الموازنة، وامنح لنفسي قدراً محدوداً من الحرية، لا يقضي على هوية الكاتب، ولا يحاول النيل من فكرته أو تراكيبه اللغوية، أو صوره الشعرية، بل يحاول جاهداً إيجاد مكافآت لها باللغة الإنجليزية، لاسيما وأنني أرى ضرورة الترجمة عن العربية وليس إليها، إيماناً مني بضرورة ترجمة شعرنا وأدبنا إلى الإنجليزية لكي ننقل صورة مغايرة عن وطننا وشعبنا للمتلقي الغربي، صورة تختلف عما تتناقله وسائل الإعلام من أن علامنا العربي ليس سوى ملاذ للتطرف والعنف والانتهاكات. عندما أترجم الى الإنجليزية اتقمص القارئ الأميركي أو الإنجليزي وأضع نفسي في مكانه، حينها أسالني: هل هذا القول مقبول من حيث المعنى والمبنى؟

بين ربيع وخريف ترجمتنا

* كيف تقيّم حركة الترجمة في الساحة العراقية؟

– فقيرة جداً، بل تكاد أن لا تكون لدينا ترجمة. إن عدد الكتب التي تترجم في العراق في العام الواحد لا تزيد على أصابع اليدين، وفي بعض الأعوام لا تزيد على أصابع اليد الواحدة. كما أنها في الغالب لا تخضع لتنظيم مؤسسي وتنسيق ودراسة جدوى، بل أن معظمها يتبع هوى المترجم وتفضيلاته. أعتقد أننا بحاجة إلى مشاريع ترجمية كبيرة تتبناها مؤسسات تتولى ليس فقط الترجمة إلى العربية (برغم أهميتها وضرورة التنسيق مع مؤسسات عربية اخرى في هذا الشأن حرصاً على عدم التكرار)، بل والترجمة عن العربية أيضاً، لأن هذا الأمر مسؤولية أخلاقية ووطنية كبيرة. إن حجم ما يترجم في العراق لا يتناسب أبداً مع العدد الكبير من أساتذة وخريجي أقسام الترجمة واللغات الأجنبية في الأكاديميات العراقية، إذ لو أن مشروع تخرج كل طالب دراسات عليا كان ترجمة كتاب، أو لو كان ضمن متطلبات ترقية كل تدريسي في تخصصات اللغات الأجنبية أن يترجم كتاباً، لشهدنا ربيعاً في الترجمة.

براعم كون شعري

* الشعر أوكسجين حياة، منذ متى تنفسته وما هي إصداراتكم فيه؟

-لا أتذكر بالضبط أول زفير شعري أطلقته، ربما يكون مع أول شهيق اجتذبته من هواء السيسبانة (قريتي ومسقط رأسي)، ربما كانت حقول القمح التي أثثت طفولتي بالبريق الذهبي، ربما ظلال التوت وهديل الحمائم، ربما طين الطريق الطويل إلى المدرسة، ربما أشواك البرّ مع أول خطوات طفولتي هي التي عمدتني في عالم الشعر، ربما تلبسني الشعر من أشكال الغيوم التي لطالما استهوتني عوالمها، ربما من حداء القرويات ونواح الأمهات وطلع النخيل وأهازيج الفلاحين في مواسم الحصاد، لا علم لي متى تنفست الشعر على الإطلاق، قيل لي أنني ولدت أيام الحصاد، كنت كثيراً ما ألوذ بفضاء الحلم، وكثيراً ما أتشبت بالأغاني التي كانت تحملني إلى غابات من البنفسج. وهكذا كنت بالحلم أهزم

مرارة الواقع.

صدرت لي مجموعة بعنوان “بكاء الطاولة” عام 2000 وأخرى بعنوان “الضباب” عام 2002 ثم ديواني الأخير “ما قال لي أحد هزمت”، ولي قيد الطبع ديوان جديد بعنوان “شبّار الشوك” سيصدر قريباً.

مظفر النواب إلى الإنجليزية

* أنجزت مؤخراً عملاً بمنتهى الأهمية والجمالية هو ترجمة مختارات من شعر مظفر النواب إلى الإنجليزية، حدثنا عنه ولم تم اختياركم له؟

– مظفر النواب، القامة الشعرية الأبرز والأرفع، لا على الساحة العراقية فحسب، بل العربية عموماً، النواب، الشاعر المجدد في القصيدة العربية والقصيدة الشعبية، النواب الصوت العراقي العربي الثائر، ترجمة شعره إلى لغة أجنبية تبقى طموح كل مترجم، أما ترجمتي لمختارات من شعره فقد جاءت في سياق ترشيحه إلى جائزة نوبل للآداب من قبل الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، وقد كلفت بترجمة المشروع، وقد قبلت التكليف لأن ذلك كان مشروعاً مؤجلاً قد آن أوانه. بدأت منذ أعوام بترجمة بعض الأعمال الشعرية العراقية إلى اللغة الإنجليزية بدافع تقديم الإبداع العراقي إلى العالم بهدف نشر الثقافة العراقية والأدب العراقي للآخرين، وكسر الصورة النمطية التي تشكلت عن العراق لدى الآخرين الذين أحبوا النظر إلى العراق بوصفه بؤرة للعنف والدمار. لكن ترجمة شعر مظفر النواب تختلف عن جلّ تجاربي السابقة من حيث أن شعره بعد الترجمة لم يفقد الكثير من شعريته ومقوماته كما هو الحال مع غيره، فقصيدة مظفر ليست قائمة على القافية الواحدة والبحر الشعري الواحد، كما في القصائد العمودية التي تخسر الكثير بعد ترجمتها، الموسيقى ركن من أركان قصيدة مظفر، لكنها ليست الركن الوحيد، فهناك البناء السردي للقصيدة، والصور الشعرية المتفردة التي يوحدها الرمز والتكرار في بعض الأحيان، كما أن الثيمات الكونية التي يطرحها النواب في شعره تجعل قصيدته شامخة حتى بعد ترجمتها. وهي فرصة لتقديم النواب للحلقات الأكاديمية من أجل دراسة شعره من قبل الطلبة والباحثين، وقد ذكرت في مقدمتي للكتاب بعض المقاربات التي يمكن من خلالها تناول شعر النواب، ومَن من شعراء العالم يمكن مقارنته بالنواب في إطار دراسات الأدب المقارن.