الجندي محمد.. قاتل داعش بيد وحمل الطبشور في الاخرى

844

آية منصور/

لو أجرينا استبيان عام لاختيار الأفضل في العراق، لفاز الجندي الذي اصبح بعضا منا، اذ لا نشعر بالامان في الشارع، اثناء العمل، وحتى داخل مدارسنا الا بوجودهم. و الجندي العراقي لا يأتي دائما مدججا بالسلاح ، فهو يحمل في ضميره مشكاة الحياة قبل ان يحمل رصاصا للدفاع عنها، و قد يحمل طبشورا في جعبته يخط به طريقا اخر بعيدا عن أتون المعركة.

الجري خلف الحياة

محمد كاطع ابن الثامنة والعشرين، الجندي الذي حاك حلمه ليصبح مهندس ديكور، احب دراسته كثيرا، لكن مطبات الحياة وصعوباتها، اجبرته –وهو البكر- على ترك دراسته في الثاني متوسط من أجل اعانة والده الذي يعمل في وزارة الصحة براتب لا يسد حاجته واخوته الثلاثة ومصاريف حياتهم. تقبل محمد الفكرة و غادر حلمه ليواجه الحياة . عمل نجارا و ليتطوع بعد سنوات جنديا قبيل احداث الموصل باقل من شهر واحد و كانت وحدته في بغداد.
يقول محمد: كنا نتوجه للقتال من بغداد نحو هور الباشا والشيخ عامر حتى الكرمة والصقلاوية، وبقينا هناك لاكثر من ٣٦ ، ثم استقرت وحدتنا في بيجي، لاكثر من سنة، حتى اصبحنا في الموصل في شباط ٢٠١٧ حيث نحن لحد الان.
معلم بزي عسكري

ولأن الاقدار تخبئ لنا ما لم نتخيله يوما، لم يتخيل محمد ان واجبا عسكريا سيرغمه على المبيت داخل احدى المدارس الابتدائية في الموصل ليستيقظ ويجد نفسه معلما!. يصف محمد مهنته الجديدة فيقول: اضطررنا للمبيت داخل احدى المدارس الابتدائية، وفي الصباح رأيت عددا كبيرا من التلاميذ، مع ملاك تعليمي محدود جدا بعدده.
يضيف محمد : كانت هناك اكثر من ثلاثة صفوف دراسية فارغة، توجهت الى احد المعلمين اثناء الفرصة وسألته عن سبب هذا النقص في الكادر فأخبرني، و كان الجواب بأن لا كادر تعليمي رسمي في المدرسة و انهم معلمون متطوعون بالمجان.

كان هذا الجواب كافيا ان يدفع محمد ليقترح عليه ان يتطوع معهم. لم يكن الامر سهلا، احتاج الى موافقة المدير الذي اشترط ان يختبره في الصف أمام التلاميذ ليرى كفاءته في التعليم .

يكمل محمد:

دخلنا، المدير وانا، ونظرات التلاميذ المستغربين كانت نحوي، اقوم بتعليمهم بزيي العسكري، لكن الخوف تلاشى تدريجيا منهم حتى انتهى الدرس ورفضوا خروجي، فاخبرني المدير: مبارك انت معنا منذ اليوم!

حياتان مختلفتان

عند الصباح يعيش حياته بين الطلبة ومناهجهم الدراسية، يحاول ازالة بقايا الحرب منهم و ما ان ينتهي اليوم الدراسي، يرتدي زيه العسكري و يتوجه نحو وحدته. احبه التلاميذ و عوائلهم كثيرا وصار جزءا منهم . اصعب ما يواجهه هو كيفية التعامل مع اطفال خرجوا للتو من الحرب، لكنه ينجح في ابعاد الحرب بسؤال عما يحلمون به في المستقبل و عن اهدافهم و المهنة التي سيختارونها، ” وكلما حاول احدهم ان يسترجع ذاكرة الحرب، استجمع قواي لأخباره ان المستقبل ينتظره” يقول محمد و كأنه يسترجع بعضا من حلمه معهم.

الموصل بعين جندي

عن مشاهداته في حرب التحرير، يؤكد محمد، ان العوائل الموصلية –رغم قلة المواد الغذائية – كانت ترحب بالجيش وتقاسمهم الطعام والماء رغم شحته..

ويضيف قائلا: كانت الحرب زيارتي الاولى للموصل، لم ارها سابقا، كانت جميلة حتى في خرابها، ملهمة ومحبة، أما سكانها فهم الاكثر كرما، يقاسموننا الخبز والماء، متعاونون، يبلغوننا دائما كلما وجدوا اكدسة العتاد او اسلحة مخبأة في مكان ما. احببت الموصل، واهلها واطفالها، ومستعد للدفاع عنها دائما و الاستمرار متطوعا لتعليم اطفالها.