سميرة مزعل: لست مع اليأس..لكنني حزينة
#خليك_بالبيت
كاظم غيلان /
انتشر قبل أيام، عن طريق الخطأ، خبر على صفحات الفيسبوك يفيد بوفاة (سميرة مزعل)، اذ أن المقصودة كانت ابنة شقيقتها، فراح العرسان والأطفال الذين أصبحوا أساتذة جامعات ومديرين عامين ومنفيين في أصقاع بعيدة يستذكرون لحظات تصويرهم وكيف كانت (أم عادل) تقف خلف كاميرتها الشمسية.
سميرة مزعل شاهدة عصرها، ومدينتها بالذات، عبر أجيال عديدة يقترب عقدها السابع من انتصافه اليوم، وبدت خطاها ثقيلة بعض الشيء وكأن لسان حالها يعيد بيت الجواهري : (إنا عندي من الأسى جبل)، فقد عصفت سنوات عمرها بانكسارات وسجون وغرف تعذيب، مع ذلك كله تنظر للمستقبل بثقة الشخصية المنتصرة، هذه المصورة الفوتوغرافية والمناضلة السياسية تتحدث بثقة عالية وبلغة يمتزج بها الحزن بالفرح عبر هذا الحوار:
الطرفة المأساوية
•تبدأ علاقات الفنانين مع مواهبهم بحكايات ربما طريفة، فما طرافة علاقتك بالكاميرا؟
-حقاً كانت بدايتي مع الكاميرا طريفة، لكنها طرفة مأساوية، ففي أجواء انقلاب شباط 1963 كانت أجواء الرعب تحيط بيتنا بسبب البحث عن شقيقي المرحوم (عبد الرحمن شمسي) بحكم انتمائه للحزب الشيوعي، وكنت في مقتبل العمر وقتذاك، فجاء أربعة أشخاص ادعوا صداقتهم له وعرضوا عليّ تصوير ورقة بحجم (ِ A4) كانت تعلوها عبارة – ارفعوا أيديكم أيها الجبناء عن المناضلين الأحرار-، فتعاطفت مع العبارة فوراً مع أنني كنت مبتدئة بالتصوير، وكان بدائياً آنذاك، ووافقتهم ، فجلبوا لي كمية من الورق تقدر بـ (600) نسخة وباشرت بعمل نسخ البيان الذي ألصقوه على الحائط وبواسطة جهاز (لارجر) ألماني الصنع، استغرق العمل ساعات طوال وهم يتناوبون على حراسة المكان، كانت الساعات تمر ثقيلة مرعبة لحين إكمال عملي.
لم أكن أعرف شيئاً عن هذا البيان، وفور انتهاء العمل منه قام هؤلاء الشباب بتوزيع كافة نسخه في المدينة وبعضها على مقربة من مقرات (الحرس القومي)، حتى توقفت سيارة من نوع (جيب عسكري) عند بابنا في اليوم الثاني لتصحبني وشقيقي خالد الذي يصغرني سناً الى دائرة الأمن، وبدأت أول رحلة تحقيق معي بربطي من شعري على شباك متداعٍ وانثال الدم من رأسي بعد شجّه بسبب إنكاري لماقمت به، فتم نقلي إلى المستشفى جراء ذلك وجيء بطبيب لمعالجتي هو د. جاسم الحداد الذي لن أنسى موقفه الإنساني الشجاع، إذ أصر على نقلي إلى (المستشفى الجمهوري) وسط حراستهم. بعدها نقلت الى بيت المختار (رحيم) فوجدت معتقلات شيوعيات بعضهن من معلماتي في المدرسة (فاضلة جاسم عمارة، سليمة فريح، رضية الهندي) .. مررت بسلسة من التحقيقات حتى حكمت بالسجن، وكان لتدخل الفيلسوف البريطاني (برتراند راسل)، رئيس هيئة الدفاع عن الشعب العراقي التي تشكلت وقتها ومساعده الشهيد خالد أحمد زكي، دور كبير في إطلاق سراحي لصغر سني، وهذا أوردته في الكثير من الكتب لعل أبرزها ( من أعماق السجون) لمؤلفه عبد القادر العيداني.
ليست وراثة
•هل كان للوراثة دور في المهنة والانتماء السياسي؟
-لا طبعاً، فالوراثة عملية جينية، لربما كان لتعلمي المهنة على يد المرحوم والدي دور كبير، ولولا حبي وتعلقي بالكاميرا لما تعلمتها أبداً. أما في السياسة فنحن عائلة وطنية، وكانت لأخي الكبير المرحوم عبد الرحمن ومن يتردد عليه من المناضلين الوطنيين مؤثرات قوية في توجهي الفكري الذي انعكس بالتالي في طبيعة علاقتي بجميع الشرائح الاجتماعية. فبقدر ماتجدني أقف خلف الكاميرا كذلك تجدني أقف في مقدمة تظاهرة ضد الحكومة تنادي بمطالب الشعب، وهكذا تكونت شخصيتي.
– واليوم .. كيف تنظرين لكليهما.. وأعني الكاميرا – الفن – والسياسة؟
( تجيب بعد حسرة عميقة) :
-المهنة أصبحت بعيدة عن التزاماتها المهنية والأخلاقية كونها أصبحت مباحة، لذا تجدها مصدراً للابتزاز مع الأسف وابتعدت عن هدفها الإنساني النبيل، بلا رقابة، وتجد معظم الحقيقيين والأصلاء قد انزووا بعيداً واحتفظوا بآلات تصويرهم للذكريات. أما عن السياسة فمع الأسف، وأقولها لك بمرارة مع نهاية الرعيل الأول ابتدأ الخراب … راحت تردد (اللي أمضيع ذهب بسوك الذهب يلكاه)!! إنه جيل الإيمان بالمبادئ الذي رفض( البراءة).
* أجدك محبطة ويائسة؟
– لا أبداً … كل شيء ممكن إلا اليأس، فأنا واثقة من المستقبل طالما الحياة في حركة مستمرة، وستنتج كل ماهو مبهج ومسر حتماً.