الجفاف يحيل الفرات إلى أرض قاحلة

770

إياد عطية /

على خلاف التوقعات، فإن الأمطار الغزيرة التي سقطت على البلاد، التي كانت تبشر بعام من الوفرة المائية، انتهت إلى واحدة من أكبر أزمات الجفاف التي ضربت عدداً من المناطق، ولاسيما في محافظتي ذي قار وميسان، حيث استهلكت الأرض الأمطار بسبب عطشها بعد أربع سنوات من الجفاف القاسي.
وفي واحد من المشاهد القاسية، يظهر مواطنون في محافظة ذي قار وهم يعبرون نهر الفرات سيراً على الأقدام ، بعد أن تحول النهر إلى أرض قاحلة تشققت تربتها بفعل الجفاف، فيما تتواصل الاتهامات لوزارة الموارد المائية بعجزها عن إيجاد حلول لمنع الجفاف، الذي ألقى بتأثيره على حياة الناس واستقرارهم، إذ تظهر مشاهد نزوح قرى بكاملها من مناطق الجفاف إلى مناطق قريبة من الأنهار، فيما عاد سكان الأهوار إلى محنتهم، ورمى الصيادون بشباكهم ومشاحيفهم، وراحوا يبحثون عن أعمال أخرى لهم، وقد عكس الجفاف بحق أزمة إنسانية كبرى، ولاسيما في مناطق ذنائب الأنهار في ذي قار وميسان.
وقال مزارعون إن نقص المياه قلب حساباتهم بموسم زراعي وافر، وتسبب بخسائر كبيرة لهم، بعد أن كانوا يتوقعون استمرار تدفق المياه إلى أراضيهم، ولاسيما أن البلاد شهدت تساقط موجات متعددة من الأمطار، مبينين أن أزمة المياه باتت تتعدى معيشتهم وأرزاقهم ومزروعاتهم، إذ أنهم مهددون بالعطش بسبب شح مياه الشرب في ظل الانخفاض الكبير لمستوى المياه.
تحذيرات
في آذار من العام الماضي، حذّرت الأمم المتحدة من أن منسوب نهري دجلة والفرات في العراق قد ينخفض بنسبة تبلغ 73%، ودعت إلى مشاركة العراق في مناقشات هادفة مع دول الجوار حول تقاسم المياه.
وأوضح المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (سامي ديماس)، في مؤتمر صحفي عقده آنذاك في بغداد، أن “العراق يشهد مظاهر قلة الأمطار وتأثيرها في مناسيب نهري دجلة والفرات بنسب وصلت إلى 73%، وارتفاع درجات الحرارة إلى معدلات أسرع بـ7 مرات من الارتفاع العالمي، وكذلك عدم التوازن السكاني بنسبة 70% في المناطق الحضرية، على نحو أدى إلى تراجع الزراعة.”
كما دعت الممثلة الأُممية الخاصة في العراق (هينيس بلاسخارت) إلى مشاركة العراق في مناقشات هادفة مع دول الجوار حول تقاسم المياه، مؤكدة أن أُسرة الأمم المتحدة في العراق تعمل بالشراكة مع العراق على إدارة الموارد المائية والتقليل من آثارها السلبية على البيئة، لكن المباحثات العراقية مع كل من تركيا وايران لم تثمر عن أي شيء يمكن ذكره سوى تعدد الوفود وكثرة اللقاءات غير المجدية.
حلول غير واقعية
وتبدو الحلول التي تقدمها وزارة الموارد المائية لتجاوز الأزمة، سواء على المستوى القصير أو الطويل، ومن بينها أن يعتمد سكان الجنوب من الآن فصاعداً على نظام التحلية للحصول على مياه الشرب، بدلاً من الاستعانة بمياه نهري دجلة والفرات، غير واقعية، لأنها بحاجة إلى بنية تحتية غير موجودة أصلاً وتحتاج إلى وقت طويل وأموال ضخمة لتنفيذها.
وتشير توقعات الأرصاد الجوية إلى أن موسم الأمطار في العام الماضي وبداية هذا العام كان الأسوأ الذي يمر به العراق منذ سنوات، فمعدلات تساقط الأمطار كانت دون المستوى، فضلاً عن انخفاض حجم الإطلاقات المائية لنهر دجلة من تركيا.
وبحسب مديرة قسم الأرصاد الجوي (سميرة رضا خلفت) فإن كل التوقعات تشير إلى أن مستوى الأمطار سيبقى على حاله خلال هذا العام، إن لم يكن أقل، وهذا يعني أن الصيف المقبل سيكون أكثر وطأة على العراقيين في المحافظات الجنوبية في ما يخص أزمة توفر المياه.
وسط هذه الازمة، ترفع وزارة الموارد المائية، والجهات الساندة لها، من أعمالها على الحدود العراقية الإيرانية بهدف إنشاء سدة ترابية لأسباب أمنية، إذ يتزايد قلق الناشطين والمعنيين بشؤون الأهوار وسكانها من مخاطر القيام بإنشاء هذه السدة الترابية الحدودية الموازية للسدة الترابية الإيرانية في هور الحويزة على الشريط الحدودي العراقي الإيراني، التي تجري إقامتها لحماية ومنع التسلل عبر الحدود بين البلدين اللذين يعانيان من نشاط تجار المخدرات على حدودهما. ولم تنفع التطمينات التي قدمتها وزارة الموارد، التي أوضحت فيها أن السدة ستكون معززة بجسور فوق الأنهر الفرعية (الأهوازات) الموجودة في منطقة شط العرب، وليس لها أي تأثير على الأهوار.
وتقول مصادر مطلعة على سير الأعمال هناك إن العراق قطع مراحل متقدمة في إنشاء سدة ترابية على طول الشريط الحدودي بينه وبين إيران لمسافة تقدر بنحو مئة كيلو متر، ستكون مجهزة بكاميرات حرارية ومخافر أمنية لمراقبة الطريق بين البلدين، الذي يشهد نشاطاً كبيراً لعصابات الجريمة المنظمة ومهربي البضائع والمخدرات. وتؤكد المصادر ذاتها أن الوزارة لم تنجح في إقناع السكان المحليين بأن إنشاء السدة لن يؤثر على حجب المياه التي تصل إلى الهور.
ويشكك ناشطون عراقيون بإمكانية أن تسهم السدة الترابية في إغلاق الثغرات الأمنية على الشريط الحدودي الطويل بين العراق وإيران، وأن بناء سد ترابي لإغلاق ما يوصف بأنه (ممر سالك) لتجار المخدرات وعصابات الجريمة المنظمة، ليس حلاً أمنياً لتحصين الحدود من أي خرق في ظل تطور أساليب التهريب وتطور الوسائل الأمنية الحديثة التي تعمل على ملء الفراغات الأمنية، التي يقال إن عصابات التهريب يمكن أن تسلكها.
تحصين الحدود
لكن في المقابل، فإن الخبراء الأمنيين يصفون موقع العراق بأنه ضمن مثلث إقليمي لتهريب المخدرات بين عدد من الدول المجاورة، ومن بينها إيران، نظراً لطول الشريط الحدودي بين البلدين، ما يصعِّب السيطرة على عمليات التهريب وتجار المخدرات الذين أدركوا الثغرات الأمنية على طول هذا الشريط الذي كان يشكل أهم الطرق الستراتيجية لمروجي المخدرات، لذا فإن القوات الامنية وجدت أن الحل يكمن في إنشاء سدة ترابية بين العراق وإيران لكبح أهم الممرات الآمنة لتجار المخدرات في المنطقة بالتعاون والتنسيق بين البلدين.
في هذا الصدد، يشير محافظ البصرة (أسعد العيداني)، في تصريح لوسائل إعلام مختلفة، إلى أن هذا الخيار هو الأفضل لتحصين الحدود العراقية عبر بناء هذا الخندق الذي يمتد من البصرة حتى ميسان بمحاذاة شط العرب.
مخاوف السكان
إلى ذلك، يؤكد مدير منظمة طبيعة الأهوار المهندس (جاسم الأسدي) أن “إنشاء السدود بالقرب من الأهوار يؤثر على النظام الإيكولوجي للأهوار، مشيراً إلى أن إنشاء السدود عمل مرفوض من قبل السكان والعاملين في الجوانب الإحيائية، لأنها تؤثر على البيئة، وفي كل حال من الأحوال لا يمكن إنكار أو تجاهل هذا الأمر.” لافتاً إلى أن “هناك دراسات سابقة طرحت في العام 2012 كانت تعارض بشدة إنشاء سدة ترابية لأنها تؤثر على النظام الإيكولوجي لهور الحويزة.”
ويؤكد الأسدي أن “إنشاء السدة كان لدواعٍ أمنية وبمفاهيم ورؤية أمنية بعيدة عن البيئة والنظام الإيكولوجي، ومن المؤكد أنها سيكون لها تأثير في مرور المياه بشكل انسيابي لتغذية هور الحويزة.”
من جهته، يعتقد الناشط البيئي (مصطفى هاشم) أن “إنشاء السدة يتعارض مع قوانين منظمة اليونسكو التي انضمت إليها الأهوار، إذ لا يجوز العبث بطبيعة المنطقة المحيطة بالأهوار وبيئتها الطبيعية.”
وتوقع هاشم أن تكون أضرار السدة الترابية أكثر من منافعها، كما أنها ستلحق أضراراً وخسائر اقتصادية بسكان هور الحويزة الذين يعانون أصلاً من تداعيات الجفاف.
كما رفض مدير مركز الأهوار (حسين علي الكناني) التعليق على موضوع وصفه بـ (الأمني)، بيد أنه أشار إلى أن الجانب الايراني أنشأ منذ عام 2011 سدة على الحدود اشتملت على منشآت هيدروليكية ومنافذ لتمرير المياه، أما السدة العراقية فهي موضوع أمني لا علاقة له بمركز إنعاش الأهوار، وأنها تقع ضمن إجراءات أمنية جرى تكليف القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي بتنفيذها، مع أن السدة تحتوي على منافذ لمرور المياه المغذية للأهوار التي تأتي من الجانب الإيراني.