عادل إمام يسرق الجمهور في شخصية “عدلي علام”
باسم عبد الحميد حمودي/
عالم السحر عالم غامض, يهاب كثيرون الخوض فيه, ويستهوي كثيرات وكثيرون, لكنه وفي كل رفضه وقبوله يحتاج فهمه الى صبر وتتبع لا دخل للعواطف المسبقة فيه. وانسياقاً مع الهوس بالسحر رفضاً وقبولاً استغل الفنان عادل إمام هذا المعتقد الشعبي الذي تؤمن به أوساط شعبية متعددة الحرف والأعمال،
فقدم لنا في رمضان هذا العام مسلسل (عفاريت عدلي علام) الذي كتبه يوسف معاطي حيث سرق عادل إمام الجمهور المشاهد في شخصية عدلي علام الموهوب والمستغل من قبل من يكتب لهم في الصحافة والأدب, لكنه المحبوب من جنية فاتنة ملك قلبها فوقفت معه وقفة عاشقة، تذكرنا بالرجال الذين يقولون عنهم في شريعة مسجد القمرية بالكرخ أنهم (يخاوون) الجان, أن فلاناً منهم وهو(ع.ي) قد تزوج جنية تأتيه كل ليلة عند شط دجلة وتسعده شهداً وعسلاً.
حسين الجبوري والسحر
أحدث كتاب عن السحر ألفه الباحث حسين علي الجبوري تحت عنوان (كوميديا السحر) وفيه تفاصيل كثيرة عن هذا العالم الغريب في بابه, عبر الكتابات القديمة عن السحر عراقياً وعربياً وعالمياً, مؤطرة بجهد الباحث الجبوري الكبير وفي الفصول التي قدمها للاحاطة بهذا العالم, ومنها ما ذكره عن زواج السعلاة – وهي من نساء الجان التي تتوافر عند شواطئ الأنهار-, وقد أورد أخباراً كثيرة في هذا الباب.
من هذه الأخبار ما نقله الباحث عن الدكتورعبد الكاظم عبد الكريم – من أهالي المسيب- عن (عبود) الذي عشقته سعلاة تقيم عند شط المسيب (وأخذته الى بيتها داخل الماء وعاشرته معاشرة الأزواج… ثم اعادته الى البر ومنحته قدرة اشفاء الناس من مرض الفقرات) وينقل الجبوري عن الباحث طلال سالم الحديثي حكاية رجل يدعى أحمد البروانة الذي كان رجلاً كريماً منح السعلاة الكثير حتى وفاته, حيث بكت عليه حين مات وانشدت تبكي:
تبجي حديثة وعانة على أحمد البروانه
لمعيش السعلوة ع الحنيني ورغفانه
وينقل الباحث الجبوري تفاصيل كثيرة عن علاقات الجان بالبشر وزواجهم منهم في عدد من المدن والأمصار العراقية وسواها.
من هنا يتضح أن لعبة عادل إمام الدرامية لم تولد من فراغ, بل من الموروث الشعبي في كل مكان.
الطلسم
في الجانب الشرقي من بغداد وعند طريق محمد القاسم السريع يرى المار معلماً اثرياً هو جزء من واحد من أبواب بغداد، وهو باب الحلبة أو باب الطلسم, والطلسم لغة عند بهاء الدين العاملي في كتابه (الكشكول) هو لفظ يوناني معناه (عقدة لا تحل) أو هو كناية عن مقلوب في السحر, وباب الطلسم هذا هو باب مسحور في عرف العثمانيين الذين عقدوا عليه طلسماً على هيأة تمثال صغير لرجل يحمل ثعبانين مسحورين حماية لما في الباب من اسلحة, وقد فجر العثمانيون مكان الأسلحة بالبارود الموجود بالباب يوم خروجهم من بغداد في 11-3-1917 لئلا تقع بيد الانجليز ولم يستطع الطلسم شيئاً!
يقول عبد الحميد العلوجي في كتابه عن (الزوج المربوط) ص22 أن (الطلسم هو العمل الذي يقوم به الساحر بمساعدة الشيطان او بناء على امره على الورق او القماش او المعدن او الخشب او المعجون كالشمع والطين بشكل مخصوص) لتحقيق ضرر معين وفي رأينا أن الطلسم – في عرف السحرة – قد يكون معمولاً لحفظ الشيء او الإنسان او احداث ضرر فيه، وطلسم باب الحلبة عمل من أجل صيانته وحفظه.. في عرف السحرة.
السحر عند أقوام شتى
لا سبيل شخصياً للإيمان بكل هذه الأخبار, لكن السحر يقوم الايمان به لدى الشعوب على التأكيد أنه جزء من الحياة الطبيعية لعدد من الشعوب.
وتروي الباحثة الأمريكية (روث بندكت) في كتابها (ألوان من ثقافات الشعوب) عن قبيلة الموجاف الأفريقية الجنوبية أن مواطنيها يعتقدون أن من واجبات طبيب القبيلة الساحر أن يقتل الناس, مثلما يقتل الصقر صغار الطير ليجعلها طعاماً له
الدوبو والرقى ومعاداة الآخرين
تقول بندكت أن قبائل (الدوبو) التي تسكن جزيرة ضمن جزر(دانتور كاستو) القريبة من الساحل الجنوبي لشرقي غينيا الجديدة لا رؤساء لهم وليس لديهم في قراهم سوى معاداة البشر الآخرين والشك بهم.
تضم كل قرية من قرى الدوبو مجموعة قليلة من الناس, ولهم طقوسهم الخاصة في الدخول الى قراهم والخروج منها, وفي كل ذهاب ومجيء تتلى رقية أو تعزيمة لدفع الشرور, و كذلك عند الحرب والزواج والسفر, وعند زراعة البطاطا!
والدوبو (في اعتقادهم) يجزمون الا نتيجة ترجى في أي ميدان في الحياة من غير سحر.
السحر والحياة خارج المجتمع البدائي
الحدود بين النظامين السحري والحياتي في المجتمعات البدائية حدود متداخلة, فما يعد سحراً خارجاً عن المألوف لدينا، هو مجرد جزء من النظام الكوني الذي يحكم البشر في تلك المجتمعات, وللساحر دوره المهم اجتماعياً لديهم, فهو الطبيب المعالج وهو الكاشف عن المستقبل وهو مستشار الحرب وصارع الأمراض… بالرقى والتعازيم.
يقول د. محيي الدين صابر في دراسته عن مجتمع الازاندي في السودان الجنوبي, وماجاوره أن السحر لديهم يتجه أساساً الى الجماعات الخارجية والدين الى الجماعات الداخلية.
سحر أكلة لحوم العدو
أن منطقة (نيام نيام) هي منطقة القبائل المتهمة قديماً بأكل لحوم البشر من الأعداء, وهي منطقة الازاندي نفسها ويكشف الدكتور صابر أن موضوع أكلة لحوم البشر: كان يتم قديماً وبصورة محدودة, وذلك للقسوة التي يرتكبها المهاجمون بحق المعتدى عليهم, لذا يكون العقاب وحشياً أيضاً بالحدود التي نفهمها نحن وهم يعدونها مجرد(عقوبة) للعدو المهاجم, وقد انتهت هذه بتدخل الحكم البريطاني أيام احتلاله للسودان قبل استقلاله.
أن منطقة الازاندي تقع في نقطة تلاقي ثلاثة دول في وسط أفريقيا, هي جنوب السودان وأفريقيا الوسطى وزائير.
السحر عندهم ويسمى (المانقو), يأتي من العراف أو الساحر وهو يأتي من العين الشريرة التي تهدد أمن الناس وحياتهم.