هل عالجت الدراما العراقية موضوعة الإرهاب؟

658

ياسمين العقابي /

على الرغم من أن العراق يعد أكبر مسرح عالمي شهد كل قصص الإرهاب وجرائمه، وأنه من أكثر البلدان التي دفعت ثمناً كبيراً، ومازالت، في مواجهته، لكن المتابع يرى أن الدراما العراقية ظلت بعيدة وقاصرة عن معالجة موضوعة الإرهاب. وعلى الرغم من المبالغ الهائلة التي أنفقت مؤخراً على عدد من الأعمال التلفزيونية، إلا أن تلك الاعمال لم تلامس الوجع العراقي الذي خلفه الإرهاب في نفوسنا.
الحبكة الدرامية
السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم ترتقِ الأعمال الدرامية العراقية الى مستوى نظيرتها العربية -على الأقل- من ناحية الحبكة والمعالجات؟ ولماذا بات العراقيون يهربون الى المسلسلات العربية بدلاً من متابعة الأعمال الدرامية العراقية؟
إن فشل الأعمال الدرامية، رغم توفر التمويل الضخم لهذه الأعمال، وكما رأينا في مسلسل (الهروب)، بطولة مقداد عبد الرضا –مثلاً- يعود الى أن صانعي العمل غير مدركين لأبعاد الإرهاب وأسبابه، وهم يتخيلون أن المسألة هي أن هناك مجموعة أشرار متعصبين لفكرتهم يريدون قتل الآخرين.
مسلسل (الهروب)
لقد ذكرنا مسلسل (الهروب)، دون المرور بالأعمال الأخرى، ليس لأن هذا المسلسل نموذج سيئ، بل لأن بقية الأعمال، ووفقا لأبسط المعايير المتعارف عليها، لا تمت بصلة إلى الفن، وليس بمقدور منتجي هذه الأعمال خوض غمار أعمال درامية تعالج موضوعة خطيرة مثل الإرهاب.
اللافت أن الدراما العراقية، وهي تتعامل مع موضوع الإرهاب، كأنها تقدم دعاية لمعجون الأسنان، وتقدم لنا الإرهاب بوصفة أقل ما يقال عنها إنها ساذجة لا تحرك انفعالات شعب اكتوى بلهيب الإرهاب ومازال يدفع الدماء ويبحث عن الحلول للخلاص من ويلاته.
إن صناع الدراما العراقية يريدون دائماً (سلق) أعمالهم، ويعتقدون أن الإرهاب هو ذلك الخبر الذي تقدمه وسائل الإعلام عندما يفجر أحدهم نفسه في ميدان أو سوق، فتلتفت تلك الشاشات الى أقرب شخص يتوفر رقم هاتفه ليفسر ما حدث.
فلسفة الإرهاب
الدراما التي تتحرك تحت تأثير التضليل لن تقدم –قطعاً- عملاً مهماً يشد إليه الناس، لكن تلك الأفكار التي نبحث عنها لن نتوقعها من صانعي دراما لا يفهمون ماهي فلسفة الإرهاب.
وبالطبع فنحن هنا لا نجحد الجهود التي بذلت في صناعة المؤثرات واستخدام التكنلوجيا، وتلك القدرات التي تضعنا في أجواء بيئة الإرهاب، وهذا ما رأيناه في عدد من الأعمال العراقية، وبينها بالتأكيد مسلسل الهروب، لكن تلك الجهود تحتاج الى كاتب عميق ومخرج ذكي، الكاتب هو بحق صانع العمل الأول، إذ ماذا يفعل المخرج أمام نص ساذج وفكرة بسيطة.
إن الشعاراتية والخطاب المباشر لا يثيران المشاهد، فهو يمتلك القدرة على التجوال بين خيارات متاحة من الأعمال، وإن ما يبحث عنه هو فكرة تفسر له كل ما يحدث أمامه بشكل عميق يخاطب عقله، لا مشاعره فحسب. يحضرني هنا قول الفيلسوف الفرنسي جان بودريار “نحن في الغرب نعتقد أن الإرهاب تنفذه جماعات متعصبة، يمكننا القضاء عليها وإزالتها من الوجود، لكن الامر ليس كذلك طبعاً، فالإرهاب يتعدى مسألة الحقد على مجموعة بشرية والرغبة بتدميرها.”
الإرهاب في الواقع جملة من الأمور المتداخلة التي يمكنها صناعة تحويل أية مجموعة إلى قوة إرهابية تقتل بلا رحمة، صحيح أن الإرهاب في المجتمعات الإسلامية قائم على فكرة الاختلاف الديني، لكن قتل الآخر المختلف، ظلت فكرة قائمة ولم تعالج بالحرب والسلاح فقط.
ومع هذا، فإن ضخامة وتعدد الأعمال الدرامية العراقية، وإن بدا أنها أعدت على عجل، تؤشر استرداداً للعافية، إذ رأينا أن هناك محاولات مهمة يمكن البناء عليها، كشفت عن وجوه جديدة نالت أدوار البطولة، وثمة الكثير من اللمسات الإبداعية على مستوى التصوير واستخدام المؤثرات التكنلوجية.
وفي الواقع، فإن الآمال المعقودة على دراما عراقية رصينة وعميقة في معالجاتها الفكرية والدرامية لموضوعة الإرهاب، لها ما يبررها، فالمبدعون العراقيون كانوا مدهشين في تقديم قصص رائعة تناولت موضوعة الإرهاب، وهذا يستدعي أمرين: فإما أن ينخرط السارد العراقي في صناعة سيناريو تلفزيوني، أو أن يعمل كتاب السيناريو على الاستفادة من الأفكار الكبيرة التي يطرحها الروائيون العراقيون.