الأسدي : المسرح جنّتي

261

ضحى مجيد سعيد /

حصد الكاتب والفنان جواد الأسدي جائزة أفضل ممثل ومخرج في مهرجان بغداد الدولي للمسرح الثاني، الذي عقد في الفترة من ٢٠ إلى ٢٦ تشرين الثاني المنصرم ، برعاية رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
يعد الأسدي من أبرز المخرجين المسرحيين، حاز عام 2004 على جائزة الأمير كلاوس للمسرح، وعمل لمدة 14 عاماً مع المسرح الوطني الفلسطيني، ولاحقاً مع المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق.
تخرج في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1972.
أمضى 25 عاماً في الخارج، وعمل في العديد من الدول العربية. فرّ الأسدي من النظام السابق، وعاد إلى البلد بعد سقوطه.. مجلة “الشبكة العراقية” أجرت هذا الحوار مع المخرج الكبير جواد الأسدي..
تجربتي
*كيف تصف لنا تجربتك الفنية المسرحية؟
– تجربتي المسرحية تقوم على فن التمثيل والممثل، الذي هو الأساس الروحي والجسدي والإنساني، وأن سر جمالات البروفة هي الشراكة المعرفية مع الممثل، لذلك فإن اختياري للممثل عملية معقده جداً، لأن الممثل الذي ليست لديه موهبة ولا عمق معرفي، ولا يمتلك مرجعيات تشكيلية وموسيقية وثقافية، سيبدو في البروفات شخصاً فارغاً وميتاَ.
*عرف عنك أسلوبك بأنك مخرج يهتم بالممثل ويجعل منه أهم علامة في العرض.. ماذا يضيف هذا الأسلوب إلى تجربتك في التمثيل؟
ـ اختار الممثل بناء على تقصي حالاته السلوكية وطبعه الإنساني وقدراته على الصبر في البروفات الطويلة أو الشاقة وإمكانياته في تجديد روحه وجسده، وعدم الوقوع في فخ التحول إلى تمثال شمعي، كذلك قدرته على هضم التجديد اليومي في التمرين، ويحدث الطلاق المهني مع الممثل عندما يكرس العودة إلى تنفيذ البروفات تنفيذاً ميكانيكياً، وعندما يكف عن منح حياة التمارين ذلك التجديد العاصف في تطوير بنيته الشخصية، شكسبيرية كانت أم غيرها، حتى تثمر علاقتي مع الممثل الطري، عاشق يوميات البروفات، الذي لديه ذلك الزاد الشهي في إعطاء البروفات دماً حاراً وإلقاءً مبتكراً.
الشريك الروحي
*حصلت على جوائز كثيرة في مهرجانات عربية.. ما الفرق بينها وبين جائزة الإخراج في مهرجان بغداد بدورته الثانية؟
– كنت، وباستمرار، أحس بالوجع عندما تتوج مسرحياتي في مهرجانات أوروبية أو عربية، بسبب غياب ذلك الشريك الروحي والإنساني: الجمهور، وغصتي كانت كبيرة لغيابي عن البلاد ومغادرة الجمهور العراقي الذي كان الأساس الروحي والإنساني لعروض المسرح الفني الحديث مثلاً، أعتبر إعجاب الناس بعروضي المسرحية هو التتويج الحقيقي لمشروعي المسرحي، فهو يمثل بالنسبة لي أفضل جائزة.
*قدمت مسرحية (تقاسيم على الحياة) وهي إعداد عن (عنبر رقم6) للكاتب الروسي تيشخوف، التي سبق أن قدمتها في عواصم غربية ومهرجانات عربية، منها مهرجان دمشق.. ما المتغير بين العروض؟ وهل كنت تتمنى عرضها في العراق؟
ـعرضت مسرحياتي في دول عربية كثيرة وفي دول أوروبية ذات ثقافات مغايرة، لكن عيني ووجداني كانا يتجهان إلى الجمهور العراقي، لأني كنت -وما زلت- أجزم أن الفنان أينما كان، ومهما قطف من نجاحات هنا وهناك، لكنه يظل -روحاً وقلباً وفكراً- مشدوداً إلى أهله وشعبه، أبناء المصلحة الكبيرة في الشراكة الجمالية، كما حصل لي مع (تقاسيم على الحياة) أولاً في البروفات التي كانت تشبه العيد اليومي من ألفة نادرة، إلى تفانٍ في العمل، إلى قداسة في الدفاع عن العرض المسرحي. .
*بعد تجاربك الاحترافية، وها أنت اليوم في بغداد.. كيف تصف لنا جمهور المسرح العراقي؟
ـالجمهور العراقي، رغم الغيوم السياسية الملوثة التي أمطرت عليه آلاماً وجروحاً ونزيفاً، لكنه مع ذلك يستعيد عافيته تدريجياً مع العروض المسرحية ذات النكهات المتفردة، أنتمي جداً إلى هذه البلاد رغم التعسف الثقافي الرسمي الذي يعرقل ويخدش أحلامنا.
* يقال إنك تعتمد على الممثل في زمن تتعالى فيه مفاهيم موت المؤلف بحسب طروحات ما بعد الحداثة.. ما رأيك في هذا المفهوم؟
ــ فكرة استعادة ممثلين، بروح احترافية حقيقية وأصيلة تقوم على المواهب الشابة، هي ثمرة استعادة فرقة المسرح الفني الحديث، تلك الفرقة العريقة التي قدمت عروضاً جمالية وشعبية يندر أن تجد لها مثيلاً بين الفرق المسرحية العربية.
التنوع المسرحي
*أنت من المخرجين الذين يقدمون العمل المسرحي في أكثر من مكان، ومع أكثر من ممثل.. هل تتغير عندك المعادلة المسرحية، أم أنك تخضع لمعطيات وظروف المكان الذي تقدم فيه؟
ــ إن التنوع في إخراج عملي المسرحي، مع ممثلين عرب في دمشق أو في تونس أو في الإمارات أو في المغرب.. الخ، هذا التنوع منحني إمكانيات كبيرة في التوغل إلى خواص وأرواح وثقافات الممثلين العرب والأوروبيين، لأن خواص الممثلين وطبعهم وبيئتهم تعطي حساسية التمثيل نكهة من نوع آخر، مثلاً عندما عملت مع الممثلين السويديين أو الإسبان أو الفرنسيين، كنت أجرُّ الممثل نحو إيقاع تمثيل متفجر وحار وعنيف، على عكس ثقافاتهم الأوروبية التي كانت تقوم على البرود والتلقي البارد، لذلك، في التمارين وخلال عرض المسرحية على الجمهور، كانت هناك مصادمات إيقاعية وذوقية قوية.
*كتبت وأخرجت مسرحية (نساء في الحرب)، وهذه المسرحية قدمها المخرج كاظم نصار.. هل تمكن نصار من تقديم رؤية للنص؟ وأي العرضين تجده أقرب إلى النص والاحترافية؟
-أكثر من مخرج، عراقي وعربي، اشتغلوا على نصوصي المسرحية، في المغرب مثلاً، جرى الاشتغال على مسرحيتي (خيوط من فضة) للمخرج المغربي (هناءي)، وفي العراق قام المخرج مناضل داود بإخراج (شباك أوفيليا)، وكاظم نصار أخرج مسرحيتي (نساء في الحرب) التي قمت بإخراجها في أكثر من دولة، ما يمكن أن أقوله إن لكل مخرج خصوصيته وتفسيره وطريقة عمله واجتهاداته وموهبته في نقل النص من الورق إلى خشبة المسرح، أمام جمهور عراقي وعربي، هو صاحب الحق في تقييم هذه التجربة أو تلك.
رصد عميق
*ما أبرز النتاجات الفنية التي قدمتها في العراق؟
– قدمت في المسرح العراقي، بعد سقوط النظام، مسرحيتين: الأولى (تقاسيم على الحياة) والثانية (حنين حار).
* كتابك (المسرح جنّتي).. هل هو تطبيق لرؤى المؤلف المخرج؟
ـ (المسرح جنّتي) هو بيان إنساني لعملي الإخراجي وتطبيقات في تجربة الكتابة المسرحية، وهو ترجمة الحياة المسرحية اليومية ورصد عميق للبروفات عبر عمل الممثل اليومي من جهة ثانية. يحاكي الكتاب حياتي اليوم والحنين إلى العراق في سنوات الإقصاء والنفي، وهي يوميات حقيقية وصادقة في تشريحها لأسباب المنفى والغربة خارج العراق وداخله.
* برأيك.. ما أهم التحديات التي تواجه الفن العراقي.. سواء أكانت في السينما أم المسرح أم الشاشة الصغيرة؟
ـ الفن العراقي في مأزق تاريخي، والسبب يعود إلى انفصام السلطة عن المعرفة والثقافة، وعدم رغبتها في إعادة بناء المجتمع المدني، والظن أن الثقافة والمثقفين الحقيقيين هم شوكة في حنجرة السلطة، ولاسيما الذين يرصدون اختلال الحياة والفن والمعرفة في مراحل الدكتاتوريات والتعسف والعنف.