علاوي الحلة.. شهدت اعدام “فهد” والبعثيون شيدوا فيها نصباً لمسيرتهم

2٬246

عبد الجبار العتابي/

علاوي الحلة أو العلاوي،كما هي شهرتها، محلة بغدادية قديمة لكنها الآن منطقة تعد الأشهر في صوب الكرخ، وقد اتسعت رقعتها وأصبحت مركزا مهما في مدينة بغداد، بل أنها لسنوات ليست بعيدة كانت تسمى (بغداد) لأنها النقطة الأبعد بالنسبة لسكان الكرخ الأطراف في الأقل، أو المكان الأكثر دهشة لاسيما للذين كانوا يجدون فيها سوقهم الكبير الذي يتبضعون منه أو يسافرون من كراجها الى بعض المحافظات أو الى أحياء بغداد أو يرتادون (حدائق العاب السكك) هناك،وبقدر ما تحطمت (سفينة البعث) على أطرافها،فأنها تحمل ذكرى مؤلمة للشيوعيين، وهي الآن مساحة واسعة من العمل والمعالم التي تتميز باطلالاتها وأهميتها.

عابقةبالمتعة

قد لا تسحر علاوي الحلة الكثيرين حاليا،كونها مكتظة على الدوام ومزدحمة بالناس والباعة الجوالين والسيارات والصخب والأشياء المختلفة الألوان والأشكال، إلا أن المتأمل خاصة في صباحاتها الباكرة وفي مساءاتها المتأخرة سيجدها عابقة بالمتعة التي لا تضاهى لاسيما إذا ما تهادى على رصيفها الشرقي وتمعن في أزقتها ودكاكينها ومقاهيها ومطاعمها وحماماتها وفنادقها وعاين وجوه الناس، فهناك سيجد تواريخ ممتدة داخل الوجوه والأمكنة تحكي قصص الحياة والأجمل اكتشاف تلك الروح الكرخية المرحة الطيبة التي يختزنها الكثيرون بين ثنايا أرواحهم،وحينما يمضي سريعا نحو الماضي القريب بعقود السبعينات والثمانينات والتسعينات سيجد هناك عوالم مختلفة وأن ما زالت بقايا منها، هناك .. ستتفتح عيناه في أول الفجر على الدخان المنبعث من داخل المطاعم الصغيرة التي طالما كانت (الشوربة) هي الوجبة الصباحية الرئيسة وأن كانت هناك بعض مطاعم (الباجة) التي لا يذهب اليها الا عدد قليل، فيما هناك باعة الشاي في الاكشاك الصغيرة وحولها يحلق العمال والجنود، وازاء كل هذا ليس هنالك من صوت سوى صوت القارئ عبد الباسط عبد الصمد يملأ المكان الهادئ الندي، كما سيرى أمثال هؤلاء العمال والجنود يحلقون حول بائعات القيمر اللواتي يفترشن الأرض وأمامهن (صواني) القيمر، يبيعن بصحون صغيرة او بالصمون وهن ينادين على العابرين (كيمر .. كيمر وجاي)، والحال يتكرر نزولا الى منطقة كراج العلاوي حيث تشهد حضور العربات التي تبيع أنواع الأكلات الشعبية، لكن ما يلفت النظر هناك وجود العديد من الفتيات الشابات يبيعن الشاي وهن جالسات أمام معدات بسيطة، فيما تتعدد (بسطيات) بيع السكائر بالمفرد التي هي السائدة آنذاك، بيد أن الصورة لن تكتمل الا بوجود عناصر (الانضباط العسكري)، بزيهم الملفت للنظر الموشح بالأحمر، الذين يجوبون المكان طولا وعرضا بحثا عن الهاربين عن الخدمة العسكرية او المتأخرين عن الالتحاق بوحداتهم ويتعرضون لكل شاب عابر من هناك وتراهم يشعرون بالفرح اذا ما مسكوا شخصا لزجه في قفص سيارتهم الخاصة ومن ثم اخذه الى مقرهم في الحارثية.

ولم يكن كراج العلاوي حينها الا ساحة كبيرة من دون سياج تدخلها السيارات بتنسيق ما بين خطوط النقل فيما كانت سكة نهائية للقطار تمر من أمامه مخصصة لمناقلة القاطرات، واذ كانت حقبة السبعينات وبعض من الثمانينات تشهد ظاهرة (السكائر القجق) وخاصة (الروثمان) فقد كان باعتها وخوفا من رجال الأمن الاقتصادي يخبئونها في حفر تحت سكة القطار.

ويمكن الاشارة الى أن العلاوي تشتهر بكثرة الفنادق فيها وأن كانت صغيرة ومن عدد كبير من النجوم وقد كان الجنود وعمال المحافظات روادها الدائميون لكن أغلبها الآن متروك ومهمل ورواده من الباعة المتجولين الاتين من المحافظات والعمال البسطاء ايضا.

أصل الكلمة والمكان

مفردة (العلوة) في اللغة العربية معناها: التلّ، الارتفاع لمرة واحدة، الطلعة. من العلوّ وهو الارتفاع. ولكن (العلوة) باللهجة العراقية معناها: السوق أو سوق الجملة، وبالرغم من الحيرة التي يرسمها الاسم لاسيما ارتباط كلمتيه (علاوي) و(الحلة)، حيث الحلة مدينة تبعد عن بغداد نحو 60 كم، إلا أن هناك من يرى بساطة التفسير خاصة اذا كانت التسمية شعبية، كما يبدو، وقد أكد لنا بعضهم أن التسمية جاءت لكون هذا المكان الذي تباع فيه الخضر (العلوة) جمعها (علاوي) مصدرها من الحلة، لكن الباحث الدكتور عماد عبد السلام رؤوف له رأي آخر حيث يقول:تقع محلة علاوي الحلة بين محلات الشواكة والصالحية والدوريين والسيف، والعلاوي جمع علوة وهي مناثر الحبوب والخضر مما يباع جملة، نسبت الى باب الحلة،من أبواب سور الجانب الغربي من بغداد، وهو الذي يفضي الى الطريق المؤدية الى الحلة،وقد شيد السور لاول مرة في أوائل القرن الثاني عشر الهجري (18 م) وأعيد بناؤه مجددا في أوائل القرن الثالث عشر الهجري (19 م)، وجعلت له أبواب أربعة أحدها هو باب الحلة المذكور،ولقرب هذا الباب من نهر المسعودي فقد عرف أيضا بباب المسعودي،بل عرف الطريق النافذ من الباب الى محلة الشواكة بدرب المسعودي وكانت العلاوي عنده.

ويضيف: وتظهر خارطة بغداد لجونز سنة 1853 منطقة باب الحلة بين الكريمات والشواكة والسور وقد بدت خالية من المباني والمزروعات، بينما تظهر الى جانبها أرض زراعية تأخذ شكلا معينيا تسمى العلوة،فهذه العلوة هي التي ستعرف فيما بعد بعلاوي الحلة، ومنه اخذت المحلة المجاورة اسمها، ويشير سجل المحكمة الشرعية ببغداد لسنة 1288 هـ/1813 م الى محلة باسم (محلة العلاوي) مطلقا، دون أن ينسبها الى موضع آخر، وتظهر خارطة بغداد التي وضعها السيد رشيد خوجة سنة 1908 حالة علاوي الحلة وقد شملت أجزاء من جنوبها بساتين نخيل، وهي المنطقة التي تقابل اليوم مباني المتحف العراقي، وبازائها بستان ابراهيم أفندي الارضورملي التي تحولت فيما بعد الى محلة صغيرة بالاسم نفسه والى جانبها بستان ينسب الى مالكه حسون،وبين البساتين طريق ينفذ الى نهر المسعودي المندرس عهد ذاك،ويجتاز الطريق هذا النهر من خلال قنطرة حجرية،اما باب الحلة نفسه فقد شغلت أرضه وربما مبناه ادارة عربات الحلة وكربلاء، كما يلاحظ أن جزءا كبيرا من السور الذي كان يمتد من محلة الكريمات وباب الشيخ معروف عند محلة المشاهدة قد ازيل تماما.

الكرخ 216

وعلاوي الحلة ..المسجلة رسميا من محلات بغداد عام 1921 أصبحت تشتهر بكل تلك المساحات الممتدة من المحطة العالمية الى أعالي المكان يسارا ويمينا، ولكنها حسب التصنيف الجديد لأمانة بغداد فهي تحمل اسم ورقم (الكرخ / 612)،ويمكن الاشارة الى أن تاريخها القديم يشمل محلة باسم (حسون آغا)، التي تتضمن بستان حسون آغا الذي كان يعرف بـ (ساحة كرة القدم)،وقد آلت ملكيتها الى مصلحة السكك الحديد،ومن ثم أنشئت عليها بناية المتحف الوطني العراقي عام 1966 وجامع سعد بن ابي وقاص، الذي كان يعرف في بداية تأسيسه عام 1966 بجامع عبد السلام عارف. وتشمل حدود هذه المحلة منطقة المتحف والمناطق السكنية المجاورة لها. وحسون آغا من أغوات الأتراك في العهد العثماني المتأخر.

معالم المكان

اما أهم معالم هذه المحلة فهي مقهى علي عرب،الواسعة التي تحولت الى مصنع أهلي صغير،يعود تاريخها الى عام 1934م. وهناك أيضا سينما بغداد (الارضروملي) المغلقة حالياً،والتي كانت خاناً واسعاً تعود ملكيته الى الحاج علي المسير حيث تباع فيه الجاموس والبقر والذي آلت ملكيته الى ابراهيم الارضروملي والد قدري ارضروملي الذي أنشأ على أرضه دار السينما.اما الخان المجاور للسينما فتعود ملكيته الى الحاج حسن المسير شقيق الحاج علي المسير، اما قصر حسون آغا الذي يقع في وسط هذه المحلة فقد اشتراه الحاج علي المسير، ولايزال قائماً الى الآن.

واشتهرت العلاوي بوجود حدائق السكك التابعة للمحطة العالمية للسكك الحديد التي تحوي حديقة للحيوان أنشئت عام 1964، وكانت هي المتنفس الوحيد للعوائل ولكنها محدودة جدا وصغيره وتعتمد على مسرح للأعياد ومشتل زهور وبعض الألعاب البسيطة ومطعم وكازينو وبعض الاكشاك الصغيرة، ومكانها بالضبط الآن (كراج الشمال)، وقد هدمت بعد إنشاء منتزه الزوراء الذي انتقلت حديقة الحيوان.

ومن معالم المكان جامع البنية الذي بني على غير عادة الجوامع التي تبنى في المناطق السكنية مجاورا لكراج العلاوي، شيد على أرض مساحتها خمسة آلاف متر مربع، شيده محمود جاسم أحمد البنية وتم افتتاحه في 31/5/1974، ووضع التصاميم والخرائط التفصيلية وأشرف على تنفيذها المهندس قحطان المدفعي وتولى المرحوم هاشم الخطاط كتابة الآيات القرآنية الكريمة لتزيين جدران الجامع والقبة.

ساحة المتحف

وفي العلاوي ساحة وحيدة شهيرة هي (ساحة المتحف) نسبة الى المتحف العراقي القريب منها التي اختارها الحكم الملكي لأعدام مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف (فهد) (1901- 1949) واثنين من رفاقه في 14 شباط 1949 شنقا بحضور السفير البريطاني، بعد أن اتوا بهم من سجن الكوت!!، والطريف أن في المكان الذي نصبت فيه منصة الاعدام تم وضع تمثال لـ (اسد بابل) قبل ان يزال ويقام على أرضه نصب (سفينة البعث) او (المسيرة) للنحات خالد الرحال (1926 – 1986)، عام 1979 قبل أن يتم هدم رموزه بعد عام 2003 والابقاء على هيكل السفينة الكونكريتي ليكون مأوى للجرذان والطحالب.

العلاوي.. الآن!!

جولة في أرجاء علاوي الحلة، في شارعها العام وفي أزقتها التي ما زالت تمتلك تلك الملامح البغدادية العتيقة من حيث الضيق والطراز القديم والنكهة التي تضرب في الذاكرة،لكنها مهملة وغير قادرة على أن تتطور،فيما شارعها تغيّر كثيرا وقد تبدلت بضاعة دكاكينه فقلّ عدد المقاهي والمطاعم، قد لا يعجبني شيئا ما فيها ولكنني أقول أنها العلاوي التي هي مصدر رزق للناس ومن الممكن غض الطرف لأن ظروف العيش غير موضوعية.