البنفسجية.. حينما يكون المخرج مقاتلاً !

737

رجاء الشجيري/

مخرج شاب حمل بارود كاميرته وتوجه بميزانية متواضعة ورؤيا عميقة وخلّاقة لواحدة من أخطر مناطق الحرب “بيجي” حيث كان العراقيون يخوضون مواجهتم مع الإرهاب وبرفقة بطليه الطفلين، ليقدم فيلماً مزج فيه مشاهد الموت والحياة.. الحقيقة والخيال، بانعكاسات ألوان ورموز مبهرة ومواقف بمنتهى الجمالية والحرفية.

لهذا حاز فيلمه”البنفسجية” على إعجاب النقاد وخطف جائزة أفضل فيلم في مهرجان النهج السينمائي. إنه المخرج”باقر الربيعي” الذي قدم لنا فيلماً مميزاً لم تستطع ميزانية بغداد عاصمة الثقافة العربية أن تقدم مثله أو حتى دونه برغم المبالغ التي خصصت لها وذهبت مع الريح..
الربيعي كان معنا في هذا الحوار للتحدث عن تجربته السينمائية:

عمل من أجل السينما

*في ظل عدم وجود صناعة سينما حقيقية بإنتاج سنوي متواصل ومبادرات جادة للنهوض بها، كيف للمخرجين أن يصنعوا أفلاماً تحظى بكل هذا الإعجاب؟

-بدايتي بأول تجربة سينمائية كانت في عام 2010 وأنا طالب في كلية الفنون الجميلة قسم السينما والتلفزيون بجامعة بغداد المرحلة الثانية، كانت معاناة كبيرة لأننا طلاب ولانمتلك أية جهة منتجة سوى الكلية, حاولت قدر المستطاع صناعة هذه التجربة وكانت قناة الفرات الفضائية سبّاقة بدعم مشاريع التخرج ومشروعي أيضاً بكاميرات وأجهزة إضاءة ومعدات ومصور, والأجور الأخرى كانت من إنتاجي الخاص إضافة إلى العمل المجاني لزملائي في القسم. حينها شارك الفيلم في الدورة 25 من مهرجان السينما والتلفزيون “همسات الشياطين” وهو فيلم رعب يتكلم عن السحرومضارّه، شارك الفيلم في مهرجان بابل السينمائي الثاني وحصلت على جائزة أفضل إخراج, بعدها كان فيلم “الجانب الآخر” الذي حصل على الجائزة الذهبية من ضمن 108 أفلام مشاركة في مهرجان السينما والتلفزيون السابع والعشرين. وفيلمي الأخير”البنفسجية” من إنتاج مجموعة قنوات كربلاء الفضائية عام 2017 والذي بدأ مسيرته المهرجانية في بداية العام بحصوله على جائزة أفضل فيلم في مهرجان النهج السينمائي الدولي الثالث.

*متى يبدأ الإخراج وتختمر أدواته لديك؟

– أنا أكتب السيناريو والحوار في أفلامي عادة، وبقيت مستمراً في كتابة النصوص إلى يومي هذا، ولكن بسبب عدم توفر الدعم من أية جهة حكومية أو غير حكومية لم أستطع صنع فيلم, الإخراج يبدأ عند اكتمال النص والكادر الفني والميزانية المطلوبة للفيلم وتفريغ النص، وهذا يأخذ وقتاً طويلاً جداً، خصوصاً وأن السينما العراقية ما زالت تحبو بالرغم من وجود بعض الأفلام المهمة الشبابية وبجهود خاصة، إلا أن المشكلة تكمن في عدم وجود صناعة سينمائية عراقية لعدم توفر شركات الإنتاج ودور العرض السينمائية.

رسالتان مهمتان

*في فيلم “البنفسجية”.. كيف استوحيتَ فكرة الطفلين والمفارقة في نهاية الفيلم، وكيف صورتَ معهما ومع الكادر في هذه المنطقة الخطرة؟
-فكرة الفيلم والسيناريو للكاتب المبدع مصطفى ستار الركابي, وأنا في كل أفلامي أعتمد على أن يكون الطفل هو بطل الفيلم دائماً, الفيلم كان يعتمد على رسالتين مهمتين: الأولى هي عندما أصنع فيلماً عن الحرب أركز مع الطفل وموضوعة اللعب حتى وإن كان المكان مدمَّراً والجثث تحيط به, أريد أن أقول أن كل منازلنا هدمت وكل شيء أصبح صعباً عند الأطفال ولكني أريدهم أن يلعبوا حتى ولو كان ذلك في الحلم. الجانب الثاني طموح الطفل وطموحنا أن نجد قميصاً بدون درع، قميص يخفينا عن هذه الحروب، نريد أن نختفي لنعيش بسلام!. تم تصوير الفيلم في منطقة خطرة ومستمرة فيها الحرب في بيجي حيث صادفنا أثناء التحضيرات لأحد المشاهد العثور على جثث متفسخة ومع ذلك تابعنا بعد أن أبلغنا القوات الأمنية والمختصة لرفع الجثث من المكان, حيث سيطرت حالة من الرعب والخوف على الكادر، وبرغم هذا حرصت على أن يستمر التصوير وفي وقت متأخر في الليل في هذه المدينة المهجورة، إضافة لاختياري اللون الأزرق في الفيلم كونه من الألوان الباردة التي توحي الى المجرمين الذين يقتلون بدم بارد ويحيلون ألواننا الدافئة والبرّاقة الى لون واحد هو لون الدمار ولون اليأس، لون يشبه ثلاجة الموتى، لون مزيج بين لون العسكري الممزوج بألوان الدخان.

*يرى أندريه تاركوفسكي أن نقاء السينما وقوتها ليسا في الصور الرمزية بل في قدرتها في التعبير عن واقعة فعلية، ما رأيك بذلك؟

-لكل مخرج مدرسة معينة وعالم افتراضي يحب أن يكون فيه، أفلامي عادة تستمد قصصها من الواقع ولكن بطريقة طرح مختلفة تماماً. أي هي واقعية 100% وخيالية 100% هي الربط بين الواقع والخيال ولابد من وجود الرمز في الأفلام وخصوصاً في الأفلام القصيرة. أنا أومن بأن المشاهد يجب أن يشارك قصتنا بتفسير المعاني للصورة, الجمهور أصبح اليوم يميل إلى الأفلام البسيطة فكرياً القريبة من الواقع، ولكن بنظري يجب أن تقدم في النهاية بطريقة حلمه لكي يصبح الفيلم حقيقياً لا فيلماً مباشراً.

مهرجانات وطموحات

*كيف وجدت مهرجان النهج السينمائي الذي أقيم في كربلاء بين نسختيه الأولى والثالثة هذا العام؟

-مهرجان النهج السينمائي الدولي من المهرجانات المهمة في العراق وفي المنطقة منذ أول دورة إلى الدورة الثالثة, بصفتي عضو لجنة فرز الأفلام في الدورة الأولى عام 2015 مع الدكتور فراس الشاروط والدكتور سالم شدهان والناقد السينمائي كاظم السلوم والناقد علي حمود الحسن, وفي الدورة الثالثة قدم أكثر من 1350 فيلماً سينمائياً، وتم اختيار 93 فيلماً للمشاركة في المهرجان، وبهذا نلاحظ بأن هناك صناعة للأفلام صنعت خصيصاً لمهرجان النهج, وفي الدورة الثانية والثالثة تم فتح باب تسجيل السيناريو وتم اختيار 5 من السيناريوهات التي تم إنتاجها من قبل مجموعة قنوات كربلاء الفضائية وهذه خطوة كبيرة ومميزة للسينمائيين الشباب في العراق الذين لم تدعمهم أية مؤسسة حكومية بأن يتجهوا نحو هذه المسابقة لعدم توفر شركة إنتاج حقيقية لدعم السينمائيين, وهذا التفرد المميز والجهود الكبيرة من قبل رئيس المهرجان حيدر جلوخان ومدير المهرجان المخرج حسنين الهاني سوف يثمر في السنوات القادمة ان شاء الله في خلق ثقافة سينمائية وتوعوية برغم كل الظروف التي يمر بها وطننا الحبيب.

*ما أفكارك وطموحك للآتي في إحياء السينما لدينا؟

-طموحي أن أصنع مؤسسة أو منتدى صغيراً يحوي مجموعة من الشباب الذين يريدون أن يتعلموا هذا الفن بإعطاء دورات مكثفة في صناعة الفيلم. في الواقع هناك الكثير من المبدعين ولكن عدم وجود مكان مخصص وورش معينة سوف يحبط موهبتهم الفنية بأسرع وقت، وخصوصاً في فن كتابة السيناريو، ونفس الشيء في عدم وجود مكان معين لورشة أو مؤسسة تحويهم أو تدريب بعض الممثلين الأطفال على التمثيل, ولكن من المؤسف عدم اهتمام الوزارات المعنية بدعم الشباب والسينما في ظل هذه الظروف الصعبة جداً, نقول سينما.. متى ما تكون لدينا صالات عرض صالحة لأفلام شباك التذاكر.