عبد الجبار محمود.. رائد فن الكاريكاتير في العراق

260

كتابة ورسوم / غزال محمد/
في 29 / 9 / 1931 صدر العدد الأول من صحيفة (حبزبوز) الهزلية بلوحة غلاف كاريكاتيرية رسمها الفنان المرحوم عبد الجبار محمود لـ (نوري ثابت) الملقب بـ (حبزبوز) وهو يمتطي المدفع الفلكلوري الأثري (طوب أبو خزامة) شاهراً قلمه السيّال كأول رسم كاريكاتيري في الصحافة العراقية.

ولد عبد الجبار عام 1913 في محلة الفضل ببغداد. والده (محمود نديم أفندي الطائي)، بدأ حياته موظفاً إدارياً بعد أن تلقى تعليمه في المدارس التركية، وتنقل في الوظائف الإدارية كمدير ناحية وقائممقام في ألوية العراق آنذاك، المسماة بالمحافظات حالياً. عمل في أواخر الحكم التركي والانتداب البريطاني وبداية الحكم الوطني في إدارات ديالى والبصرة وكربلاء، وبعد تقاعده تفرغ لإدارة مزرعته في ديالى – الخالص – ناحية تل أسود. كان له من الأولاد الذكور ستة، أكبرهم عبد القادر ثم عبد الكريم فعبد الوهاب وعبد الرزاق وعبد اللطيف، وأصغرهم عبد الجبار، توفى منهم وهم شباب عبد الرزاق وعبد اللطيف في الثلاثينيات من القرن الماضي بمرض السل الذي كان يفتك بالعباد، كذلك كانت لديه من الإناث اثنتان: صبيحة ومديحة.
السيدة بدرية
والدته السيدة نفيسة، توفيت بعد وقت قصير من ولادته، وبعد وفاة والدته وبسبب الأطفال، اضطر والده محمود نديم أفندي للزواج بالسيدة بدرية الخياط، شقيقة المهندس عبد القادر الخياط، الذي شغل في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين منصب المدير العام لأشغال ومواصلات بغداد. انتقل محمود نديم أفندي للعيش في منطقة الفضل – محلة المهدية، التي كانت آنذاك سكناً لوجهاء وأعيان بغداد.
لم ترزق السيدة بدرية بأطفال، بل اهتمت بالعناية بعبد الجبار وكأنه ابنها، وكانت النسوة من معارفها ينادونها بـ (أم جبير)، تصغيراً وتدليلاً لاسم عبد الجبار، كذلك اهتمت بالعناية بشقيقتيه الطفلتين صبيحة ومديحة، وقد توفيت صبيحة وهي طفلة صبية بعد أن أصيبت بأحد الأمراض الوبائية حينذاك. تتلمذ عبد الجبار محمود في الكلية العسكرية مع الملك غازي الأول، ابن الملك فيصل الأول، وفي نفس الفصيل، وتخرجا معاً ضابطين في الكلية العسكرية ببغداد، كلاهما كان يعشق الطيران، وقد برعا فيه بعد تخصصهما بقيادة الطائرات، وقد نشأت بين الضابط عبد الجبار والملك غازي صداقة أخوية بحيث كان من أقرب الناس الى الملك، وقد نمت هذه الصداقة وتطورت باقتران الضابط الطيار عبد الجبار محمود بالأميرة راجحة ابنة الملك فيصل الأول وشقيقة الملك غازي. أحيل عبد الجبار الى التقاعد بناء على طلبه، بعد فترة قصيرة من الزواج، حتى لا يقال إنه كان طامعاً بمنصب عبر مصاهرة العائلة المالكة، واتجه الى العمل التجاري بالوكالات التجارية حينذاك.
فنان تشكيلي
كان المرحوم عبد الجبار فناناً تشكيلياً مبدعاً، وهو من مؤسسي جمعية أصدقاء الفن سنة 1941. أكمل دراسة الماجستير في الاقتصاد في جنيف بسويسرا، وقد توفي هناك سنة 2007، وله من البنات اثنتان هما حزيمة ونفيسة.
لم يكن أي من أفراد العائلة يمتهن الخياطة، مع جل احترامنا للمهنة، وأيضاً فإن ما كتب عن سهولة دخول شقيقتيه صبيحة ومديحة، الخياطتين، الى قصر العائلة المالكة بعيد عن الصحة. إذ إن أخته صبيحة توفيت الى رحمة الله وهي صبية صغيرة، أما اخته الأخرى المرحومة مديحة، التي تكبره بسنتين، فإنها لم تكن خياطة، ومن الجائز أنها كانت تدخل القصر لأن زوجها (ابن عمها) المرحوم سعاد سليم، قد جرى تعيينه آنذاك كرئيس تحرير لمجلة (الجندي) في وزارة الدفاع، ومنح رتبة (نقيب)، وقبلها عمل مدرس رسم في متوسطة الغربية، إضافة الى أنه كان عضواً في هيئة ادارة الهلال الأحمر. والحاج سليم هو والد الفنانين جواد وسعاد ونزار ونزيهة، وكان قريبه محمود الخياط المشهور يومذاك في محلة الفضل بخياطة الألبسة الرجالية الراقية، كما أن زوجته وبناته اشتهرن بهذه الصنعة وإتقانها، وكن يتعاملن مع سيدات المجتمع البغدادي من زمان (العصملي)، كما ينبغي لنا أن ننوه بأن السيد محمد سليم (الحاج سليم) هو شقيق السيد محمود نديم (كانت الأسماء مركبة حينذاك)، ومحمد سليم كان ضابطاً في الجيش (العصملي) وشقيقه محمود نديم أفندي كان موظفاً إدارياً، كما ذكرنا سابقاً، ولم يكن خياطاً، لذا فإن اعتبار أن العائلة تمتهن الخياطة بعيد عن الصحة.