بعد الغزالي وسعدون والساهر زومبيات التيك توك أمست مشاهير العراق!!!

406

محسن إبراهيم/
منذ بداية القرن الحالي بدأت ملامح الفن العراقي تعبر الحدود، فسافر متخطياً تلك الحدود ليجوب العالم على أجنحة الإبداع, أسماء سطرت حروفها من نور في عالمي الفن والأدب حتى باتت سفراء للعراق في مجالات عدة.
بدأت تلك الملامح تتضح في ناظم الغزالي غناءً والسياب شعراً وجواد سليم تشكيلاً, إذ طغت شهرة الغزالي عربياً، حتى أن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب أعرب عن رغبته في التلحين للغزالي، وتم الاتفاق على ذلك في صيف 1961، غير أن الأجل كان أقرب للغزالي. ولا ننسى ذكر الموسيقار محمد عبد الوهاب مقولة مهمة جداً هي أن الغناء العربي كله تأثر بأسلوب المصريين في التلحين والغناء ماعدا الغناء العراقي.
فتح ناظم الباب لغالبية المطربين العراقيين، حتى باتت الأغنية العراقية تلاقي رواجاً واسعاً في البلدان العربية، إذ لم تخلُ المهرجانات العربية من حضور الطرب العراقي متمثلاً بسعدون جابر وياس خضر وغيرهما من المطربين. فيما استطاع السيّاب أن يفجر ينابيع الإبداع، فجعل الشعر العربي يبحر الى آفاق أخرى. أما في فن التشكيل فقد كان لفائق حسن وجواد سليم وآخرين سبق الريادة عربياً ودولياً، وما إن تذكر المسرح العراقي حتى تقفز إلى الأذهان حضارة ما بين النهرين، سومر وبابل وآشور وأكد والأدب البابلي وملحمة جلجامش, تلك الملحمة المسرحية الشعرية التي كانت مصدر إشعاع حضاري وثقافي كان للمسرح العراقي والعربي والعالمي نصيب كبير فيها.
مشاهير ولكن!!
في نقاش طويل مع أحد مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي العرب قال –وبتندر-: يقال إن العراق بلد الفن والحضارة، لكننا لم نشاهد سوى أشكال وأسماء غريبة تغزو مواقع الفيسبوك والتيك توك يطلقون على أنفسهم (مشاهير العراق)، محتوى صادم وانحطاط أخلاقي في ما يقدم من على تلك المنصة. لم يعلم الأخ العربي، او ربما هو قصور من بعض شبابنا، أن يوصل فكرة حسنة عما يحتويه العراق من إرث فني وأدبي يمتد على صفحات الزمن منذ الحرف الأول في بلاد ما بين النهرين، حيث اختراع الكتابة والرسم والنقوش والمقامات الموسيقية التي تناقلتها الأجيال، حتى بات العراق منطلقاً لكل هذه الفنون. حين لم تكن السماء مرصعة بالأقمار الصناعية ولم يكن هناك بث فضائي ولا مواقع للتواصل الاجتماعي، بل كانت الفنون والشعر والموسيقى تحلق على أجنحة الإبداع وتمطر غيومها غيثاً على أرض جرداء لم تعرف إبداع الحرف في يوم ما.
منهج صحيح
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وحين ظهور موجة المطربين الشباب وظاهرة المسرح التجاري، كان الامتعاض واضحاً لدى الكثير من النقاد الذين تربت أسماعهم على أغاني جيل السبعينيات ممن ارتادوا مسارح الرشيد والوطني والستين كرسي، حيث يوسف العاني وجلال إبراهيم وسامي عبد الحميد. ورغم تلك الانتقادات لفترة التسعينيات، لكنها كانت تخطو ضمن المستوى الأخلاقي, وافرزت فنانين عدة، إن كان ذلك في مجال الطرب او التمثيل او التشكيل، إذ برزت أسماء كاظم الساهر ومحمود أنور وهيثم يوسف ومهند محسن وقاسم السلطان وغيرهم ممن اختاروا الطريق الصحيح لتمثيل الفن العراقي، فيما ظهرت تجارب ومدارس واسماء لامعة في مجال المسرح لتمثل العراق في الكثير من المحافل الدولية وتحصد جوائز الإبداع في أكثر من مرة نتيجة لاختيار المنهج الصحيح والمراقبة لكل ما ينتج من عمل فني.
تيك توك
وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجبا بشكل عام، التي غزت مجتمعنا بصورة كبيرة، والتي أسيء استخدامها بشكل كبير، إذ كان الأولى أن تسخر لكل ما هو إيجابي، ولاسيما في مجال الانتشار وتعريف الآخرين بمنجزنا الفني والثقافي، لكن البعض استغل تلك الوسائل سلباً، إذ فتح الباب على مصراعيه للعديد من الظواهر الشاذة للظهور الى العلن. أسماء وأشكال غريبة لا همّ لها سوى الرقص والمحتوى الفاضح تحت مسمى الفن, (حمّى الشهرة) او (الطشة)، كما يطلقون عليها، أصبحت الهاجس الأول وبأي ثمن, فعند التجول في مواقع التواصل الاجتماعي في (اليوتيوب)، و(فيسبوك), و(أنستغرام), سنشاهد المئات من هذه الفيديوهات وتحت مسمى ذلك الفنان او الفنانة, تلك المواقع التي أصبحت مرتعاً لكل من هب ودب لتنقل صورة مشوهة عن الفن العراقي للمتابعين العرب الذين غالبيتهم من المراهقين الذين لا يفقهون شيئاً عن تاريخ العراق الفني والثقافي، لتمسي زومبيات التيك توك مشاهير للعراق في أعين متابعيهم!!