رحيل ضياء البياتي… عرَّاب السينما العراقية

1٬047

#خليك_بالبيت

محسن ابراهيم /

موسوعة متنقلة وعاشق السينما تخرجت من تحت عباءته أجيال سينمائية، باتت في ما بعد أسماء لامعة، تعامل البياتي مع السينما وكأنها معشوقته الأبدية وعابدا في محرابها.
استطاع ضياء البياتي أن يحفر اسمه في تاريخ السينما بحروف مضيئة، ربما لم ينل حظاً وافراً من الشهرة ولم تسلط عليه الاضواء، الا أن ما قدَّمه للسينما العراقية مديرا ومنتجا وموّثقا يبقى عالقا في ذاكرة الفن السينمائي العراقي.
رحل البياتي عن عمر يناهز 85 عاما، نعته وزارة الثقافة العراقية ممثلة بوزيرها، إذ عد أن من الألم والأسى أن ننعى الفنان الرائد السينمائي الكبير ضياء البياتي، الذي أسهم في بناء أسس لصناعة سينما عراقية، وكان للفقيد شغف مميّز بالفن السابع، واجتهد في وضع لمسات خاصة للسينما العراقية، نقل فيها تجربته مع كبار السينمائيين العالميين والعرب، وكان كريما مع الأجيال الجديدة فأولاها رعايته، فهو يستحق بحق لقب (عراب السينما العراقية).
فلاش باك
ولد البياتي في مدينة الحلة وفي عائلة محافظة تعد الفن شيئا غير مرغوب، منذ طفولته دأب على مشاهدة الافلام السينمائية وبدأ ولعه بالسينما وهو في المرحلة الابتدائية وفي العام 1952، انتقلت العائلة إلى بغداد وفي منطقة الباب الشرقي تحديدا، تلك الانتقالة التي أثرت في تكوين شخصية البياتي السينمائية لقربه من دور العرض السينمائي، في العام 1958 تقدم إلى لجنة الاختبارفي معهد الفنون الجميلة. وتم قبوله في الدورة الثالثة قسم الصباحي، لم يكن الطالب ضياء مجرد طالب فقط بل كان شعلة من النشاط، كان يكتب ويمثل وكانت تنسب له أدوار مهمة في الاعمال التي تقام في المعهد مثل مسرحية (ثم غاب القمر) للمخرج ابراهيم الخطيب، ومسرحية (أوديب ملكا) لجعفر السعدي.
برز اسمه خلال تلك الفترة وفي فترة التطبيق أخرج مسرحية “عوالي” لمدرسة الفنون المنزلية في الاعظمية واستمر عرضها على قاعة الشعب لثلاثة أيام، وكانت اطروحته للتخرج من معهد الفنون الجميلة. وفي العام 1960 كان هو ومجموعة من الطلبة منهم عمانوئيل رسام وبسام الوردي وراسم الجميلي يمثلون الدورة الاولى لكلية الفنون الجميلة وفي تلك الفترة انضم إلى فرقة 14 تموز لينطلق بعدها في سماء الإبداع، فكان أحد مؤسّسي إذاعة القوات المسلحة والمسرح العسكري وأول عضو في الفرقة القومية للتمثيل في مصلحة السينما والمسرح عند تأسيسها، ليشغل في ما بعد منصب مدير السينما ومعاون مدير عام السينما والمسرح لأكثر من 20 عاما.
موسوعة سينمائية
البياتي من أهم مؤرخي السينما العراقية ودأب طوال حياته على جمع أرشيف صوري لأغلب الأفلام العراقية ومخرجيها، ألّف موسوعة السينما العراقية بإجزائها الثلاثة التي تعدّ من المراجع المهمة للسينما، وضمّت الموسوعة السيرة الذاتية وأفلام روائية أُنتِجتْ للقطاعين الخاص والعام منذ العام 1909 ولغاية العام 2013، موَّثقة ببوسترات أفلام عراقية.فضلا عن السيرة الذاتية لـ “268” فنانا سينمائيا عملوا في السينما العراقي في الفترة من عام 1946 إلى عام 2003 و280 مخرجا سينمائيا شابا مع بعض من أفلامهم إضافة إلى بوسترات لها.
علاقته بالفنانين العرب
كان للبياتي علاقات مميّزة مع الفنانين العرب مثل يوسف شاهين ويوسف شعبان وعزة العلايلي وليلى طاهر وصلاح أبو سيف وكان دائم الحضور لاجتماعات الفنانين العرب في القاهرة، وكان حينها مدير السينما في دائرة السينما والمسرح ثم معاون مدير عام فيها، استطاع البياتي آنذاك أن يحصل من الحكومة العراق على مبلغ 70 ألف دينار لدعم فيلم أبي فوق الشجرة الذي مثله عبد الحليم حافظ، تلك المبادرة التي فتحت الباب أمام الفنان العراقي للمشاركة في السينما المصرية. ونتيجة لتلك العلاقة الطيبة استطاع أن يزج بمجموعة من الفنانين العراقيين في السينما المصرية منهم نزار السامرائي وقائد النعماني، وسعاد عبد الله.
مشاركات وجوائز
الجوائز والمشاركات كانت حاضرة في مشواره السينمائي حيث شارك وحضر مهرجانات سينمائية عالمية مثل مهرجان موسكو السينمائي، ومهرجان طاشقند السينمائي ومهرجان كارلو فيفاري ومهرجان فينيسيا بإيطاليا ومهرجان القاهرة السينمائي ومهرجان دمشق السينمائي الدولي ومهرجان بالمو السينمائي، وحاز فيلم العجلة الذي أخرجه محمد شكري جميل وأنتجه ضياء البياتي على جائزة (اوزوريس) الذهبية في مهرجان كراكوف السينمائي الدولي وتعدّ هذه الجائزة من أرقى الجوائز بعد جائزة الاوسكار.
فضلا عن حصول فيلم الأسوار على جائزة السيف الذهبي الذي أنتجه ضياء البياتي في مهرجان دمشق السينمائي الدولي.
عمل مدير إنتاج مع شركة وارنربراذر في فيلم التعويذة (اكزورزت) للمخرج الأميركي فردكن الذي حاز على جائزة الاوسكار عام 1973. وجهت له الدعوة من قبل هوليوود لتعيينه مستشارا في شركة فوكس للقرن العشرين لفحص ومتابعة جميع الأفلام العربية، أخرج عشرة أفلام وثائقية قصيرة آخرها عيون الذي شارك في مهرجان لايزبك السينمائي وحاز أحد جوائزه .
عمل مدير إنتاج لأكثر من 18 عملا سينمائيا ومثّل في بعض منها. أدار قسم الدراما في تلفزيون بغداد وأنتج ما يقارب أكثر من (مائة وخمس) سهرات ومسلسلات درامية خلال فترة عمله من عام 1990 لغاية 2000.
رحل البياتي وربّما ما زال في جعبته الكثير لكن ما تركه من أثر سيتبعه الكثير من عشاق السينما.

النسخة الألكترونية من العدد 363

“أون لآين -6-”