الجمهور يفتح النار .. جدل لا ينتهي حول أعمال كوميدية

58

إياد السعيد/

من البديهي ألا يتفق كل المشاهدين على رأي واحد، إيجابياً كان ذلك أم سلبياً، تجاه عمل فني درامي أو برامجي، ونخص هنا ما رصدناه مما قدم في رمضان على شاشات عراقية، وكان مثار تساؤلات ونقد وصل إلى الجارح والمهين على صفحات التواصل الإجتماعي.
أعمال هي الآن صوت المجتمع بسبب اقتصار الحوارات التلفازية والصحافية على النخب فقط، وهذا قصور واضح في رسالة الإعلام، لأن ما يقدم هو لعامة الناس، وليس للنخب فقط. لذا كان علينا أن نضع عملين هما في صدارة اللغط والانتقاد اللاذع ومثار جدل شعبي ونخبوي .. عملان فنيان استهدفا الجمهور في فترة محددة هي نصف ساعة تقريباً عند الإفطار، نسميها هنا (فترة) لأنها تعني الفتور والاسترخاء بمشاهدة عمل تلفزيوني كوميدي خفيف على الأغلب، لإشاعة جو من المرح والهدوء الفكري يسهم في تهيئة نفسية الصائم للإفطار بعد ساعات طويلة من الجوع والعطش، وكذلك لجمع الأسرة ليتناولوا طعامهم بشهية وهم يتقاسمون البسمة. وأعتقد أن هذا هو الهدف الذي يجب أن تسعى إليه الجهات المنتجة لمثل هذه البرامج، ومن خلاله تستطيع تحقيق أهدافها، الأول في الإمتاع واستقطاب الإعلان التجاري.
(أمبير) و (أبجد هوس) .. رغم أنهما يتقاربان كثيراً في الجدل الحاصل عند الجمهور، لكن لكل منهما حظاً وافراً من النقاط المسجلة على أي منهما، لذا وبعين مشاهد يحمل خبرة صحافية وإعلامية متواضعة، وحساً ضئيلاً من الفن، لكنه أحد هذا الجمهور المستهدف أولاً وأخيراً .. ثمة نقاط سجلت عليهما منها:
– إجترار فكرة (تحت موس الحلاق) بأوسع صورة، لا تتناسب مع الوضع الجديد بعد أكثر من نصف قرن، والتغيير الحاصل في المجتمع وحياته اليومية، وفات المؤلف والمخرج أن محو الأمية ليس لها وجود حالياً، فكيف صنع المؤلف هذه التوليفة بفكرة قديمة مع وضع يتسم بتقانة حديثة بعيدة جداً عن المشهد القديم، وهذا التناقض أفقد العمل واقعيته.
– الحوار في (أمبير) سطحي جداً الى درجة أن معظم الجمل المنطوقة غير فعالة بدون حركات الممثلين وتغيير ملامح المتحدث، فكان الاعتماد على محمد قاسم، الذي كان داينمو العمل، ولم يكن للآخرين حضور مميز بسبب عدم اختيار ممثلين مناسبين لهذه الأدوار، ما أسهم في تهميش أدوارهم بشكل ملحوظ رغم نجوميتهم. وهذا ينطبق على (أبجد هوس) أيضاً باحتلال إياد راضي المساحة إذ اعتمد المؤلف في 90% من الحوار على ثلاثة ممثلين فقط مع الأستاذ، وأهمل الآخرين بشكل فاضح، وكأن الكومبارس مجرد حشو، بينما كان بيد المخرج أن يعيد توزيع جلوس الثلاثة (أبو سامي وأبو جمعة وأبو غايب) بشكل يحرك الكومبارس ويمنح العمل حيوية وواقعية تغطي على الحوار السطحي.
– الموسيقى التصويرية للعملين أضافت بروداً آخر، فهي غير متفاعلة ولم تواكب المشاهد المصورة باحترافية، برغم تميز أمبير بحداثة تقانة المؤثرات.
– الأدوار جميعها تقريباً ذات مشاهد إضافية حشوية، وأداء مسرحي، وليس تلفزيونياً، بكمّ الانفعال وصيغة الخطاب، مثل تأبط المديرة عصا غليظة بشكل لم نألفه مع أشد وأقسى مدير في الابتدائية، فكيف بمحو الأمية لرجال كبار السن؟
– تكرار عبارة (جميل جمال) تشير إلى جمود وتوقف الإبداع عند مرحلة معينة في حياة الفنان، وهو اجترار غير محبذ كان من اقترحه يبغي منه تذكير الجيل الأكبر بأعمال ناجحة، لكنه سقط في مطب إرباك الجيل الجديد في فهم ما يعنيه الفنان. أما في (أمبير) فالفنان ذاته لا يظهر بدور مؤثر، بل ربما للاستعانة باسمه فقط .
– في (أبجد هوس) حصر التصوير في أربعة أماكن فقط، ما أفقد العمل الإبهار الذي يمكن أن يحصل عليه لو خرج الى أماكن شعبية ذات روح وحركة وناس في حياتهم اليومية البسيطة، أما مفاجأة استيقاظ أبو سامي من الحلم فكانت نهاية غير موفقة وغير مدروسة، لأنها أنهت العمل بصيغة إسقاط فرض.
لكن على الرغم مما ذكر، فإن ثمة نقاط يمكن لنا أن نناقلها بين كفتي ميزان الإنصاف لتهدئة الجدل الذي وصف به البعض من المختصين (أبجد هوس) بأنه أساء الى فئة أو شريحة ما، والى العملية التربوية وغيرها من الانتقادات الحادة التي تمس حتى الجانب الشخصي للفنانين وجهة الإنتاج. من هذه النقاط أن الأزياء التي ارتداها كل الفنانين لا تسيء إلى أحد، بل إن إياد راضي كان يرتدي ما يعرف لدينا بـ (لفة الخلفة)، فكل خلفات وأسطوات البناء في بغداد يرتدون هذا الزي منذ الستينيات، أما الآخرون فمنهم من ارتدى (العرقجين) و(الجراوية البغدادية) والدشداشة وزي الأفندي، وكلها أزياء شائعة في كل المحافظات. كما اتهم البعض الفنان ذاته باستخدام لهجة أهل الجنوب في الحديث متقصداً الإيحاء لغرض ما!! هذا الاعتقاد خاطئ تماماً لسبب بسيط جداً، هو أن بغداد تضم كل الفئات، وأن هذه اللهجة تسود حالياً كل المناطق، على معظم اللهجات، إذ تتحدث بها كل الفئات نتيجة الانفتاح والاختلاط، وأنها لهجة محببة بسيطة تنساب برشاقة بسبب حضور الشعر الشعبي الذي كسر حاجز التفرقة والتمايز، فاذا استمعت الى دارج الشارع في بغداد ستنتبه إلى مفردات وإيقاع اللهجة ذاتها بألسن متنوعة تضيف لها حساً جمالياً يزيل كل شك باختلاف المقاصد، وخير دليل على ذلك أن بطل (أمبير) كانت لهجته الدارجة ومفرداته جنوبية متأصلة أقنعت المتلقي منذ الحلقة الأولى.