أفلام قدّمت دروساً فلسفية عميقة
اعداد: مجلة الشبكة /
منذ أن انطلقت عجلة السينما تأطرت بعالم من الأحلام، من خلال الأفلام العاطفية والرومانسية والاجتماعية، أو بأفلام الحركة والإثارة والأفلام الكوميدية, وقد يخطئ الظن أن السينما وجدت للترفيه فحسب بل هي مدرسة للحياة إن صح التعبير ونافذة تتفتح فيها الأعين على اتساع الحياة بكل جوانبها.
يقول الفيلسوف دولوز: إن السينما لا تعرض صورا فقط فهي تحيطها بعالم محدد. ويقول سارتر بهذا الصدد: (لقد قذفت بكل شيء، بعالمي عالم الوعي وعالم المعرفة والذكريات وعالم الوجود، باتجاه عالم متخيّل ضمن الصورة). وعلاقة السينما بالفلسفة علاقة الصورة بالمفهوم, وبذلك يحصل التبادل بين الواقع والصورة وتبرز نظرية المكان والزمان المهمين في السينما والمحددين للمفاهيم الفلسفية, وهناك مجموعة من الأفلام المُلهمة، التي منح صناعها الجمهور دروساً فلسفية بالمجان.
السؤال الأكبر
يقف الإنسان طويلاً أمام كل خيار ويتبادر إلى ذهنه السؤال هل هذا الطريق هو الأنسب؟ أم إنَّه فخ سيكتشف عيوبه بعد فوات الأوان. وهو ما ينتج عنه السؤال الأكبر والدائم (ماذا لو؟)
بطل فيلم (السيد لا أحد) يقف أمام مفترق الطرق نفسه، ورغم صغر سنه الا أنه يضطر للاختيار بين العَيش مع والدته أو والده بعد انفصالهما، الفارق هنا أن الفيلم يمنحنا الإجابة عن السؤال الذي لن يمكننا أبداً أن نعرف إجابته، اذ يُتيح للابن السَير في طريقين متوازيين، وهو ما يستحيل حدوثه على أرض الواقع، فوحدها السينما لها تلك القدرة السحرية على السماح للخيال بقيادة الموقف. ومع مرور البطل بالتجربتين على اختلافهما. يتّضح أنه ما مِن خَيار مضمون أو أفضل في المطلق. ذلك لأن كل طريق له عراقيله الخاصة ونقاط النور التي تُزيِّنه، وأن قدرنا عَيش الحياة في سعادة وشقاء جنبا إلى جنب.
أحد الانطباعات المُسبَّقة والاتهامات المُعلَّبة التي توصم بها النساء الجميلات، أنهن غبيات، وأن جمالهن يجعلهن لا يهتمن بتثقيف أنفسهن أو صقل مواهبهن اعتماداً منهن على الجمال كمفتاح لكل الأبواب.
في فيلم (ليجالي بلوند) يُثبت عكس ذلك من خلال تجربة بطلته التي ينفصل عنها حبيبها قبل الالتحاق بالجامعة، اقتناعاً منه بأنها لا تصلح أكثر من واجهة جميلة للتفاخر بها في مرحلة الشباب، أما حين ينوي الزواج فلن تناسبه كرجل يطمح للالتحاق بالسلك الدبلوماسي.
ومع أن الفكرة نفسها تؤمن بها البطلة أيضاً، إلا أن كرامتها المهدورة تجعلها تدخل في تحدٍ لا تعرف نهايته, فتلتحق بكلية الحقوق، والكوميدي أنها تعتمد على جمالها فعلاً للقبول بالجامعة، لكن هناك يتغيّر كل شيء حين تجد نفسها أمام قضية تُحركها من الداخل، يقودها حبّ الحق والخير والجمال، الأمر الذي يجعلها تزيح الستار عن درجة من العقلانية والنضج تُفاجئ الجميع وهي أولهم.
السعي والاستغناء
إذا أردت شيئا بشدة فأطلق سراحه فإن عاد فهو مِلكٌ لك، وإن لم يعد فهو لم يكن لك من البداية على عكس المقولة الشائعة السابقة، يأتي فيلم (السعي للسعادة) المُقتبس عن قصة حقيقية، ليُحطِّم هذه الأسطورة السخيفة التي كثيراً ما تجعل الناس يستسهلون فكرة الاستغناء، بل وقد ينتظرون من القَدر أن يأخذ هو الخطوات بدلاً منهم وهو ما لم يفعله كريس بطل العمل الذي وجد نفسه فجأة في مَهَب الريح هو وطفله، بلا عمل أو مأوى أو مصدر دخل. ومع أن كل شيء حوله كان يوحي له بالاستسلام إلا أنه اختار التَعَلُّق بالحلم، ساعياً نحوه مهما بدا مستحيلاً. ولأن ليس للانسان إلا ما سعى ينجح كريس فعلاً بما ملكه من تصميم ومثابرة في الوصول لبر السعادة الذي آمن بأنه يستحقه رغم كل ما لاقاه خلال مشواره من تشكيك بقدراته ممن حوله.
الشعور بالخلل
أما في فيلم (500 يوم مع سمر) يقع توم في حب سمر من النظرة الأولى فيتمناها شريكة لحياته، ومع توطد علاقتهما ومشاعره الفياضة تجاهها يُقرر تجاهل العلامات فيسير خلف مشاعره، مُغمضاً عينيه عن أي إشارة بأن هناك خطأ ما. ولأن سمر أكثر جرأة منه، أو رُبما أكثر قسوة لا تتردد كثيرا حين ينتابها الشعور بالخلل نفسه وتتملَّكها القناعة بأن هذه العلاقة لن يُكتَب لها الاستمرار؛ فتنفصل عن توم، الذي ينهار تماماً ويتحطَّم قلبه برحيلها، ليبدأ بعدها مراجعة نفسه بحثاً عما أودى بقصة حبهما للفناء. الرسالة التي أوصلها العمل بوضوح هي أن الانجذاب العاطفي لأحدهم ووجود نقاط متشابهة بين الطرفين ليس كافياً لوضع أساس علاقة متينة سيُقَدَّر لها أن تستمر، فالعلاقات العاطفية تحتاج أعمدة إضافية لتقوم عليها.
الأمل سبيل النجاة
تُرى ماذا كنت ستفعل إذا وجدت نفسك مُتهما بجريمة قتل لم ترتكبها، وعلى ذلك حُكم عليك بالسجن مدى الحياة وباءت كل محاولاتك لإثباث براءتك بالفشل؟ هل كنت ستعتنق اليأس وتجلس مُنتظراً الموت، أم ستُحاول إبقاء فتيل الأمل مُشتعلاً حتى ولو اتهمك الجميع بالجنون؟ كانت تلك هي المعضلة التي تعرَّض لها بطل فيلم (الخلاص من شاوشانك)، الذي جاء يحمل فكرة فلسفية مُلهمة صوَّرت الأمل كطريق نجاة مهما طال لن يلبث أن ينتهي بباب مفتوح على الحياة.
كل ما يحتاجه المرء هو الإيمان بأن الخلاص آتٍ لا محالة وأن الجَهد المبذول لن يضيع هباءً، والأهم أن الصبر على البلاء ليس عجزاً؛ وإنما وقت يمكن استثماره بالتخطيط للمستقبل، ذلك لأن التَطَلُّع لحياة أفضل ليس عبثاً أو جنوناً حتى ولو كانت كل المعطيات تقول خلاف ذلك.