بعد أن حولها (نظام البعث) إلى أداة تعبوية لحروبه.. السينما العراقية تتطلع إلى آفاق رحبة

150

محسن إبراهيم/
كان الاعتقاد دائماً بأن السينما قادرة على الغوص في قاع المجتمع لقراءة أي حدث كان إذا ما توفر لها هامش من الحرية وظروف مؤاتية، لكن حين تتحول صناعة السينما الى وسيلة آيديولوجية تمجد حزباً وزعيماً، حينها ستتهشم تلك الصناعة وسينعزل صناعها وتطمر كل أحلامهم تحت صخرة التعبوية، وستكون السينما حينها شاهد زور على كل ما يحدث.
السنوات العجاف التي مرت بكل صنوف الثقافة والفن في بلادنا، كانت للسينما الحصة الأكبر فيها، إذ نالت الحروب من ذائقتها الجمالية. وحتى ما أنتج منها في حقبة الثمانينيات كانت صناعة بائسة مبطنة بآيديولوجيا الحزب الحاكم.
في فترة الخمسينيات وامتداداً الى السبعينيات، كان إنتاج أفلام السينما في العراق غزيراً نوعاً ما، إذ أنتج أكثر من 100 فيلم روائي. تلك الفترة التي كان يشير اليها صناع السينما بالفترة الذهبية، انتجت حينها أفلام حازت جوائز عديدة في مهرجانات عربية وعالمية، منها فيلم (الحارس) الذي حاز جائزة مهرجان قرطاج السينمائي في العام 1967. بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في عام 1968، قامت الحكومة ببناء العديد من دور السينما، ولكن، كما هو الحال في جميع الديكتاتوريات، استخدمت تلك الدور لأغراض دعائية وآيديولوجية خاصة بها، وكانت الصناعة الناتجة محدودة من حيث حرية التعبير في العراق، إذ إن كل شيء بات مؤدلجاً وتعبوياً في صناعة السينما، التي تحولت الى إحدى أدوات الترويج لذلك النظام، واستنزفت الأموال في إنتاج أفلام حربية تعبوية.
سينما 2003
بعد سقوط الدكتاتور، تحررت السينما من مخاوفها التي عاشتها في الماضي، واتجهت نحو وعي آخر زاخر بالأمل وداعية إليه، لتوثق من خلاله الأحداث وتستجيب لردود أفعال يصنعها الشعب، بعد أن تحطمت قيودها بلا رجعة، في توثيق أحداث لردود أفعال صنعها الآخرون. تنفست السينما الصعداء وسط دخان القذائف والانفجارات، بعد كابوس ماضٍ متعب وأحلام مؤجلة، وطغاة رهنوا الحياة بقسوتهم، حتى أمست مستودعاً للألم والفناء. السينما مهمتها الآن تفريغ الماضي لاستقبال حاضر جديد، والإتيان بمستقبل أكثر انصافاً. وبرغم قلة الدعم، وبجهود فردية لمخرجين سينمائيين رواد وشباب، استعادت السينما العراقية عافيتها، وباتت حاضرة في مهرجانات دولية وعربية، تحصد الجوائز. سينما صافحت الواقع العراقي مبتعدة عن أدلجة الأمور، تجارب يشار إليها بالبنان بإمكانيات متواضعة مقارنة بصنعات سينمائية أخرى توفرت لها كل سبل النجاح. ابتداء من تجارب محمد الدراجي في فيلم (أحلام). وفاضل عباس في فيلم (فجر العالم) الحائز على جوائز عدة، وعامر علوان في فيلم (وداعاً بابل)، والعريق قاسم حول وفيلمه الطويل (المغني)، وفاروق داوود في (ذاكرة وجذور)، ومناف شاكر وفلاح حسن في (قبل رحيل الذكريات)، وحسن علي محمود في (حي الفزاعات)، ومانو خليل في (شظايا من الحياة والموت)، ويحيى حسن العلاق في (كولا)، وفضل ابراهيم في (ألوان)، ولؤي فضل في (فريم)، ورعد مشتت في (موت معلن)، وحسن محسن في (فحم ورماد)، وقتيبة الجنابي في (الرحيل من بغداد)، وأحمد ياسين في فيلم (جنائن معلقة) الـــــذي حصـد العديــد مــــــن الجوائز العربية.