التعليم بحاجة إلى عملية جراحية تعيده إلى الحياة!

982

#خليك_بالبيت

إياد عطية الخالدي /

أعادت جائحة كورونا التفكير بفلسفة التربية والتعليم والمعايير والأساليب التي تحكمها، وعما إذا كانت العملية التربوية والتعليمية تجري بالتناغم مع عملية تخطيط ستراتيجي، تضع لبناته أعلى السلطات في البلاد، أم هي عملية تختص بها الوزارتان المعنيتان في تسيير شؤون التربية والتعليم.
يعتقد كثير من المعنيين والخبراء في مجال التربية والتعليم، أن أية فلسفة تنبثق لتطوير هذا الميدان ينبغي أن ترتبط بفلسفة إدارة الدولة، إذ لا يمكن فصل واقع التعليم عن واقع البلاد، ولهذا فإن تطور البلاد يرتبط بالتعليم والعكس صحيح تماماً، والعملية برمّتها حلقات متماسكة لا ينفك بعضها عن بعض، ومن المستحيل التفكير بإحداث تطوير في قطاع التربية والتعليم دون أن ترافقه عملية متكاملة في تطوير شتى الميادين قائمة بالأساس على وعي كبير بأهمية التربية والتعليم في إحداث الفارق في أية ستراتيجية للبناء والتطور.
مؤشر دافوس والعراق
يحتل العراق المرتبة ١٢٠ بحسب مؤشر دافوس لجودة التعليم متقدماً على الصومال فقط، في حين احتلت قطر المرتبة الرابعة عالمياً، ما يشي بانهيار مريع في منظومة التربية والتعليم، وفي هذا الإطار تؤكد الدكتورة في العلوم التربوية والنفسية بوزارة التربية نجية الدليمي أنه لا يمكن الاعتماد على وزارة تخضع في عملها إلى آليات لا تمت إلى البناء المؤسساتي بصلة، ولا يمكن أن نتوقع منها التفكير بعملية أو برنامج حقيقي للتطوير، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وما يجري في أغلب المؤسسات في الدولة هو صراع للاستحواذ على المناصب والامتيازات والمكاسب غير المشروعة، ولم تطرح برامج كبيرة تعيد النظر بفلسفة التعليم والغاية منه، وحتى ما يطلق عليه “تطوير المناهج” يناط بمجموعة من المعنيين، لا تضع الأسئلة الكبيرة نصب أعينها، وتعتقد أن لا علاقة لعلم النفس بمناهج الرياضيات والقراءة على سبيل المثال، وهذه اللجان يجري التنافس للانضمام إليها لما توفره من امتيازات ورحلات خارجية لأعضائها.
رؤية جديدة
يشدد الدكتور أحمد الفرطوسي، الأستاذ في كلية التربية جامعة بغداد، أنه أصبح من الضرورة بمكان تجديد فلسفة التعليم بما يجعلها قادرة على مواكبة منظومة التطور الحاصلة في هذا الميدان عالمياً.
ويرى الفرطوسي أن الفلسفة الجديدة ينبغي أن تفكر بربط مخرجات الجامعات بسوق العمل، لكي لا تتحول الجامعات إلى مجرد أمكنة لنيل الشهادات دون أن تكون هناك حاجة فعلية، فينبغي إعداد خطة شاملة بهذا الشأن تُعلَّق بموجبها اختصاصات معينة، وتُفتح أخرى.
ويؤكد الفرطوسي أن الستراتيجية يجب أن تعمل على تطوير أساتذة الجامعات وإرسالهم في دورات طويلة لتعلم اللغات، وتطوير المهارات، ليتم نقل تلك الخبرات إلى الجامعات العراقية، “وفيما يخص مسألة تجديد المناهج فهي أخذت طريقها للتنفيذ بحسب علمي وهناك لجان وزارية في عضويتها أساتذة من عموم الجامعات العراقية وفي التخصصات المختلفة تجدد كل سنة وظيفتها مطابقة مديات التطور في جامعاتنا مع نظيراتها في المنطقة والعالم”.
وشدّد الفرطوسي على ضرورة مراعاة مسألة ميول الطالب، وأن تؤخذ بالحسبان إمكاناته ومهاراته ولكن على وفق المعطيات التي يقدمها الطالب نفسه، فليس من المعقول ترك الأمر مفتوحاً لخيارات الطالب من دون ضوابط تبرمج مستواه العلمي، وقدرته العقلية، ومستوى الذكاء لديه، وقدرته على التماهي مع طبيعة الكلية التي يُقبل فيها.
فلسفة التعليم
ويعتقد أ.د. كاظم نوير، عميد كلية الفنون جامعة القادسية، أن فلسفة التعليم تقوم على فلسفة الدولة أو النظام السياسي، وعلى ذلك يجب أن تكون الأهداف العامة والخاصة واضحة، وعلى فلسفة التعليم أن تراعي ظروف البلد وإمكانياته حتى يمكن تحقيق الأهداف الوطنية المخطط لها، فلا تكون الأهداف المرسومة خيالية وغير قابلة للتنفيذ بسبب ضعف الإمكانيات البشرية أو المادية مثلاً، ونحن نعاني من هذا الآن على مستوى الجامعات أو مدارس وزارة التربية، أو أنها تتعارض مع أفكار المجتمع ومبادئه بشكل كبير.
من ذلك كله؛ فالعملية التربوية تحتاج رؤية واضحة وعملية وواقعية وطموحة ووطنية وخطط طويلة الأمد وقصيرة الأمد مع مستمرة وواقعية لما تحقق وما يمكن تحقيقه.
ويؤمن نوير بأهمية وجود ترابط بين مخرجات وزارة التعليم العالي ووزارة التربية والوزارات الأخرى المرتبطة بالعملية. بعض مشكلاتنا تتعلق بانفصال الفلسفة أو الأهداف العامة عن مجريات العملية التربوية ومخرجاتها، فنكون عندئذ في خداع كبير يتراكم مع مرور الوقت وتصبح عملية إصلاح التعليم صعبة ومكلفة، هذه العملية تحتاج المتخصصين والخبراء المخلصين والوطنيين القادرين على دراسة الواقع المحلي وما يجري في العالم وربط كل البرامج بالفلسفة الوطنية للوصول إلى نجاحات ملموسة في قطاعات التعليم المختل.
الدراسة عن بعد
من جهتها، تقول أسيل الزند، مدرسة مادة اللغة الإنكليزية في ثانوية (سما بغداد)، إن جائحة كورونا قد كشفت أكذوبة الدراسة عن بعد، وأثبتت بما لا يقبل الجدل أن المدرسة والجامعة هي الأماكن المهيأة للعلم، يمكننا أن نطور التعليم بالاستغناء عن الكتب المنهجية التي تحاول أن تجعل الطالب آلة لحفظ المادة وليس تعلمها والتفاعل معها، لكننا لا نستطيع أن نعوض المدرسة بالدراسة عن بعد، وعلى أهمية التعليم الإلكتروني فإنه ينبغي أن يكون بديلاً عن الكتاب وليس المدرسة.
وترى الزند أن الحديث عن تطوير فلسفة التربية والتفكير بعمل تربوي يضاهي ما يحدث في دول العالم المتقدم هو ضرب من الخيال، فالتعليم في العراق يفتقر إلى الالتزام والتمسك بقيم المهنة “ويمكنني أن اقول إنه تعليم فاشل من كل النواحي ويعتمد الطالب اعتماداً كبيراً على التلقين أي التحفيظ بدون فهم ولا إدراك للمادة”.
وأشارت الزند إلى أنها حضرت العام الماضي دورة للمعهد البريطاني وكانت مفيدة، وتضيف “لا تعتقدوا أن المدرسين لا يشعرون بمرارة الواقع، وأنهم مستسلمون، لكنهم لا يجدون عقولاً تتفاعل مع مقترحاتهم وبحوثهم المتعلقة بتطوير التربية والتعليم.”
وبينت الزند أنها ألقت بحثاً عن كيفية تحسين اللغة واللفظ والطرائق الحديثة لتعليم اللغة لقيَ الثناء والتقدير “ولكنه لم يتجاوز القاعة التي كنا نجلس فيها، فعلى ما يبدو أن الجهات المعنية بتطوير المناهج تحتكره ولا تسمح للآخرين حتى بمساعدتها.”
حبُّ المدرسة
تشرح حنان الفلوجي التي ولدت ودرست في العراق المراحل الدراسية الأولى، قبل أن تغادر إلى سويسرا، حيث تقيم منذ أكثر من أربعين سنة، كيف أن الحكومة في سويسرا تتولى التعليم مع وجود مدارس أهلية.
وتقول إنها لاحظت أن المدارس هناك لا تفكر بالدرجات التي يحصل عليها الطالب في السنوات الثلاث الأولى، لأن الفلسفة هناك قائمة على جعل الطالب يحب العلم والمدرسة، ويتعلم فيها احترام القوانين، والتعاون ، وحقوق الإنسان، والاهتمام بالنظافة، والتغذية ، واحترام الوقت، والالتزام، وهذا الأمر غير موجود لدينا، إذ يهرب التلاميذ من المدرسة في العراق بسبب الخوف من العقوبات التي تنتظرهم إذا لم يحضِّروا الواجب فضلاً عن تحميلهم مبكراً أعباءً وواجبات لا تناسب أعمارهم.
وبينت الفلوجي أن الطالب يختار نوع دراسته، بحسب ميوله ومواهبه ومؤهلاته، منذ المرحلة الثانوية، وأن اختياره للجامعات يمر عبر اختبار الرغبة والمواهب والمؤهلات والدرجة الامتحانية، وتكون المسؤولية في الاختيار على الطالب وأسرته، وبينما في العراق يكون هم الطالب وعائلته بلوغ كلية الطب، فإن سويسرا تولي كلية القانون اهتماماً كبيراً، إذ يحصل المحامون “هنا” على فرص واسعة، ويكون دخلهم أكثر من الأطباء ودراستهم أطول، والطالب هناك لا ينتظر وظيفة من الحكومة، بل ينظر إلى مواهبه وشغفه ليتوجها بشهادة تدخله سوق العمل.
نهضة الأمم
وبحسب الأستاذ خالد العضّاض فإن التعليم يرتبط بنهضة الأمم، وسنُدهشُ كثيراً إذا ألقينا الضوء على تجارب كثير من الدول التي طالما نُعتت بالتخلف والفقر والجهل والبطالة ثم تحولت إلى نماذج للدول المتحضرة، ويمثل النموذج السنغافوري تجربة ملهمة للشعوب والدول المتطلعة إلى التقدم والازدهار.
عندما اتخذ (لي كوان)، مؤسس النهضة السنغافورية، القرار بنقل بلاده من خانة التخلف ومستنقع الفساد، ارتكز أولاً على تطوير التربية والتعليم، فصنعت سنغافورة واحداً من أرقى أنظمة التعليم في العالم، هذا “يدفعني إلى القول إن التفكير بالنهوض بالتعليم يعني التفكير بتطوير البلاد ونقلها إلى مرحلة أخرى، ولن أضيف جديداً إذا قلت إن نظام التربية والتعليم لابد أن ينتج أولاً عن تغيير السلوك الفردي والاجتماعي لدى السكان، فهم أداة البناء، هذا يعني أن القصة ليست كتباً ومناهج ومدرسين، القصة هي فلسفة ووعي جديد، أدواتها المدرسة والمعلم والمنهاج، وروحها مستندة إلى أساليب جديدة تضاهي الأساليب المتقدمة في الدول التي سبقتنا ونجحت.
يضيف التربوي العضّاض: هذا يعني أن الخطوة الأولى هي قرار بناء دولة، والخطوة الأخرى الإيمان بأن التربية والتعليم هما ركيزتا هذه الخطوة، بالطبع ليس من المنطقي أن نتحدث مع المعنيين الآن في الوزارة، إذ جرى إفراغ مؤسسات الدولة من الكفاءات الحقيقية، ولهذا ينبغي أن نبحث عن الكفاءة والعزيمة على التغيير، لأن التربية الآن منهارة لأنها تجري بلا خطط ولا أقول بلا وعي وفلسفة، وتقام على أدوات فقيرة، سواء أكانت بنايات أو أشخاص، أو أساليب، وهذه كلها تحتاج إلى إعادة تأهيل جديدة.
ويشدد العضّاض على أهمية أن تعي الدولة بجميع مؤسساتها، ولاسيما التربية والتعليم، أن المسألة ليست منهاجاً ونجاحاً ودرجات، المسألة وعي بأن نربي إنساناً ونعدّه بعد التخرج ليمارس دوره في بناء الوطن، نزوده بالقيم الأخلاقية ونزرع فيه الثقة ونستثمر طاقته وندعمها، الموضوع ليس أعداداً كبيرة من الخريجين لا يعرفون ما يفعلون سوى اللهاث وراء وظيفة حكومية، مهمة التعليم أبلغ، فهو نظام حضاري لبناء الإنسان وتشكيل قيمِهِ وأخلاقياته.
فيما يقول الإعلامي علي الموسوي: في النرويج لا يجرون امتحانات لتمييز الطلبة لغاية الصف السابع، حتى لا يشعروا بالتمييز والفروق بينهم في المراحل الأولى من الدراسة، ويمضي الطلبة هناك ثماني ساعات في المدرسة ثلاث منها فقط للدراسة والبقية للتعليم بواسطة الألعاب، تبدأ الامتحانات بين الطلبة في الصف السابع حيث يفجر الطالب طاقته في هذا السن.
ويوضح الموسوي أن المعلمين هناك يجري إعدادهم ليكونوا مربّين يفهمون في الجانب النفسي والاجتماعي، ما يجعلهم ناجحين في تفهم التلاميذ نفسياً واجتماعياً، وقادرين على حل مشكلاتهم في هذا الجانب، مبيناً أن الدراسة هناك تعطي حيزاً كبيراً لتعليم الأخلاق، والحوار، واحترام الاختلافات، فهم لا يدرسون الدين المسيحي فقط بل تتضمن دراستهم التعريف بجميع الأديان وتتضمن كثيراً من الزيارات والرحلات، حيث يمكن أن ينظموا رحلة إلى المسجد ليشرح لهم رجل الدين المسلم الدين الإسلامي وكذا الأمر بالنسبة إلى المعبد والكنيسة.
التجربة الفنلندية
ولفت الموسوي إلى أن أي بلد يريد أن يتقدم في مجال التربية والتعليم لابد أن يتوقف أمام التجربة الفنلندية، حيث تحتل فنلندا المرتبة الأولى عالمياً، وبحسب الأب الروحي للتعليم الفنلندي الدكتور “باسي سالبرغ” فإن أول خطوة اتخذتها فنلندا للنهوض بالتعليم هي التخلص من الجراثيم التعليمية، وفي نظره هي ست جراثيم من بينها تكثيف المواد وكثرة المواد وإطالة وقت الدوام والواجبات المنزلية، والمواد المعقدة، وهذه عدَّت ممارسات غير تربوية من شأنها إرهاق الأستاذ والتلميذ معاً، وإضعاف عملية التعليم جملة وتفصيلاً:
الجرثومة الأولى، وهي تكثيف المواد، وهي إحدى أهم الجراثيم التي يتم التعامل بها مع الطالب بالكم وليس بالكيف؛ كم يحفظ من المعلومات؟ إذ يتلقى يومياً كماً كبيراً من المعلومات، وكأنه خزان معلومات وليس كائناً مفكراً.
لهذا تجد الطالب يعبُّ ويخزَّن من المعلومات ما استطاع إلى ذلك سبيلا..! حتى إذا جاء الاختبار أفرغها في الأوراق وخرج من القاعة وهو لا يكاد يتذكر شيئاً، لأنه أفرغ ما حفظ من المعلومات، ولا يمكنك أن تتوقع استيعاب العقل إذا ظلَّ يشتغلُ متواصلاً دون راحة، لهذا فإنّ الحصص الدراسية في فنلندا مفصولة باستراحة لعب وترفيه مدتها ربع ساعة، يستريح فيها العقل ويتجدد فيها النشاط، ويتنوع فيها التفكير.
الجرثومة الثانية التي تخلصت منها فنلندا هي كثرة الاختبارات والامتحانات. لقد فعلوا خيراً في الطالب بإبعاده عن شبحِ الاختبارات والامتحانات المرعب. يقول الموسوي “جاءني ابني العام المنصرم بعد اليوم الأول من سنته الدراسية الأخيرة وهو محبطٌ نفسياً، لأنّ المعلَّم قد انهال عليهم بالوعيد والتهديد من الامتحانات التي لا ينجو منها إلا ذو حظٍّ عظيم.
ورأت فنلندا، هذه الدولة النابغة في التعليم، أنَّه إذا اطمأن الطالب في يومياته الدراسية، استطاع أن يفكر ويعبِّر ويتطور. أمّا التشديد والتهديد بالاختبارات، فإن له عواقب انسحابية خطيرة، ابتداءً بمشاعر التوتر والقلق، مروراً بالضغوطات النفسية الحادة، وصولاً في حالات مؤسفة إلى المفاضلة بين التعليم أو الحياة، وكأنّ التعليم مناقض للحياة.
إنَّ أعظم ما تراه فنلندا في هذا الصدد هو أنّ دور المدرسة أكبر من أن تحكم على طالب من خلال ورقة، فهم هناك يرون أن التعليم ليس للتقييم.
الجرثومة الثالثة هي إطالة ساعات الدوام، وتعني إنهاك الطالب ذهنياً وإرهاقه جسدياً، ما يتسبّب بضعف التركيز لديه، ولاسيما إذا ارتبطت إطالةُ الوقت بحشو المعلومات الذي يسبب إهدار الوقت وزيادةِ الملل للطالب والمعلم على السواء..!
لقد رفعت فنلندا شعار “تدريس أقل، تعلُّم أكثر” وهو ما يعني تقليل وقت التدريس مع تعلُّمٍ أكثر، لأنّ فنلندا ترى أنّه لا توجد علاقة بين زيادة أوقات الدراسة والتفوق، بل على العكس من ذلك، إذ لوحظ أنّ الدول التي يتفوق طلابها كانت تقلِّل من ساعات دوامها الدراسي! في حين أن الدول التي أظهرت تدنياً في مستويات طلبتها هي التي كانت تعتمد على زيادة ساعات الدراسة.
الجرثومة الرابعة هي الدراسة المنزلية وحل الواجبات وعمل الأنشطة في البيت، إذ ترى فنلندا أنَّ للطالب الحق في الاستمتاع بوقته خارج وقت المدرسة، ولا يجب الاستحواذ عليه، وأن له الحق في قضاء أوقاتٍ مع أسرته بدلاً من تمضيةِ الوقت في حلِّ الواجبات والأنشطة، ما يتسبب في عزل الطالب اجتماعياً وعاطفياً عن أجواء الأسرة، ولهذا عواقبه النفسية والعاطفية على الطالب. لذلك فإنّه لا بد أن يمنحَ كلَّ جانب من جوانب الحياة حقَّهُ من الاهتمام والرعاية والعناية حتى ينشأ الطالب متوازناً في شخصيته.
الجرثومة الخامسة هي الدروس الخصوصية، إذ أنّ لوجود الدروس الخصوصية تفسيراتٌ عدَّة مختلفة أو متحدة وهي إمَّا لأن الطالب لا ينال حقَّهُ في الفصل الدراسي بسبب كثرة الطلابِ، أو عمق المعلومات وتفاوت الذكاءات، أو لأنَّه لا يركِّزُ الانتباهَ في شرحِ المعلِّم اتكاءً على الدروس الخصوصية، أو لأنّ المعلم لا يبذل الجهدَ المتوقع لإيصال المعلومة.
ستراتيجيات على الورق
وعلى الرغم من أن وزارة التعليم وضعت، من قبل، ستراتيجية للنهوض بالتعليم، إلا أن هذه الستراتيجية التي تهدف إلى اتباع أفضل الأساليب العلمية، للارتقاء بالمؤسسات التعليمية والجامعات والمراكز العلمية والبحثية بما يواكب التقدم الحاصل عالمياً، لم تحقق أهدافها في رفع مستوى جودة التعليم، وخلق فلسفة تعليمية يعتد بها.
وشملت الستراتيجية خطة عمل تنفيذية هادفة بدأت في الأعوام (2009 – 2013)، ضمن جدول زمني يحدد الأعمال والنشاطات والجهات المسؤولة عن تنفيذ كل عمل، والوقت المحدد للتنفيذ في ضوء المؤشرات والنتائج المتوقعة.
تأخذ الستراتيجية بعين الحسبان توفير فرص التعليم للجميع وتلبية احتياجات المجتمع العراقي الحالية والمستقبلية المنسجمة مع أهداف التنمية وخططها، وذلك بهدف الوصول إلى خريجين مؤهلين لتلبية هذه الاحتياجات.
وتقول الوزارة في ستراتيجيتها لتطوير التعليم إن فلسفتها في التعليم تهدف إلى بناء الإنسان الواعي المتسلح بالعلم والمعرفة والقادر على الإبداع والتعامل مع مستجدات العصر على نحو متفتح وهادف ويحترم التنوّع والتمايز والحوار بين الثقافات وتهيئة البيئة المناسبة لتعزيز قدرات العاملين في التعليم العالي، بما يؤدي إلى تطوير واقع الوزارة ومؤسساتها العلمية والبحثية وبناء مجتمع معرفي متطور يرتكز على المضامين القيمية ويتعامل مع مستجدات العصر والتحديات التي تواجه المجتمع.
منظومة التعليم العالي
واشتملت الستراتيجية على خطط لتطوير البيئة الجامعية وتعزيز مكانة الأستاذ الجامعي ودوره العلمي والقيمي، وتعزيز روح المواطنة لدى الطالب.
وأكدت الستراتيجية على العدالة والمساواة في التعاملات، لإحداث التنمية البشرية المستدامة وإعداد مواصفات دقيقة لأعضاء الهيئة التدريسية وموظفي التعليم العالي، واهتمت بالتنمية المستدامة لقدرات التدريسي الجامعي العلمية والبحثية، وتحديد مواصفات دقيقة للخريجين (تطابق معايير الجودة).
لكن مراقبين وتربويين يؤكدون أن هذه الستراتيجية ليست سوى خطة ضعيفة، لم تعالج حتى المشكلات الراهنة التي يمر بها التعليم، حيث التدخلات الحزبية السافرة، وحيث الفساد وغياب الرؤية، وضعف الإدارة وعدم الالتزام بالمعايير العالمية، وأن واقع التعليم المزري يحتاج إلى فلسفة عمل جديدة تعالج الجسد التربوي والتعليمي من الأمراض الكثيرة التي يعاني منها٠
وقد دعا عضو لجنة التعليم في البرلمان العراقي برهان المعموري إلى العمل على استقلالية التعليم وإبعاده عن الصراعات الحزبية وإشراك الكفاءات العلمية والمهنية والأكاديمية البعيدة عن التحزب وتسليمها المناصب العليا في الجامعات، مشدداً على ضرورة إعادة النظر برؤساء الجامعات لتعديل مسار التعليم في العراق وبما يسهم في رفع مستوى الجامعات وعودتها إلى مصاف الدول المتقدمة في العالم.
ويسود اعتقاد راسخ في الأوساط العلمية بضعف المخرجات الجامعية العراقية، وعلى أن البلاد لن تنتفع من هذه الأعداد التي تحمل شهادات لا تساوي قيمتها وعناوينها، كما أن استحداث المزيد من الكليات الأهلية تحول إلى عملية فساد وإفساد للتعليم، وجعل من الجامعات مجرد دكاكين لبيع الشهادات، وأن العديد من الجامعات والكليات الأهلية تمارس جريمة كبرى بالتواطؤ مع المعنيين بحق العلم والتعليم، تلحق نتائجها أضراراً بالغة بمستقبل البلاد وتطلعات أهلها في تحقيق التقدم والتنمية.
إن محاولات التعكُّز على حلول ترقيعية لن تنفع البلاد ولا التعليم، ولن تنقذها من المستنقع الذي دفعت إليه، وأول الحلول هو الإقرار بأن التعليم في العراق هو من بين الأسوأ عالمياً وعربياً، وأنه بحاجة إلى خطة إنقاذ تبنى على فلسفة جديده تعيد للتعليم مكانته، فليس بوسع أحد أن يحلم ببلد متطور وتعليمه منهار تماماً.