أحلام وهبي.. فراشة بغداد تغادر حدائقها
#خليك_بالبيت
محسن إبراهيم /
فراشة بغداد وصاحبة الصوت الشجي، حضور بهي ملفت وصوت استثنائي وأداء عفوي، تمتلك كاريزما خاصّة وقلباً طيباً كما يصفها المقربون منها، امرأة مجتمع وفن وسفيرة فوق العادة لقيم وأصالة وتراث أرض الرافدين. تمتّعت بتاريخ فني ثري سواء في الغناء أو التمثيل. فرضت نفسها على الساحتين العراقية والعربية وتعاملت مع كبار الملحنين وأضافت فرحاً غير مألوف لأغنية المرأة في العراق. فراشة بغداد التي حلّقت في حدائق بيروت والقاهرة ناثرة بأحاسيسها مذاقات شهية تركت خلفها إرثاً غنياً سيبقى صامداً في وجه الموجات الجديدة للغناء.
البواكير الأولى
في البصرة عام 1938، ولدت أحلام وعاشت في كنف عائلة فنية، فكان لوالدها الشاعر حافظ جميل الفضل بتشجيعها ولمربيتها الفنانة منيرة الهوزوز الفضل في اكتشافها كمطربة ومنذ طفولتها امتازت بصوت جميل ومميّز. وحين بدأت تعي الفن كانت مربيتها قد اعتزلت الغناء، شغفها بالفن جعلها ترتاد دور العرض السينمائي لمشاهدة الأفلام العربية، تأثرت أحلام بتلك الأفلام وراحت تردّد وتحفظ ما تسمع من أغانٍ. وفي التاسعة من عمرها حملتها الهوزوز من البصرة إلى بغداد، في بداية الخمسينيات حزمت أمرها وتقدمت إلى لجنة الاختبار كمطربة لكنّها لم تنجح، كان عمرها آنذاك 14 عاما وكانت اللجنة تطلب منها أن تعود بعد أربع سنوات، انتظرت أحلام حتى عمر 18 عاما وتقدمت للاختبار من جديد وبمساعدة زوجها بدأت رحلة البحث عن ملحن معروف وتم ذلك حين سمع صوتها الملحن أحمد الخليل وبدأت رحلة التدريب على الغناء لمدة سنتين، ثم جاء الملحن خليل مختار ومنحها أول لحن تقدّمت به الى الإذاعة ونجحت. ولاقت أغنيتها صدى طيبا لدى المستمعين لتكمل مشوارها بأغان عدة منها: “والله حرت وياج ياعيني، سبعة أيام من عمري، يوحيد يا يمة، وهلهلي وغنيلي يوم الفرح”. بعد هذا النجاح تهافت عليها الملحنون فقدم لها ناظم نعيم أول لحن وهو أغنية “هاي من الله قسمتي” وألحان أخرى كان آخرها أغنيتها الشهيرة “الله الله من عيونك”، ثم تعاملت مع الملحن عباس جميل ورضا علي وياسين الراوي ومن أبرز أغاني تلك المرحلة هي :”حلوين السمر والبيض، وتسلم حبيبي، وعيونك الزركة”.
تألق عربي
بعد أن ذاع صيتها محليا وجهت لها الدعوة لإقامة حفل فني في الكويت في العام 1965، وفي هذا الحفل التقت بالفنان فريد الأطرش، وبعد أن سمع صوتها اقترح عليها السفر معه إلى القاهرة،. كانت تجربة جديدة وفريدة فغنّت للملحن سيد مكاوي وبليغ حمدي ومحمد الموجي الذي كانت ألحانه هي الأقرب إلى صوتها. اشتركت بحفلة أضواء المدينة مع عبد الحليم حافظ وفائزة أحمد ومحمد رشدي.
بين بيروت وبغداد
بعد أن أثبتت موهبتها في الغناء اتجهت لمجال التمثيل وشاركت بأفلام سينمائية عدّة منها فيلم (بصرة ساعة 11) الذي أخرجه وليم سيمون ومن إنتاج أفلام الجمهورية، وشاركها البطولة حسين الزبيدي وعرض الفيلم عام1963.
كما اشتركت في فيلم (ليالي العذاب) مع الممثل سليم الوكيل وعرض الفيلم على شاشة سينما الخيام في العام 1961، واشتركت في ذات العام في الفيلم العربي (بأمر الحب) مع الفنان عبد السلام النابلسي الذي أخرجه أحمد سلمان وعرض الفيلم في بيروت. التي انتقلت اليها عام 1970 وعادت إلى بغداد بعد خمس سنوات وحين عودتها قامت بإعادة تسجيل أغاني منيرة الهوزوز. اعتزلت الغناء في بداية تسعينيات القرن العشرين، رغم أنّ صوتها ما زال يمتاز بالحيوية لكن تجاهل المسؤولين في الإذاعة والتلفزيون لها، أجبرها على أن تختفي عن الأضواء، وعاشت في منزلها في بغداد، وبعد أن حلّقت في حدائق الغناء لأكثر من 40 عاما. رحلت وهي تعيش عزلة تامة وإهمالاً وتجاهلاً. سكت صوتها الشجي في ردهات مستشفى الكندي في بغداد لتفارق الحياة مساء يوم الاثنين وتوارى الثرى في مقبرة جامع براثا.