مهرجان القاهرة السينمائي بلا أفلام مصرية!
قيس قاسم/
ليست مفارقة صارخة، أن تخلو المسابقة الرسمية للدورة التاسعة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي من الأفلام المصرية فحسب، بل أن غيابها اللافت، يشي ضمناً بوجود مأزق حقيقي ـ هيكلي وتنظيمي ـ أوصلها الى تلك النقطة الحرجة.
تحديات
متابعو مهرجان القاهرة يعرفون كثرة الصعاب، التي تواجهه والانتقادات المتصاعدة لانخفاض مستواه في السنوات الأخيرة، والتي انتقلت من داخل الأروقة الى خارجها. وبشيوعها وجدت إداراته نفسها أمام تحديات كثيرة بعضها داخلي والآخر أسبابه خارجية، تَغيُّر العالم من حولهم فرضها، وفرض التقدم الحاصل في مستوى تنظيم المهرجانات العربية وتحسن مستوى المنتج السينمائي في بعض دول المنطقة، منافسة بات معها التسليم بأفضليته المطلقة عصياً، حتى عراقته بوصفه من بين أوائل المهرجانات في المنطقة ويقام في بلد السينما العربية الأول وتصنيفه عالمياً من فئة “A” لم تشفع له ولم تكفِ كلها للتغاضي عن واقع باتت مواجهته ملحّة، والحق فإن الدورة الحالية، مقارنة بالتي سبقتها، أفضل على مستوى الخيارات الدولية ـ على الأقل ـ لكنها ظلت قاصرة تقريباً عليها فيما غياب الفيلم المصري عن مسابقاته وقلة العروض الدولية الأولى، هما العنصران الأكثر بروزاً فيه. وحتى لا يبخس أحد محاسنه ويفقد التعاطف الحقيقي معه تواردت منذ إعلان الخطوط العامة لبرنامجه في المؤتمر الصحفي الذي حضرته رئيسة المهرجان ماجدة واصف ومديره الفني الناقد يوسف شريف رزق الله ومسؤولو أهم أقسامه ومسابقاته مؤشرات استحسان لمجالات أخرى، السينما المصرية ومهرجان القاهرة قادران على تقديمها مثل؛ المعارض الجانبية والندوات والتكريمات.
بريق اختفى
تصفح برنامج الدورة الحالية (21 ـ 30 نوفمبر/ تشرين الثاني) يكشف جهداً مبذولاً، من سوء حظ أصحابه وجود تنافس خارجي قوي له، أبهت بريقه مثل؛ وقوع موعد انعقاده بين مهرجاني “الجونة” الجديد بإدارة العراقي انتشال التميمي وبين مهرجان “دبي”، ناهيك عن شعبية مهرجان قرطاج اللافتة والمدعاة للسؤال عن واحد من أهم مقاييس نجاح المهرجانات السينمائية؛ الجمهور.
عروض في مكان واحد
حصر العروض في مكان واحد، كما تفعل أغلبية المهرجانات العالمية، يراد به تسهيل حركة وتنقل الجمهور والصحفيين بين القاعات والمراكز الإعلامية، وهذا ما فعله المهرجان خلال “دورة الراحل سمير فريد” قبل سنوات. جمع خلال تولي مسؤوليته العروض في مجمع “الأوبرا”، لكن بعده لوحظ تناقص في الحضور والمشاركة أثار معهما أسئلة حول أسباب عزوف جمهور محب للسينما مثل المصري وفي مدينة يقطنها الملايين؟ هذا العام اقترح منظموه توسيع رقعة العروض وتوصيلها الى وسط البلد، فغياب الجمهور عن أي مهرجان يوصف بـ”الجماهيري” يصيبه بمقتل وغياب أفلام مصرية عن مسابقاته الرسمية يطرح سؤالاً إشكالياً، على إدارته البحث عن جواب مقنع له. قد تشفع لهم حقيقة أن المهرجانات لا تنتج أفلاماً، فهذه ليست من مهماتها، بل تقوم هي عادة بعرضها وإتاحة الفرصة لصناعها للوصول الى أوسع جمهور محلي وعالمي، وكمّ المنتج السنوي من الأفلام ليس من مسؤوليات “القاهرة” ولا بمستطاعه معالجة الشح الواضح فيه هذا العام، لكن هذا لا يمنع التساؤل عن أسباب ذهاب “القليل” الى غيره ولماذا تَقلُ فيه نسبة العروض الدولية الأولى، ناهيك عن السؤال حول أعضاء لجان تحكيمه وقلة الأسماء العالمية الكبيرة فيها؟ قد يكون سؤال “الضيوف الكبار” غير مجد في حالة القاهرة لأسباب اقتصادية معروفة يعجز مهرجان بمالية قليلة نسبياً بالمقارنة مع مهرجانات غنية مثل الخليجية أن يوفرها، غير أن موضوع “السمعة” المشجعة يظل قائماً!. فأهمية وسمعة كل مهرجان تغويان كثيراً الضيوف بالمجيء وبخاصة في بلد مهم مثل مصر على أكثر من مستوى.
سينما شرق أوروبا
ولا يهم كثيراً في المقاييس الاحترافية “البهرجة” ولو أنها تشكل جزءاً بنيّوياً من هياكل المهرجانات العالمية. لكن كما يبدو فإن إدارته تحرص أكثر على توفير أفلام لم تُتح للجمهور المصري في الظروف العادية فرصة مشاهدتها وهي لهذا أكثر مدعاة لاهتمامها.
هذا العام، وكما في سابقاته، ثمة انتباه واضح الى سينما شرق أوروبا والدورة الحالية اختارت “جواهر منها” مثل “نينا” السلوفاكي و”آوت” التشيكي وغيرها من دول الاتحاد السوفيتي السابق ودول البلقان، امتازت أغلبيتها بقوتها. انفتاحه الواسع أيضاً، على المنتج العالمي تشي به أقسامه ومسابقاته التي أشرفت عليها مجموعة من المختصين والنقاد الشباب.
أفلام عربية
مسابقته الرسمية ضمت أفلاماً عربية مهمة مثل؛ “عرق الشتا” للمغربي حكيم بلعباس وفيلم إلياس بكار في عرضه العالمي الأول “تونس في الليل” وأخرى عالمية كفيلم المخرج التشادي محمد صالح هارون “موسم في فرنسا” و”البلجيكي “انسيرياتيد”، التشيلي “الخيول”، الايطالي “فورتوناتا” و”أسف البحر” التجربة الإخراجية الأولى للممثلة الألمانية المرموقة فانيسا ريدغريف. أما ضيف شرف الدورة فاختيرت أستراليا وجائزة فاتن حمامة رشح لنيلها الممثل سمير غانم والتونسية هند صبري والمصري ماجد الكدواني. واستغلالاً لحضور مخرجين عالميين مع أفلامهم سينظم المهرجان ندوات لهم يقابلون فيها الجمهور وجهاً لوجه. من بين الحضور المخرج الجورجي جورج أوفاشفيلي، السوري عبد اللطيف عبد الحميد، اللبنانية صوفي بطرس والهندي سانال كومار ساسيداران. فيما اختير فيلم “الجبل بيننا” للفلسطيني هاني أبو أسعد لافتتاح الدورة. أكثر من 170 فيلماً من أكثر من خمسين دولة ستُغير حتماً مزاج القاهرة وسيُضفي حضورها مع الضيوف ووجودهم اللافت في شوارعها وأحيائها العريقة جواً من البهجة والاحساس العميق بعراقة فن يعرفه أهلها جيداً ويعرفون قيمة منجز عَرف العالم بتفاصيل حياتهم وثقافتهم ويكفيه فخراً أنه وبفضله شاعت لهجتهم المحببة بين أرجاء العالم العربي كله.