رومي شنايدر..محّارة باريس الحزينة

347

آمنة عبد النبي/
تخلعُ شالها السواريه الأسود وتغمز ناعسة بعينيها المسحوبتين فتدوخ رجال الكون بأسره، محارة باريس السينمائية وفوتوجينيك الغواية والحزن الفاخر الذي خلدت إليه وصار نديمها بعد فراق حبيبيها: آلن ديلون وولدها دايفيد، كان أعمق من أن يكون مجرد حزن، وإنما أضحت امرأة ميتة منذ زمن بعيد تصارع نحر حياتها في محاولات عدة الى أن نجحت في آخرها.
آلن وقف مكفناً بكبريائه بجوار سريرِ دميته الآدمية الميتة بعد صراعٍ طويلٍ مع البقاءِ على قيد الموتِ، فنعاها لما تبقى من عمره باكياً:
“أراكِ تنامين هادئة، أنظر إلى الأزهار في وجهِك ولا أراها، أفكر كم أنتِ جميلة، آه يا رومي إنها المرة الأولى في حياتكِ التي تكونين فيها ساكنة بأبديّة “..

لوعة امرأة
تجري السنوات كما الريح على غياب شنايدر صاحبة الوجه الملائكي، والعينين السماويتين كحبتي لؤلؤ، والأنف الروماني الساحر. كانت تدرك جيداً أن الجروح التي تقول إنها سوف تطيب كاذبة، وإن الجسد مهما لمع ستظل الروح جاثية على ركبتيها، ولابد لأحدهم من أن يلمح بالعينين ملح النظرات، ولك أن تتخيل لوعة امرأة يموت ابنها الوحيد وبعد أشهر على رحيله تموت منتحرة.
إنها أمومة رومي شنايدر التي انجرحت جرحاً عميقاً بمصرع ابنها البكر دايفيد في حادثة سقوط تافهة وأيضاً انتحار والده، وقبلهما فراق عشيقها آلن، الذي كان سبباً في أن تترك حياتها السابقة وتنتقل لتعيش قربه في باريس، لكن ديلون، الفتى الطائش المغتر بجاذبيته وتعدد نسائه، خذلها وخرج من حياتها وتركها وحيدة، مع أنها كانت توأم روحه وحبه الكبير ودميته، ولحد هذه اللحظة لم تجر معه مقابلة ما لم يستحضر فيها ذكرياته معها بقلب ممزق، علماً أنها تزوجت سكرتيرها، الرجل المخلص، الذي كان يهتم بشؤونها ويرعى ابنها ديفيد الذي رزقت به من زوجها الأول الممثل الألماني هارالد، ولها منه أيضاً ابنة تدعى سارة.

النجمة الأولى
روز ماري او رومي شنايدر -كما يسميها عامة الناس- الحسناء الألمانية التي عرفت كيف تسكن قلوب الفرنسيين، حيث عاشت بينهم وصارت ذات يوم نجمتهم الأولى التي أُسند إليها أول دور في سلسلة أفلام ملونة صاخبة بالمرح تتحدث عن القصر الملكي في النمسا وبالتحديد عن سيسيا، الأميرة الشابة التي ستصبح إمبراطورة، وصارت قَصّة شعرها موضة آنذاك.
وبرغم كل ذلك لم تستطع أن تجلب لحياتها السعادة، مع العلم أن أفلامها كانت تحقق أرباحاً من شأنها أن تفرح أية ممثلة أخرى، لكن رومي لم تكن سعيدة، وقد عبرت عن ذلك بقولها لصحافي سألها ذات مرة : “إن كل الظلال قد ابتعدت عني،” وحين سألها الصحافي: أية ظلال؟ أجابت بابتسامة شاحبة: “ظلال الرجال الذين قالوا لي يوماً إنهم يحبونني، ثم لم يعطوني أي شيء.”
وحده الطفل دايفيد الذي أنجبته في العام 1978، ثم أنجبت بعده أخته سارة، كان عزاءها الوحيد في الحياة، فقد كانت تعتبره أحن عليها من الرجال الذين ما عرفوا أبداً كيف يعطونها حناناً كانت تفتقر إليه، لذلك ظل خنجر موت دايفيد مغروساً في روحها، يطحن ذاكرتها، كأنما هو رجل آخر غدر بها، إذ كانت تجلس في مكتبها لساعات محاولة قضاء أكثر وقت ممكن مع ذكرياته وصوره التي تعلقها في كل مكان، وأيضاً لتستمع إلى الموسيقى وترسم الرسومات لابنتها سارة.
لقد كان إصرارها على الصمت والموت بعده غريباً الى درجة أنه أقلق جميع من كانوا حولها، فلو لم تكن ماتت انتحاراً لربما كانت ماتت بطريقة أخرى، إلى أن جاءت الليلة الحزينة التي انطفأت فيها رومي شنايدر بجرعة حبوبٍ منومة لتنام إلى الأبد، ولا يزال الفرنسيون يستذكرون ملامحها الساحرة وابتسامتها ولون عينيها الذي يصعب تحديده..